الشارع المغاربي – برامج وفيديوهات لا تخدم الوعي ولا الذوق ولا الحقيقة ولا الوطن!

برامج وفيديوهات لا تخدم الوعي ولا الذوق ولا الحقيقة ولا الوطن!

قسم الأخبار

15 يناير، 2022

الشارع المغاربيمنير الفلاح: عادة وفي فترات الأزمات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والسّياسيّة تطفو على السّطح ظواهر لعلّ أشهرها تكاثر المشعوذين(ات). والشّعوذة قد تمتدّ من”التّنجيم” إلى”السّحر” إلى الفقّاعات الإعلاميّة وأخطرها تلك التي تلتحف بمواضيع و”قضايا” سياسيّة. وقد يصل الأمر الى حدّ الإدّعاء بالمساهمة في كشف “ملفّات فساد وسرقة أموال الشّعب” وتجِدُ في المِخيال الموبوء أصلا بنظريّات المؤامرة وإرهاب المُتلقّين والمُتلقّيات بخطر مُحدِقٍ من هذه الجهة أو تلك!

هذا الوضع يزداد تعقيدا بل خطورة عندما يتوسّع مجال تأثير هذه الظّواهر بفِعل تزايد الولوج لمواقع التّواصل الإجتماعي (في بلادنا أساسا فايسبوك) دون توفّر حدّ معقول لدى الجمهور المتلقّي من ثقافة البحث والتّمحيص ومحاولة التّحليل أي بتملّك الحدّ الأدنى من التّفكير العلمي.

ولا يخفى على مُتابعٍ(ة) أنّ هذه الظّاهرة باتت منتشرة ومتواترة بتواتر مستجدّات السّاحة الوطنيّة سواء بمناسبة أو بدونها ولعلّكم تتابعون على صفحات فايسبوك إنتشار أخبار من قبيل فلان(ة) متّهم بكذا أو كذا أو تمّ إيقاف هذا الشّخص أو ذاك…هذا طبعا إلى جانب ما يأتي البعض من نشر فيديوهات تتعلّق بقضيّة بل بتُهمٍ ولا يفوّت هؤلاء الفرصة للظّهور بمظهر الأبطال وإعطاء “بهرج” لشخوصهم (التي ربّما لم يسمع بها أحد لحدّ إعتراض ذاك المنشور الفايسبوكي) بالجلوس على كرسي (أو أريكة) أمام حائط أبيض وطبعا حاسوب وسمّاعة، للإيهام بأنّ الأمر جلل وبأن صاحب المنشور مُعرّض لكلّ أخطار الدّنيا !

آخر هذه “التّحقيقات الخطيرة” يعود لشخص لم أسمع عنه شيئا في ما مضى تحدّث فيه وتحدّث وتحدّث طيلة ما يزيد عن السّاعة والنّصف الساعة عمّاذا؟ عن زوجة الرّئيس الأسبق المخلوع وحياتها وبناتها وعلاقاتها المفترضة المشبوهة ببعض الأسماء وقضايا فساد وإعداد مخطّط للإنقضاض على البلاد وإستعادة جاهها وثروتها !

الفيديو مصنوع بقدر من “الحرفيّة”. فقد إنطلق بما يمكن اعتباره تقديما لأهمّ ما سيرِدُ فيه وتمشّي صاحبه. قدّم الشّخصيّات التي ستؤثّث روايته ثمّ مُختلف المحاذير التي سعى لتفاديها كـ”التّثبّت (نعم هكذا)” من المعلومات التي ينوي “إِنارة” الرّأي العام الغافل (وفق تقديره) عن الدّسائس التي تُحاك ضدّ البلاد وطبعا وكما هو منتظر من مثل هذا الشّخص، أعطى لنفسه اليد العليا على النّاس وضمائرهم فهم، وفق قوله، باعوا البلاد وعليهم الإستفاقة من سباتهم والتصدّي للمؤامرات الحاصلة أمامهم وعلى شاشات القنوات التّلفزيّة بقوّة الأموال وبأيادي وجوه معروفة وبنوع من تواطئ بعض الإعلاميّين. إعلاميّون لم يفوّت صاحب “التّحقيق” الإثناء على مِهنيّتهم بقطع النّظر عن مصادرهم وآخرون إستشهد، للتّأكيد على صدقيّة ما يقول، على إعتزامهم بثّ تحقيق عن نفس الموضوع وبنفس المؤيّدات وجدّد لهم مساندته ودعمه !!!

