الشارع المغاربي – كريمة السعداوي: تمّ الإعلان في سابقة من نوعها خلال جلسة عمل، التأمت بداية هذا الأسبوع بإشراف وزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، عاقصة البحري، ووزير المالية والاقتصاد ودعم الاستثمار علي الكعلي، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم، سلوى الصغير عن دعوة المجمع الكيميائي التونسي إلى توريد 60 ألف طن من الامونيتر وهو منتج فسفاطي استراتيجي وذلك على 3 دفعات بـ 20 ألف طن وفي اسرع الاوقات بالتنسيق مع جميع الاطراف، سعيا للاستجابة لحاجات القطاع الفلاحي في سياق إنجاح الموسم 2020 /2021 وتوفير كل مستلزمات الإنتاج، وخاصّة منها الأسمدة لتغطية حاجات المنتجين الفلاحيين.
وأتت هذه الدعوة في ظل الصعوبات، التّي يمر بها المجمع الكيميائي في تصنيع الأسمدة الفسفاطية وخاصة مادتي الامونيتر وثاني آمونيا الفسفاط الضروريتين لموسم الزراعات الكبرى أساسا وبقية القطاعات الأخرى، نتيجة توقف الإنتاج كليّا منذ الأسبوع الثاني من شهر جويلية 2020 نتيجة عدم تزوّد المجمع بالكميّات اللازمة من الفسفاط منذ الأسبوع الثالث من شهر جوان 2020 بسبب “اعتصامات” و تحركات مشبوهة عطلت عمل شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي.
مافيا مضاربي الأسمدة تتحرك
وتقدّر كلفة توريد 60 ألف طن من الأمونيتر، التي يطالب الفلاّحون بإيجادها في التوقيت الضروري عند انطلاق موسم البذر للزراعات الكبرى باعتبار أنّه يمثّل نحو 90% من الأسمدة الآزوطية المستعملة في الفلاحة التونسية، بنحو 45 مليون دينار.
وتوقعت العديد من الأطراف بلوغ قطاع إنتاج وتصنيع الفسفاط هذه المرحلة من التردي والخسائر المضاعفة منذ مدة باعتبار توقف الإنتاج وتسببه في انهيار رقم المعاملات بشكل تام من ناحية وبداية تحمل البلاد عبئا ماليا جديدا وهو المتمثل في كلفة توريد العديد من المواد الكيميائية التي كانت تصنع من قبل في تونس من ناحية أخرى.
من جهة اخرى ورغم ضخ الاسمدة، فإن متابعي الشأن الفلاحي الوطني يخشون تواصل إشكالية توفر الأسمدة اللازمة للبذر بداية الموسم المستمرة بشكل لافت منذ 2019 في ظل تعثر معمل الشركة الصناعية للحامض الفوسفوري والأسمدة (سياب) والخوف من مزيد تضرر الفلاح الصغير والمتوسط بشكل خاص بحكم وصول سعر بعض الاسمدة على غرار “د أ ب” الى 75 دينارًا وتوزيعها في الليل من قبل مافيا مضاربين ومحتكرين ضاربة في كافة أنحاء البلاد.
كيف وصلت تونس إلى مرحلة توريد منتجات الفسفاط ؟
لم تشفع للمجمع الكيميائي التونسي جودة التصنيع التي عرف بها وأهمية موقعه في الاقتصاد الوطني، إنتاجا وتصديرا، اذ دخل او بالاحرى ادخل مرحلة ركود كبرى على صعيد طاقته التحويلية واضطرابها في عدة مناسبات منذ 2011 مع تعمق ملحوظ للازمة، على هذا المستوى، وذلك تحديدا في ماي 2015 إذ توقفت آنذاك وحداته عن الإنتاج كليا و ازدادت الوضعية تعكرا خصوصا سنة 2018 نتيجة انقطاع التزويد بالفسفاط بما أدى إلى نفاد مخزون المواد الأولية لفترة طويلة على وقع ما يعرف الحوض المنجمي من فوضى عارمة لم تتوقف طيلة العقد الأخير.
