الشارع المغاربي – فشل تلو الفشل ورداءة متواصلة: إقالة عثمان الجرندي كانت ولا تزال ضرورية !

فشل تلو الفشل ورداءة متواصلة: إقالة عثمان الجرندي كانت ولا تزال ضرورية !

قسم الأخبار

20 نوفمبر، 2022

الشارع المغاربي-منير الفلّاح: بداية لابدّ من اخلاء ذمّة الوزير عثمان الجرندي من جانب هام من المسؤوليّة على حال الدّيبلوماسيّة التّونسيّة لسببين اثنين اوّلهما ان السّياسة الخارجيّة هي من “اختصاصات” رئيس الدّولة حتّى قبل صعود الرئيس الحالي قيس سعيّد لسدّة الحكم وثانيهما ناتج تحديدا عن شخصيّة رئيس الدّولة و”مقارباته” للسياسة الخارجيّة للبلاد…

وعندما نضيف لهذين السببين شخصيّة الوزير الجرندي ذاته، تتوضّح الصّورة اكثر ويصبح شبه بديهي ان تكون الامور على ما هي عليه.

فالرّجل يستجيب لكلّ شروط “الموظّف الطيّع”، لا يهمّه ممّن يتلقّى التّعليمات ولا حتّى ماهيّتها وقد اعطى ادلّة ساطعة عن ذلك بالعمل تحت امرة كلّ من تداول على حكم البلاد من المرحوم الهادي نويرة الى قيس سعيّد مرورا بمحمد منصف المرزوقي وحمّادي الجبالي وصولا لهشام المشيشي وحاليّا نجلاء بودنّ بعد ان قضّى فترة “تربّص” كمستشار ديبلوماسي لقيس سعيّد ليصعد الى منصب وزير للشؤون الخارجيّة .

مبدئيّا وعلى الورق كان يمكن ان يكون للجرندي وضع خاص في الحكومة ومع الرّئيس، لا بحكم سنّه فحسب بل لطول المدّة التي قضّاها متقلّبا بين عدّة مناصب في الشؤون الخارجيّة لكننا لا نرى على ارض الواقع سوى موظّفا ساميا تحت تسمية وزير.

قد يكون وضعه هذا “مريحا” بالنّسبة إليه ومتناسقا تماما مع “رؤية” الرّئيس قيس سعيّد لما يجب ان يكون عليه وزير أو وزيرة ما في حكومته اي اوّلا وآخرا مكلّفا بتكرار ما يقول الرّئيس في ايّ موضوع كان، بلا زيادة ولا نقصان حتّى انّه يخيّل للمتابعة او المتابع احيانا انّه يمكن تصنيف التّصريح او البيان في خانة “تلاوة محفوظات” على شاكلة تلاميذ التعليم الابتدائي !

آخر مناسبة اكّد فيها وزير الشؤون الخارجيّة والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي هذه الصّفات كانت خلال استقباله يوم 11/11/2022 المفوّض الاوروبي للعدل وقرأنا على صفحة الوزارة بموقع فايسبوك تلك الاشادات بمستويات التّعاون مع الاتحاد الاوروبي وتعزيز التشاور بخصوص الاستحقاقات القادمة الخ…الخ انطلق بعدها في سرد مزايا المسار الاصلاحي وتوق التّونسيّين لبناء “ديمقراطيّة حقيقيّة ودائمة” من خلال تنظيم انتخابات ديسمبر المقبل .

لا يخفى على احد الظّرف الذي جاءت فيه هذه الزّيارة على الاقل في ملامحه العامّة بالنّظر الى خطّة الزّائر الاوروبي ووضعية القضاء في تونس ورفع احدى الغرف القضائية الفرنسيّة التجميد المسلّط على اموال عدد من اقرباء زين العابدين بن علي.