هذا المُحقِّق، إن صحّت مُجرّدُ التّسمية، حرص على إعطاء نوع من الإيقاع بل مزيج من إيقاعين لحديثه المُطوَّل جِدّا(أكثر من الضّروري) أوّلهما سلسلة من عبارات وأوصاف بل شتائم من قاموس غاية في البذاءة يحاول تفكيكها (صوتيّا) إلى مقاطع حتّى لا “يُتّهم” لا سمح اللّه بإستعمال كلام بذيء !أمّا اللّحن الثّاني فهو التّأكيد على قلّة الوطنيّين (ومنهم شخصه العظيم طبعا) مقابل انتشار الخيانة وانعدام الوطنيّة والإستعداد لبيع كلّ شيء ودعوة من يستمع له ويشاهده لتسجيل خطابه وتعميمه !

ما جاء من وقائع مُفترضة لا يحمل معلومات جديدة أو تخرج عن السّياق العام الذي يُذكر فيه الطّرابلسيّة وممارساتهم واستعانتهم ببعض الوجوه المعروفة لإدارة أعمالهم أو بالأدنى ليكونوا واجهات للتّسويق. كما أنّ ذكر “كادوريم”كأحد أهمّ أدوات ليلى الطّرابلسي ليس بالجديد أو بالمفاجأة بالنّسبة لشرائح واسعة من الشّعب التّونسي…

فالشّخص وبقطع النّظر عن مظهره الخارجي أو كونه طليق إحدى بنات بن علي يمثّل لدى الكثير من المتابعين نسخة مختلفة أو مُحيّنة لنوعيّة من الشّخصيّات العامّة التي تتستّر وراء العمل الخيري لجني منافع كمزيد من الشّهرة أو الإستعداد لتأسيس مشروع سياسي (والعبارة مقصودة) ومنه الولوج للمشهد السّياسي والإنتخابي على غرار آخرين سبقوه في هذا النّهج كسليم الرّياحي ونبيل القروي وآخرين.

أمّا بالنّسبة لذكره إسم الهادي زعيّم وبرنامجه على قناة خاصّة فهذا أيضا ليس باللّافت للإهتمام لأنّ مثل هذه البرامج تسعى لتحقيق أعلى نسب مشاهدة ثمّ تُتداول على وسائط التّواصل الإجتماعي بالإعتماد على الإثارة (الـ buzz) حتّى وإن أدّى ذلك لإستضافة أشخاص لا عمق لديهم ولا مصداقيّة والتّأثيث بتصريحات وتسريبات وما شابه).

واعتمد صاحب الفيديو المنشور طريقا مُلتوية للّعب على حبلَي مديح الهادي زعيّم والقناة والإيحاء بأنّ لزعيّم حياته الخاصّة التي لا يودّ مُحقّق آخر زمان الخوض فيها والحقيقة أنّ الهادي زعيّم قد يكون أعطى من حيث لا يريد فرصة لهذا الشّخص للخوض في إسمه بدعوة كادوريم أكثر من مرّة!

مثل هذه الفيديوهات وبعض المقالات باتت لا تُحصى ولا تُعدّ على النّات وكلّها تصبّ في إرادة التّعمية والتّشويش وخلق أجواء من الخوف وترقّب الأسوإ وللوصول لهذا الهدف يلجأ كلّ طرف الى سيناريو كارثي يستدعي فيه أشخاصا باتوا من الماضي ويصعب على أيّ عاقل أو عاقلة تصوّر عودتهم (هنا الطّرابلسيّة) بنفس القوّة والسّطوة!

لقائل أن يسأل: وما الموجب إذن لكتابة هذه الأسطر عن هذه الظّواهر؟

لقائل أن يسأل: وما الموجب إذن لكتابة هذه الأسطر عن هذه الظّواهر؟

هذا الشّخص وغيره يزيدون لا فقط من إفساد الذّوق العام بل خاصّة نشر القيل والقال. فالحريص على مصلحة البلاد يسعى لذلك بالطّرق القانونيّة وإن تعذّر عليه ذلك فبإمكانه الإعتماد على حرفيّة صحافة جادّة،وأنا شبه متيقّن من أنّ ذكره برنامج حمزة البلّومي “الحقائق الأربعة” يدخل في خانة سعيه لإضفاء شيء من الوجاهة لشخصه وحديثه على النّات قبل بثّ حلقة عن شبكة ليلى الطّرابلسي،إن صحّت تسريبات هذا الشخص.

هذا”المحقّق” حرص على نشر”تحقيقه” أيّاما معدودات قبل برنامج حمزة البلومي (إن كان هذا الموضوع مدرجا فِعلا ضمن تحقيقات الفريق الصّحفي) واختار له عنوانا غاية في الإثارة: “ضربة قاضية وبطاقات إيداع بالسّجن”… كما لوكان هذا السيّد قاضياً !

هذه التّحقيقات المزعومة لا تخدم لا الوعي ولا الذّوق ولا خاصّة الحقيقة التي يجزم بوقائعها القضاء والصّحافة الإستقصائيّة الحِرفيّة وما عدا ذلك فهو لغو !

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING