الشارع المغاربي: شكل اخلاء المقر الرسمي للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة بالقوة العامة الحدث يوم امس الاثنين ليس فقط لأن العملية تعد سابقة لنقابات تبين ان لها امكانات مادية هائلة ولا لسبب موضوعي قد يفسّر تطورات يوم امس التي جاءت في خضم توتر غير مسبوق بين وزارة الداخلية والنقابة وسبقها اصدار 8 بطاقات ايداع بالسجن في حق 8 نقابيين امنيين على خلفية احداث صفاقس. معطيات حول ” العقار” كشفت ان العملية لا تخرج عن سياق الصراع بين النقابة والوزارة وانه لولا هذا الصراع لما تمكن صاحب العقار من استرجاعه اصلا.
اعلنت وزارة الداخلية يوم امس الاثنين 26 سبتمبر 2022 في بلاغ نشرته على صفحتها بموقع “فايسبوك” عن اخلاء شقتين تستغلهما النقابة الوطنية لقوات الامن الداخلي الاول كمقرّ رئيسي لها والثاني لعضو بمكتبها التنفيذي مؤكدة انه “تم خلال العملية بالتنسيق مع عدل تنفيذ وبحضور ممثل النقابة فتح خزنة بالعقار والعثور على مبلغ مالي قُدّر بحوالي 600 ألف دينار”.
النقابة استغربت عملية الاخلاء وردت على حجز المبلغ المذكور بالتأكيد على وجود محضر مدون من طرف عدل تنفيذ حول سحب المبلغ المذكور من حساب النقابة بالبنك مبينة على لسان الناطق الرسمي باسمها شكري حمادة ان المبلغ كان سيوجه لتحركات النقابة ولخلاص اجور العملة ولعائلات الموقوفين ولخلاص اتعاب هيئة الدفاع عنهم مشددا على انه تم سحب المبلغ تحسبا لاي طارئ .
وأبرز حمادة ان حكما قضائيا وراء إخلاء المقر “إثر خلاف مع مالك المبنى” معتبرا في تصريح لاذاعة شمس انه “لم يكن هناك داعيا لاستعمال القوة العامة ” مستندا في ذلك الى ان النقابة طلبت من “عدل التنفيذ متابعة الموضوع لمعاينة التسليم وبحث حل سملي” مضيفا ان ذلك يبين انه لم يكن هناك موجبات لممارسات وزارة الداخلية متهما الوزير توفيق شرف الدين بالبحث عن” صورة أخرى لتسويقها بخصوص النقابات”.
وأقر حمادة بأن “الحكم القضائي صادر منذ فترة”، موضحا انها “قضية قديمة مع مالك المبنى والحكم صادر بالإخلاء” لافتا الى انه لم يكن هناك مبرر لاستعمال القوة العامة باعتبار انه لا يوجد امتناع على تنفيذ الحكم”.
قصة “العمارة”
كشفت الاستاذة نوال التومي محامية مالك العقار لـ “الشارع المغاربي” ان اطوار النزاع حول العقار تعود الى سنة 2011 مبينة ان منوبها تمكن من استصدار احكام قضائية ضد وزارة الداخلية التي قالت انها كانت قد “استأجرت شقتين بالعقار قبل ان يقتحم بعض اعضاء النقابة العمارة ويستولوا على الطابقين الاول والثاني ويواجهوا مالكها بان العمارة لم تعد على ملكه”.
وابرزت التومي ان” بعض اعضاء النقابة ذكروا في محاضر سماعهم لدى حاكم التحقيق ان وزير الداخلية الاسبق الحبيب الصيد وضع على ذمتهم شقتين بالعمارة منذ سنة 2011 لافتة الى انه تم في 2013 اصدار احكام قضائية ضد النقابة لاخلاء العمارة والى ان تنفيذ الاحكام بقي مؤجلا الى حدود سنة 2018 بما دفع عدل التنفيذ الى تحرير محضر عجز عن الإخلاء”.
وأضافت “صعوبة استعادة العمارة من النقابة الامنية لم تثبط عزائمنا فاتصلنا بمختلف الوزراء المتعاقبين على وزارة الداخلية دون جدوى واتجهنا الى تقديم شكاية الى القضاء للمطالبة بحل النقابة باعتبار تحولها من نقابة امنية الى عصابة امنية وباصدار احكام قضائية جديدة.”
وتابعت “في الأثناء كنا عرضة لعمليات متتالية للابتزاز والتهديد من قبل وسطاء محسوبين على بعض النقابيين فرفعنا شكاية الى وزارة الداخلية ضمناها فحوى الابتزاز المالي الذي نواجهه”.
