الشارع المغاربي – منير السويسي: تعصف البطالة، منذ سنوات، بخريجي الجامعات التونسية من حاملي شهادة «الدكتورا» في مختلف الاختصاصات (علوم صحيحة، علوم إنسانية…)، في حين تتسابق دول أجنبية على استقطاب الدكاترة وطلبة الدكتورا المتميّزين في تخصصات واعدة اقتصاديا.
تشرع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بداية من السنة الجامعيّة القادمة (2018 /2019)، في إسناد طلبة الدكتورا «المتميّزين» بالجامعات التونسية، مبلغ 600 دينار شهريا بعنوان «منحة التميّز» لثنيهم عن الهجرة إلى الخارج.
وأعلن عن هذا الإجراء، كاتب الدّولة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي خليل العميري خلال جلسة استماع عقدتها (يوم 16 أفريل الجاري) لجنة شؤون التونسيين بالخارج في مجلس نواب الشعب .
وخلال الجلسة، لفت كاتب الدولة إلى «تنافس» دول أجنبية على «استقطاب» الكفاءات التونسية المتميّزة من الدكاترة وطلبة الدكتورا لا سيما في التخصصات العلمية الواعدة اقتصاديا، مقرّا بأن ذلك أصبح يمثل «إشكالا مقلقا» لتونس.
وتعتبر تونس دولة «طاردة للكفاءات» الجامعية التي تهاجر بحثا عن رواتب أعلى، وعن ظروف تدريس وبحث علمي أفضل.
وغادر نحو 4000 أستاذ جامعي تونس خلال السنوات الست التي تلت ثورة 2011 وفق «اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين» المسمى اختصارا «إجابة».
ومؤخرا، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي سليم خلبوص أن عدد الأساتذة التونسيين الذين يدرّسون في جامعات بالخارج (في إطار التعاون الفني) هو 1400.
وأقر الوزير بـ«استفحال» هجرة «الأدمغة» من تونس عقب الثورة، قائلا إنه «لا يمكن وقف هجرة الأدمغة عندما تمرّ الدول بأزمات».
وذكر خلبوص أن وزارته ستعمل على الاحتفاظ بأفضل الكفاءات الجامعية في تونس خصوصا في التخصصات التنافسية التي يحتاجها الاقتصاد، وأنها ستبقي على ربط الصلة مع المهاجرين منهم للاستفادة من خبراتهم والاستعانة بهم في نقل التكنولوجيات الجديدة.
وذكر، في هذا السياق، أن الوزارة ستضع «قاعدة بيانات إلكترونية مشتركة» للتواصل الالكتروني مع الدكاترة المهاجرين.
بطالة مزمنة ومرشّحة للتفاقم
تفيد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن عدد طلاب الجامعات التونسية وعدد خريجيها (من حاملي شهادة الإجازة والماجستير…) يشهد تراجعا مقابل زيادة عدد الحاصلين على الدكتورا.
وفي ما بين عاميْ 2010 و2015، تخرّج من جامعات تونس 4775 دكتورا، بينهم 3292 (أي حوالي 70 بالمائة) يعانون من البطالة، وفق «تنسيقيّة طلبة دكتورا ودكاترة جامعة تونس–المنار».
وأعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي سليم خلبوص، مؤخرا، أن عدد الدكاترة العاطلين عن العمل في تونس هو 2500 فقط.
وحسب الوزير، هناك اليوم «أكثر من 15000 دكتورا في طور الإنجاز» في الجامعات التونسية «بمعدل إنجاز 1500 أطروحة دكتورا في السنة».
وسنة 2017، ناقش 1000 طالب رسائل ختم شهادة الدكتورا في جامعة «تونس–المنار» وحدها، وفق رئيس الجامعة فتحي السلاوي الذي توقع ارتفاع عدد الدكاترة العاطلين في السنوات القادمة بسبب «الكمّ الهائل» لرسائل الدكتورا التي ستتم مناقشتها.
وتتوقع «تنسيقيّة طلبة الدكتورا ودكاترة جامعة تونس–المنار» أن يتوافد على سوق الشغل في تونس أكثر من 11 ألف صاحب شهادة دكتورا «في غضون السنوات الخمس القادمة».
