الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: كشف وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم، اليوم الجمعة 20 نوفمبر 2020، خلال جلسة مع نواب باردو لمناقشة ميزانية الوزارة للسنة القادمة، أن اكثر من خمسين ألف طفل في تونس يرتادون الكتاتيب البالغ عددها 1852 كتّابا في كامل تراب الجمهورية .وبين أن عدد المؤدبين والمؤدبات يناهز 1188 أغلبهم من ذوي الشهائد واعتبر ان الكتاتيب “قطاع” مشغّل.
كما وصف عظوم التعليم بالكتاتيب بـ “العصري” بحكم تضمنه الى جانب مناهج تعليم القرآن مبادئ تربية الناشئة على حب الوطن وغيرها من القيم وتهيئته الأطفال للدخول للمدارس مما يعني وقوع الوزير في لبس واضح باعتبار ان المسألة تعني فعليا غياب أي داع لوجود الكتاتيب للعبها نفس دور المدارس التحضيرية المدنية المعتمدة لدى الدولة.
غير أن موضوع انتصاب الكتاتيب المكثف في تونس والتي يعادل عددها 9 مرات عدد المؤسسات التربوية يمثل ظاهرة تطورت بنسق قياسي منذ 2012 زمن بداية حكم “الترويكا” حيث شهدت البلاد انفلاتا في عدد الكتاتيب والمدارس القرآنيّة وطرق تسييرها، لتنبه الكثير من المنظمات الحقوقيّة والإعلاميين والناشطين السياسيين من خطورة الظاهرة ودورها في نشر الإرهاب والتطرّف. وكان ضعف أجهزة الدولة سببا في اكتساب هذا النمط من التعليم انتشارا واسعا تزامن مع انتشار الفكر السلفي والخيام الدعويّة.
وادعى الممسكون بزمام السلطة وحلفائهم آنذاك أن تلك المظاهر تجسّد انتشار الإسلام، وتبيح ما كان ممنوعا فغضوا الطرف عنها، بل إنهم شجعوا على انتشارها في إطار سياسة التمكّن وتغيير الثقافة السائدة. فكان نشر الكتاتيب والمدارس القرآنيّة بمثابة ردّ فعل على النظم التربويّة السابقة وسياسة حكامها التي قنّنت الظاهرة وأباحت الاختلاط وأضعفت دور المدارس القرآنيّة، ونوعت من أنشطة الكتاتيب لتستجيب لشروط حددها علماء النفس والتربية لتكوين شخصيّة معتدلة. وأثبتت تقارير أنّ جهات متطرّفة أحكمت سيطرتها على أغلب الكتاتيب التابعة للمساجد في تونس، بعد أن تمكنت من السيطرة على دُور العبادة مستغلّة حالة الارتباك الأمني والمؤسساتي التي عصفت بالبلاد بعيد أحداث …2011.
وأفاد مسؤولون بالعديد من الهياكل الحكومية وحتى بوزارة الشؤون الدينية بأن الكتاتيب في أغلبها تشكل ظاهرة متخفية تحت طائلة جمعيات بعدما شهد عددها ارتفاعا ملحوظا في فترة ما بعد الثورة التي اتسمت بضعف الرقابة، مما أتاح بث مادة تعليمية متطرفة.
في جانب آخر ولتكتمل صورة التدين “المهيكل” فقد تطور كذلك وبشكل ملحوظ عدد “إطارات” المساجد بنسبة 26% خلال السنوات الخمس الماضية وذلك وفقا لمعطيات وثيقة ميزانية وزارة الشؤون الدينية والبيانات والإحصائيات الصادرة عن الوزارة في ظل ارتفاع عدد الجوامع بالبلاد بنسبة 70.4% من سنة 2010 الى جوان 2020 والمقدر حاليا بـ 6124 جامعا وهو نفس عدد المدارس والمعاهد في كافة أنحاء البلاد.
في جانب اخر، تسجل ميزانية وزارة الشؤون الدينية ازديادا من عام الى اخر وتناهز نحو 149 مليون دينار منها 115.7 مليون دينار اعتمادات مخصصة للأجور أي ما يعادل 78% من إجماليها .
يذكر أن ارتفاع ميزانية الشؤون الدينية كان قياسيا سيما في الأعوام الأخيرة حيث بلغت نسبته لسنة 2016 فحسب حوالي 80% بالمائة مما يعادل نصف الميزانية المخصصة للبنية التحتية لوزارة التربية.
وبذلك تحول فعلا الدين الاسلامي الحنيف في أعين البعض الى “قطاع” تشغيلي له مالية وقائمون عليها رغم المقولة الشهيرة للكاتبة الفة يوسف في مارس الفارط “لا نحتاج إلى وزارة شؤون دينية، والله لا يحتاج إلى وزراء”، والتي اثارت جدلاً واسعاً في تونس ما فتئ يحتد بشأن أهمية وزارة الشؤون الدينية. وقالت يوسف انه لو وضعت موازنة وزارة “موظفي الله”، كما اسمتهم، تحت تصرف الصحة العمومية أو التعليم أو الثقافة لكنا أقرب إليه تعالى”. واستشهدت بمقولة للشيخ الصوفي عبد القادر الجيلاني “لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع”، وقد قسم تصريح يوسف اطيافا واسعة من التونسيين بين مستنكر ومساند.