وقالت: “في البداية كانوا يطلبون مبالغ مالية كبيرة لتوزيعها على عدد من اعضاء النقابة ثم اصبحوا يقترحون مبلغا ماليا معينا لكل عضو لكننا رفضنا الاستجابة لمحاولات الابتزاز التي كانت في مجملها تفوق القيمة المالية للعمارة”.
ولفتت المحامية الى ان طول مدة استيلاء النقابيين الامنيين على العمارة دفع بفريق الدفاع الى تنويع الوسائل القانونية لاسترجاع العقار ذاكرة انهم توجهوا صحبة عدل اشهاد الى اعضاء النقابة لاستفسارهم عن صفتهم القانونية في هذا الهيكل النقابي لاثبات ذلك في محضر معاينة وان النقابيين اجابوا بانهم موجودون في العمارة منذ سنة 2011 وانهم لن يُفلحوا في اخراجهم منها.
وتابعت “في ذلك اليوم كنت من بين الحاضرين مع عدل الاشهاد فتعرضت الى الاعتداء بالعنف والسب. وحين توجهنا الى احد مراكز الامن لتقديم شكاية بالنقابيين الامنيين تعرضنا الى سخرية عدد من الامنيين من رفع شكاية ولم تشهد الشكاية أي تقدم يذكر.
الاستاذة ابرزت انه تم تقديم 7 شكايات قضائية وعديد الشكايات بالنقابة الامنية الى رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية مفسّرة تحرك الوزارة يوم امس الاثنين لاخلاء العمارة بانتهاء الحصانة السياسية المتوفرة للنقابات الامنية وبخشية بعض الوزراء من سطوة النقابات وتنفذها.
وواصلت المحامية “الغريب في الامر ان صاحب العمارة كان يمر يوميا امام مقر عمارته الكائن بشارع الحبيب بورقيبة قرب وزارة الداخلية دون ان يتمكن من دخولها او حتى الاقتراب منها.
وذكرت التومي انه لا اساس من الصحة في ما جاء على لسان شكري حمادة من ان النقابة امتثلت للقانون مشيرة الى ان اعضاءها تعمدوا بعد صدور الحكم القضائي باخلاء العمارة القيام بأشغال ترميم واجهة العمارة دون موافقة المعهد الوطني للتراث وبلدية تونس باعتبارها معلما تاريخيا والى ان المعهد والبلدية اعتذرا عن التدخل في الملف مكتفيين بالقول “ما نقدروا نعملوا حتى شيء لأن النقابة الأمنية تعمل الي تحب.”
وبيّنت ان النقابة لم تكن تنوي مغادرة العمارة بحجة أنها أنفقت في شهر جويلية الماضي قرابة 250 ألف دينار على تجديدها وترميمها.
المحامية قالت ان مالك العمارة حاول جاهدا إقناع أعضاء النقابة بإخلاء العقار وانه اقترح عليهم في احدى المرات تمكينهم من شقة أخرى مع تجهيزها وعدم دفع معلوم الكراء مقابل تركها مشددة على تعنتهم في الاستيلاء على ملك الغير.
ولفتت الى أن النقابة الأمنية احتلت العمارة دون أن تدفع معاليم الكراء ذاكرة أن ذلك دفع صاحبها إلى رفع قضية وتكليف خبراء لتقدير الضرر الحاصل مشيرة إلى انه تم طرد الخبراء ومنعهم من اداء واجبهم القانوني.
واعتبرت المحامية ان عملية إخلاء العقار انتصار طال انتظاره راجية أن يكون كل ما تم اقترافه من قبل النقابة الأمنية مجرد قوس تم إغلاقه إلى الأبد محذرة من أية محاولة جديدة من أعضاء النقابة للاستيلاء عليها مجددا.
وأشارت إلى أن مالك العمارة قرّر بعد عشرة سنوات من النزاع القضائي مع النقابة الأمنية واثر تعطيل تنفيذ حكم قضائي لسنوات، هدم العمارة بعد استعادتها حتى لا يتم الاستيلاء عليها مرة أخرى.
التفاصيل التي قدمتها محامية صاحب العقار اغرب من الخيال وتكشف كيف حولت الحصانة السياسية والنفوذ في وزارة الداخلية عددا ممن يقدمون انفسهم نقابيين امنيين الى مجموعة مارقة عن القانون لا رئيس حكومة ولا وزير ولا قضاء قادرون على اعادتهم الى حجمهم وتطبيق القانون عليهم.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 27 سبتمبر 2022