وحسب التنسيقية، يفوق عدد حملة شهادة الدكتورا العاملين بالقطاعيْن العام والخاص في تونس 11 ألفا.
«مرمّاجي» و«قهواجي»…دكتور
تضطرّ أعداد متزايدة من حاملي شهادة الدكتورا ممن طالت بطالتهم، للعمل في المقاهي والمطاعم وحظائر البناء…. لإعالة أنفسهم وأُسَرٍههم بعدما يئسوا نهائيا من الظفر بشغل في القطاع العام أو الخاص، يتناسب مع شهائدهم العلمية.
ويعتبر هذا الوضع كارثيا بكل المقاييس، وينسف ما تبقى من إيمان لدى التونسيين بأن التعليم «مصعد اجتماعي».
وشهدت سنة 2017، تصاعدا في عدة ولايات (تونس، بنزرت، قابس، صفاقس..) لتحركات احتجاجية لدكاترة عاطلين يطالبون بتوظيفهم وبـ»إصلاح شامل لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي».
وفضّت الشرطة بالقوة في ماي 2017، اعتصاما لدكاترة عاطلين، استمر شهرا داخل حرم جامعة صفاقس، وأوقفت بعضهم قبل أن تخلي سبيلهم بعد تدخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك عقب إقدامهم على إغلاق مقر الجامعة.
ويعتبر الدكاترة العاطلون أن انتدابهم مدرّسين بالجامعات العمومية أنسب حلّ لوضعياتهم، لكن وزارة التعليم العالي تؤكد استحالة ذلك لأن الجامعات في تونس تشهد حاليا وفرة في عدد الأساتذة.
ويرتاد جامعات تونس اليوم 240 ألف طالب، يدرّسُهم «أكثر من 20 ألف أستاذ» (15 ألفا قارون والبقية عرضيون) بمعدّل أستاذ جامعي واحد لكل 14 طالبا وهي نسبة «غير موجودة حتى في الدول الأوروبية» وفق وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
وقارن الوزير هذا العدد، بالمغرب (وهي دولة شبيهة بتونس وأكثر منها سكانا)، حيث يبلغ عدد طلاب الجامعات نحو 920 ألفا ويتراوح عدد الأساتذة الجامعيين بين 12 و13 ألفا.
الجامعات الخاصة، والتعاون الدولي
في 2017، انتدبت الجامعات الخاصة في تونس 550 دكتورا بعقود غير محددة في المدة (cdi)، وذلك عقب قرار من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بربط فتح كل شهادة علمية جديدة في الجامعات الخاصة بِوُجوب انتداب دكتور متخصص في تلك الشهادة.
ورفعت هذه الانتدابات من نسبة الدكاترة في الجامعات الخاصة إلى 40 بالمائة سنة 2017 مقابل 20 بالمائة سنة 2016 وفق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وتخطط وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى رفع عدد الطلبة الأجانب (الجزائريين، الليبيين، الأفارقة) في الجامعات التونسية العمومية والخاصة من 7500 حاليا إلى 20 ألفا سنة 2020 من 7500 حاليا، بما يعزّز من تشغيلية حاملي شهادة الدكتورا.
وحاليا تعمل وزارة التعليم الحالي على إيجاد فرص عمل في الخارج للدكاترة التونسيين، وقد وقّعت اتفاقيات في هذا الاتجاه مع دول مثل قطر وفرنسا وألمانيا والبرتغال.
وتتوفّر تونس اليوم على «40 مركز بحث و37 مدرسة دكتورا وأكثر من 700 هيكل بحث من مخابر ووحدات بحثية» وفق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وسنة 2018 تمّ الرفع بنسبة 30 بالمائة في ميزانية البحث العلمي في تونس حسب الوزارة التي أعلنت «ترشيد تمويل الهياكل والمخابر البحثية» عبر توجيه التمويلات العمومية إلى «البحوث في مجالات تعتبرها الدولة ذات أولوية» وتطوير «بحث علمي تطبيقي ذي أثر على المحيط وفي خدمة المجتمع».