الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تواتر في المدة الأخيرة صدور تقارير من عدة دوائر مالية عالمية نافذة حول الأوضاع المالية والاقتصادية في تونس، القاسم المشترك بينها يتمثل في أن حالة عدم الاستقرار – الناشئة بشكل مؤكد عن نظام مجلسي هجين ومنهار – باتت تشكل خطرا كبيرا يحدق بمنظومة ما بعد 2011 التي قد يسقط عمودها الفقري وهو الاقتصاد في أي وقت، حسب هذه الدوائر وأبرزها وكالات التصنيف العالمية في صورة عدم إنقاذ توازناتها المالية العمومية التي تشهد انخراما غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وفي هذا الاطار، أصدرت يوم اول امس الاثنين 23 نوفمبر الجاري الوكالة الامريكية للترقيم المالي “فيتش رايتينغ” المعروفة بقربها من “وول ستريت” والديمقراطيين في الولايات المتحدة تقريرا هو بمثابة الرسالة السياسية المشفرة بيّن أن الآفاق السلبيّة للاقتصاد التونسي تعكس مخاطر السيولة على مستوى الميزانيّة بسبب تدهور المالية العموميّة وحالة عدم الاستقرار في البلاد.
وأفادت الوكالة أنّه من شأن نسبة عجز الميزانيّة أن تتعمّق لتصل إلى 10.5% من الناتج الداخلي الخام في 2020 مقابل 3،3 بالمائة في 2019.
ويعكس ذلك حسب تقرير الوكالة زيادة نفقات التأجير في ظل الترفيع في الأجور المسندة في إطار اتفاق مع المركزيّة النقابيّة منذ سنة 2019 الى جانب النفقات الاضافية الموجّهة إلى مقاومة انتشار الوباء في ظل تراجع عائدات الميزانية بسبب التباطئ الاقتصادي غير المسبوق.
كما يعني الامر تعمّق العجز، أيضا، على مستوى تطوّر النفقات الرامية إلى تسديد متخلّدات الدولة تجاه مزوّديها من الخواص ومن المؤسّسات العموميّة والتّي تقدّر قيمتها بـ 8 مليارات دينار.
وأبرزت “فيتش رايتنغ” أن إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي سيُمكن من معاضدة مرونة التمويل الخارجي لتونس وان أي تأخير إضافي على هذا المستوى سيعرقل خطة التمويل للحكومة في 2021 والتّي تعتمد على قرض خارجي صاف، قياسي، بـ 8 بالمائة من الناتج الداخلي الخام موضحة أنّ “البنك المركزي بدا حازما في لعب دوره بخصوص المحافظة على استقرار الأسعار والاستقرار المالي من خلال اشتراط دعم الحكومة توفر تفويض برلماني صريح وآليات انقاذ ملائمة” وذلك في إشارة الى تقييمها للموقف الأخير لمحافظ مؤسسة الإصدار مروان العباسي بخصوص رفضه تمويل عجز الميزانية بتمويلات تؤدي الى عجز الدولة.
وفي ظل توقع محتمل ومشروط بتنفيذ إصلاحات هيكلية عاجلة لتحسّن الآفاق أوصت “فيتش رايتنغ” بإدخال المرونة بشكل تدريجي على شروط تمويل الميزانيّة عبر التقليص من حاجات التمويل واستقرار افاق الدين الخارجي فضلا عن انتعاشة النمو في مستويات ايجابية. غير أنّ تدهور شروط السيولة الخارجيّة أو ضعف الإطار السياسي نتيجة ضغوطات تمويل عجز الميزانية سينعكس سلبا على الاستقرار الاقتصاد الكلّي وبالتالي من شأنه أن يؤدي، حسب “فيتش رايتنغ”، الى الحط من ترقيم تونس السيادي.
ولا يعتبر التقرير – الرسالة لـ “فيتش” هو الأول من نوعه، اذ سبقه تقرير اخر للوكالة أصدرته قبل أيام وذلك تحديدا يوم 10 نوفمبر 2020، مما يعكس اهتمامها الشديد بتونس رغم ضعف حجم اقتصادها وانعدام عمقه وشفافيته ويكشف أن النظام البنكي سيواجه زيادة حادة في مخاطر القرض.
وأفادت الوكالة بأن المنظومة المالية في تونس سجلت زيادات طفيفة في إجمالي الائتمان مع زيادة ملحوظة في مخصصات مخاطره خلال النصف الأول من عام 2020، مما يعكس آثار السياسة النقدية التقييدية التي اعتمدها البنك المركزي التونسي. ولا يستبعد تقرير الوكالة مخاطر كبرى للانزلاق المالي نظرًا للأزمة الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي والإجراءات التي تتخذها الحكومة لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية.
يذكر ان وكالة ستاندرد آند بورز “إس آند بي غلوبال للتصنيفات الائتمانية” اهتمت هي الاخرى بالشأن المالي التونسي حيث قدرت في تقرير أصدرته يوم 17 نوفمبر 2020 أن تؤدي التداعيات الحالية الناتجة عن وباء فيروس كورونا إلى ضغوط كبيرة على النظام المالي الوطني وذلك بالخصوص على مستوى ارتفاع عجزه عن التمويل في ظل ازدياد مؤكد لحاجة مختلف المتعاملين الاقتصاديين للتمويلات.
وأكدت الوكالة أن ازدياد هذه المخاطر سيكون ملحوظا ابتداء من 2020 ليتفاقم في الفترة 2021-2022.
وكانت ذات الوكالة قد أبرزت في تقرير لها صدر في 8 ماي الفارط ان الأوضاع المالية في تونس تشهد تأثيرات سلبية كبيرة عام 2020، وذلك مع اتجاه البلاد نحو الركود الاقتصادي نتيجةً لتداعيات انتشار وباء كوفيد-19 والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لاحتوائه مما قد ينجر عنه فقدان القطاع المالي ثلث أمواله الذاتية.