كما لا يخفى على الكثير من المتابعات والمتابعين خاصّة من صاحبات واصحاب الاختصاص ان اداء الدّولة التونسيّة في هذا الملفّ ليس بالمستوى المفترض ان يكون عليه، حتّى انّ البعض تحدّث عن اخطاء بدائيّة ارتُكِبت كعدم ترجمة بعض الرّدود الكتابيّة على مطالب القضاء الفرنسي والاكتفاء بمراسلات باللّغة العربيّة…

قضيّة استرجاع “الاموال المنهوبة” هي احد اهمّ العناوين المتداولة في تونس منذ الثّورة وللأمانة لم تولها الحكومات المتعاقبة الاهميّة الكافية بل خضعت عامّة لحسابات ان لم يكن اكثر لمن كانوا في الحكم ومن ساندهم وتحالف معهم سرّا او جهرا ومنذ اعتلاء قيس سعيّد سدّة الرّئاسة وتواتر تناوله قضيّة الاموال المنهوبة بل تشكيله لجان تعمل تحت مسؤوليّته (بالضرورة) وبإشراف وزير الخارجيّة، لم يتغيّر الوضع بل اقتربت مآلات القضيّة نحو خسارة تونس امام المحاكم وتضاءلت يوما بعد آخر فرص إسترجاع تلك الاموال والتي باتت غالبا موضع مزايدات وتضاربت التّصريحات حول قيمتها والحال انّ المسألة تتعلّق اوّلا وخاصّة بمبدأ محاسبة من قد يكون استغلّ موقعه او قربه من دوائر الحكم لتحقيق مكاسب غير مشروعة. مع العلم أن اللجنة التي بعثها قيس سعيد في أكتوبر 2020 لمتابعة عملية استرجاع الأموال المنهوبة بإشراف عثمان الجرندي لم تجتمع إلا في القليل النادر ولم تقدم تقريرا هي مطالبة به كل 3 أشهر.

ففي لقاء عثمان الجرندي بالمفوّض الاوروبي للعدل طغى مجدّدا على لسان وزير الشؤون الخارجيّة صدى ما نسمع في كلّ مناسبة من الرئيس قيس سعيّد وحتّى لو اكتفينا بما رشح على صفحة الوزارة بموقع فايسبوك حيث ردّ الزّائر الاوروبي بخصوص الاموال المنهوبة: “اتفهم مدى اهميّة هذه المسالة واؤكّد على ضرورة التّعاون مع الهياكل المعنيّة صلب الاتحاد الاوروبي والتّشاور حول مختلف الجوانب الفنيّة المحيطة بالملف، بما يساعد على التقدّم في مسار استرجاع هذه الأموال “. ونلمس هنا، حتّى دون الرّجوع لما نشرت مفوّضيّة العدل بالاتحاد الاوروبي، البون الشّاسع بين ما يريد وزير الخارجيّة التّونسي التّسويق له وطبيعة الزيارة واهدافها.

هذه واحدة من المناسبات العديدة التي اثبت فيها الجرندي انّه ابعد ما يكون عن الطّابع السّياسي لموقعه، فهو مجرّد موظّف ينتظر تعليمات للنّطق وفق ما يطلب منه بل ليس حتّى بالموظّف المنضبط لكنّه قادر على المبادرة لاصباغ عمله بما يقتضي من مواكبة ما يحدث على السّاحة الوطنيّة او الاقليميّة او الدّوليّة.

وزير الخارجيّة عثمان الجرندي “لمع” مؤخرا بغيابه ايضا عمّا نُشِر من تبادل التّحايا بين رئيسة الحكومة نجلاء بودن ورئيس “دولة إسرائيل” بمناسبة قمّة شرم الشّيخ للمناخ… لا شيء رسمي صدر عن رئاسة الدّولة ولا عن الحكومة ولا خاصّة عن وزارة الخارجيّة واضطرَّت بعض وسائل الاعلام، امام الصّمت الرّسمي المطبق، لاخذ تصريحات من نقابة موظفي وزارة الخارجيّة على ما اذكر! والحال انّه كان يمكن ان تصدر تلك الإجابة “الموظّفاتيّة” البعيدة كلّ البعد عن الخطب الحماسيّة والشّعارات التي سمعناها من قيس سعيّد مرشّحا ثمّ رئيسا منتخبا في بيان مكتوب على صفحة الوزارة.