ومن مؤسسة رابحة، تحول المجمع الكيميائي التونسي إلى شركة سجلت وفق بيانات التقرير الصادر مؤخرا عن وزارة المالية، خسائر بقيمة 100 مليون دينار نهاية 2018 بما يعني أن الشركة استهلكت رأس مالها خمس مرات وهو الذي يناهز 497 مليون دينار في حين وصلت ديونها إلى 1231 مليون دينار منها 530 مليون دينار للبنوك. كما يساوي حجم الأجور 268 مليون دينار تصرف لنحو 5852 عون وإطار علما أن هؤلاء انتفعوا بين 2016 و2018 بالترفيع في رواتبهم بنسبة 14% رغم الأزمة الخانقة للمؤسسة ليصل معدل الأجر الشهري الخام لكل موظف إلى 3816 دينار. وباعتبار تجاوز الديون مرتين ونصف رأس المال، فإن المجمع الكيميائي التونسي هو مجمع مفلس، قانونا وعرفا.
ويرتبط مسار سقوط المجمع الكيميائي التونسي الى حد بعيد بازدياد تأزم وضع شركة فسفاط قفصة عامًا بعد آخر بتعمّق مشاكلها من إضرابات وجدل انتدابات وأزمات تصرّف أثرت على التوازنات المالية للشركة ومردوديتها الإنتاجية. وعملت حكومات ما بعد 2011 بشكل انتهازي على التخفيف من حدّة الاحتقان في الجهة والسيطرة على غضب المواطنين ولكن على حساب التوازنات المالية للشركة، من خلال فتح باب المناظرات على مصراعيه مما أدى لارتفاع عدد عمالها من قرابة 9 آلاف عام 2010 إلى حوالي 30 ألف حاليًا.
وتبلغ خسائر الشركة حسب آخر معطيات وزارة المالية لسنة 2018 نحو 94 مليون دينار مما يعني أنها استهلكت أموالها الذاتية التي تعادل 616 مليون دينار 6 مرات ونصف في حين تصل ديونها إلى 128 مليون دينار منها 80 مليون دينار ديون بنكية بعد أن لم تكن الشركة تحصل على أية قروض وانما كانت المؤسسة الاولى في البلاد على مستوى توظيف فائض خزينتها في كافة بنوك تونس. وتصل قيمة الأجور إجمالا الى 237 مليون دينار. كما يناهز معدل الأجر الشهري الخام 3233 دينار.
ولكن عجزت هذه الحكومات عن حلّ أخطر مشاكل الشركة التي أثرت على مردودية إنتاجها وكذلك المجمع الكيميائي وهو مشكل نقل الفسفاط مما أدى إلى تراجع مساهمة قطاع المناجم إجمالًا في الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.5% لا غير، سنة 2019.
وتطرح أزمة نقل الفسفاط شبهات فساد بل وإجرام بخصوص فرضية دور الشركات الخاصة للنقل في تمديد هذه الأزمة عبر الأعمال التخريبية للسكك الحديدية أو لقاطرات النقل على غرار حادثة حرق قاطرة ومحاولة حرق أخرى في الفترة الاخيرة.
ومن المؤسف ان ينهار قطاع محوري في الاقتصاد الوطني وسط صمت مريب من كافة مكونات المجتمع التونسي تقريبا والأمر يتعلق هذه المرة بإنتاج الفسفاط وتصنيعه. ويصعب كثيرا أن يلتمس أي كان عذرا للضمائر الحية للتونسيين في ظل عدم الاكتراث بمثل هذا الوضع المفزع في خصوص الإنطلاق القريب للمجمع الكيميائي التونسي لاستيراد منتجات الفسفاط لمواصلة نشاطه بعد أن توقف تزويده بالمواد الاولية كليا من قبل شركة فسفاط قفصة التي تمر بدورها بأدق ظرف في تاريخها.