المؤلم في الموضوع اننا بتنا تقريبا لا نرى اثرا للعمل الدّيبلوماسي اليومي المتواصل لتدعيم مكانة البلاد على السّاحة الدّوليّة ولا نرى اثرا يُذكر للدّبلوماسيّة التّونسيّة خارج بعض المناسبات والمشاركات إمّا الباهتة او المحدودة والمنتهية بانتهاء موجة استنكار او المضخَّمة على بعض مواقع وصفحات الموالاة لتوجّهات قيس سعيّد! فعلى سبيل الذّكر لا الحصر غياب اي اثر يذكر للدّبلوماسيّة التّونسيّة على السّاحة الافريقيّة والعربيّة، فغالبا ما يقع نشر صورٍ للقاءات جانبيّة واعلانات نوايا ثمّ لا شيء تقريبا بعد ذلك ولا نسمع سوى عبارات من قبيل “اقتحام الاسواق الافريقيّة” وهو بين قوسين من التعبيرات التي تنمّ عن جهل حتّى بمقتضيات الخطاب التّواصلي السّليم تجاه دول تعتبر عمقا استراتيجيّا طبيعيّا لبلادنا، ولولا بعض المبادرات غير الحكوميّة من اصحاب وصاحبات اعمال وجمعيّات مدنيّة لكان وجود تونس جنوب الصّحراء منعدما !

اضافة الى كلّ هذا، نلمس وبصورة متزايدة، تناقص عدد السّفراء بالخارج وكأنّ وجود سفيرة او سفير في عاصمة من العواصم امر ثانوي ولا يتعدّى الجانب البروتوكولي الشّكلي وربّما الشّكلاني. فهناك عشرات السّفارات التّونسيّة دون سفيرة او سفير ونقف على خطورة الامر عند وجود قضايا تتطلّب تمثيلا دبلوماسيّا رفيعا للتّعاطي معها كما هو الحال مثلا بالنّسبة لايطاليا على خلفيّة المآسي المتتالية النّاتجة عن الهجرة غير النظاميّة…

وزير الشؤون الخارجيّة والهجرة والتّونسيّين بالخارج عثمان الجرندي غائب دوليّا وحتّى عن وزارته! هل يمكن لاحد ان يتفهّم سكوت المسؤول الاوّل بالوزارة على افتقار مصالحها اطارات بأهميّة سفراء وقناصل فضلا عن غياب أي تصوّر لما يجب ان تكون عليه الدّبلوماسيّة في عالم متحوّل بل شديد وسريع التحوّل؟ هل سمعنا عن رؤية لخارطة تمثيليّات دبلوماسيّة في العالم وخاصّة في قارّتنا؟ هل سمعنا عن عمل مشترك بين وزارته ووزارات اخرى لفتح آفاق جديدة لعلاقات تونس مع الخارج ؟

قد تكون بعض “انجازات” عثمان الجرندي غابت عن متابعتنا لكن ذلك يعطي انطباعا بأنّ وزير خارجيّة شؤوننا “البرّانيّة” من نوع “حطّ ثمّ، تلقى ثمّ” و”حل الصرّة حتى الخيط ما تلقاهش” و”الّي ما يعمل شيء ما يغلطش” .

يكفي فشله في تفعيل اللجنة التي ترأسها قيس سعيد لاسترجاع الاموال المنهوبة وهو بصفته وزيرا للخارجية والعضو الثاني بعد رئيس الجمهورية محمول عليه تفعيلها والسهر على نجاحها، يكفي لاقالته.

هذا ما كان مفروضا أن يُقَرّر لو لم نكن في “بلاد التررنّي”.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 نوفمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING