الشارع المغاربي- محمد الجلالي: بين مخاطر مالية وأخرى هيكلية وثالثة خارجية، شدّدت تقارير رقابية منجزة بالشركة التونسية للكهرباء والغاز على انحدار “الستاغ” إلى قاع سحيق من أزمات باتت تهدد ديمومتها.
التقارير الرقابية التي حصلت على نسخ منها أسبوعية “الشارع المغاربي” إثر مطلب نفاذ إلى المعلومة قدم لشركة “الستاغ”، تطرح تشخيصا دقيقا انجزه مراجعو حسابات للأزمة التي عاشت على وقعها الشركة خلال سنوات 2017 و2018 و2019 و2020.
في مستهل تقرير مراجع الحسابات عن أنظمة الرقابة الداخلية بالشركة التونسية للكهرباء والغاز لسنة 2018 اكد الخبير المحاسب على أن “ديمومة “الستاغ” تستدعي توفّر ثلاثة محاور رئيسية هي تأمين الإنتاج وحماية المعدات بالاضافة الى توفير الكهرباء والغاز بصفة دائمة والتحكم في أسعار الإنتاج.”
وفي هذا السياق أكد مراجع الحسابات وجود مؤشرات تهدّد استمرارية الشركة مثل محدودية اتخاذ القرار بشأن تسعيرة بيع الكهرباء والغاز وعجز التمويل الذاتي عن تغطية كلفة الاستثمار والاستغلال وعدم القدرة على التصدي لظاهرة سرقة الكهرباء وعدم بلوغ الإنتاجية الأهداف المنشودة.
كل هذه العوامل كان لها تأثير مباشر على الوضعية المالية للشركة، تجسمت في صعوبة التزامها تجاه الحرفاء والمزودين والمانحين والمقرضين، وفق تأكيد مراجع الحسابات.
الخطر الأول
سجل التقرير وجود مخاطر مالية تمثلت في عدم مجاراة تسعيرة الكهرباء والغاز المتغيرات العالمية لسعر صرف الدينار بشكل منهجي وفي صعوبة تحصيل ديون الشركة لدى حرفائها من مؤسسات عمومية وذوات طبيعية ومعنوية سواء على المستوى القضائي أو على المستوى الميداني.
وبيّن الخبير المحاسب في تقرير 2019 أن “الستاغ” تمر بضائقة مالية تؤكدها تقارير النشاط والتقارير المالية وميزانية الاستغلال والاستثمار، وأن هذه الوضعية المالية تتجسم في نتيجة سلبية للاستغلال بأكثر من 300 مليون دينار في جوان من نفس السنة وفي تعليق عدد من المقرضين الدوليين حصص من القروض الممنوحة للشركة.
وأوضح انه نتج عن الوضع المالي الدقيق للستاغ عدم استكمال مشاريع استثمار تمت برمجتها في السابق ونفاد عديد قطع الغيار من المخزون الاستراتيجي.
وعرّج أيضا على عدم تنظيم مسألة تعويضات الدولة لـ “الستاغ”.
الخطر الثاني
أشار الخبير المحاسب الى ان الخسائر المتراكمة في “الستاغ” بلغت قرابة 4 مليارات دينار تسببت في ارتفاع القيمة السلبية لراسمالها الى حدود 2,3 مما أدى الى تجاوزها الحد الادنى المطلوب الذي تعتمده الجهات الدولية المقرضة بما بات يستدعي تدخلا من الدولة لضخ سيولة والترفيع في رأسمال الشركة.
الخطر الثالث
تعلق هذا الخطر بعدم تثمين وتمرير المعرفة المكتسبة لدى قدماء اطارات الشركة الى الاجيال الجديدة من الموظفين. وبيّن مراجع الحسابات أنه على عكس الشركات الصناعية الكبرى والتي تعمل على ضمان تمرير الخبرات والمعارف من جيل الى آخر من خلال تنظيم تربصات ودورات تكوينية يؤمنها قدماء موظفيها لزملائهم، لم تسع “الستاغ” الى استثمار خبرة اعوانها المحالين على التقاعد ولم تنجز قاعدة بيانات بالاعطاب المسجلة وبالاجراءات المتخذة في السابق لإصلاحها.
ونتج عن هذا الاخلال وجود فراغ في 17 خطة رئيسية صلب الشركة بعد احالة شاغليها على التقاعد. ومن بين هذه الخطط ذكر مراجع الحسابات منصب رئيس ادارة مراقبة الشراءات ورئيس دراسات الهندسة المدنية والتهيئة ورئيس مصلحة صيانة البنايات المدنية ورئيس مصلحة الدراسات الكهربائية..
وحذر الخبير المحاسب من تسبب الشغور في تراجع نشاط الادارة العامة وتأخير انجاز المشاريع.
الخطر الرابع
لفت مراجع الحسابات الى خطر أخر محدق بـ “الستاغ” وهو ان عقارات الشركة ومواقعها الحساسة لا تزال عرضة للتخريب والنهب والسرقة. وأشار الى أنه لم يتم تسجيل حوالي 49 عقارا تابعا للشركة بسبب طول الاجراءات وبطئها.
ودعا الى ضرورة إجراء فحص مستمر لاجراءات السلامة والى حماية وسائل الانتاج والايفاء بالالتزامات تجاه الحرفاء بالتسريع في خدمات الربط بالتيار الكهربائي.
وسجّل الخبير المحاسب وجود نقائص تتعلق بعدم توفّر الوسائل الكافية للتدخل لمجابهة بعض الحوادث وعدم تحصين مواقع الانتاج وقاعات المراقبة وانعدام الامن في بعض مواقع الانتاج والاستغلال وعدم تركيز عدد كاف من كاميراوات المراقبة وتركيز محطات للضغط العالي ببعض الاحياء السكنية.
وفي نفس السياق أشار الخبير المحاسب في تقرير سنة 2020 إلى تركيز الستاغ 212 كاميرا مراقبة دون الحصول على ترخيص من الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في اكثر من 200 موقع تابع لها.
الخطر الخامس
أكد الخبير المحاسب ان مراقبة مخزون قطع الغيار كشف عن عدة مواطن ضعف من بينها تعدد المتدخلين في التصرف في المخزون وان ذلك قد يتسبب في عدم حصر الضالعين في سرقة قطعه أو اتلافها أو ضياعها ونقصا في عدد كاميراوات المراقبة وعدم تركيز أسوار عالية لحماية المغازات من الاعتداءات وترك قطع غيار خارج المغازات وعدم التصدي لاستشراء الرطوبة ببعض فضاءات التخزين.
وأشار مراجع الحسابات في تقرير 2020 الى أن نسبة عدم توفر المخزون في بعض وسائل الانتاج ارتفعت في 2019 الى حدود 11 بالمائة، متجاوزة المعدّل المطلوب والذي يفترض الا يتجاوز 3 بالمائة.
الخطر السادس
سجّل الخبير المحاسب تأخيرا لافتا لدى “الستاغ” في إعادة الإعلان عن عديد الصفقات غير المثمرة. وأوضح ان سنة 2017 شهدت إعادة الإعلان عن ست صفقات بعد مرور أكثر من 215 يوما، ملاحظا ان المدة الفاصلة بين صفقات غير مثمرة وإعادة الإعلان عنها في 2016 لم تقل عن 322 يوما.
وتؤثر هذه الوضعية على اقتناء المستلزمات وعلى عمليات الإنتاج والاستغلال وتتسبب في رفع اسعار الشراء، حسب ما ذهب إليه مراجع الحسابات.
الخطر السابع
وثّق الخبير المحاسب تأخرا في انجاز تسعة مشاريع يعود ثلثها الى سنة 2010. وتبلغ قيمة هذه المشاريع المعطلة أكثر من 166 مليون دينار، وتراوح التاخير بين اكثر من سنة وعشر سنوات.
الخطر الثامن
أكد مراجع الحسابات في تقرير 2020 ان مراكز الانتاج بـ “الستاغ” في 8 مواقع تجاوزت معدلات الانبعاثات الملوثة للهواء بنسبب متفاوتة. وأشار الى ان بعض الانبعاثات بلغت اضعاف النسب المحددة بالقانون مثل محطات الانتاج برادس وسوسة وفريانة وطينة.
وبررت الشركة هذه التجاوزات بقدم وحدات الإنتاج وارتفاع كلفة تجديدها وطول مدة توقف وحدات الانتاج في صورة تجديدها.
وكانت وزارة المالية قد شهدت في 3 سبتمبر المنقضي اجتماعا ضم كلا من وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية ومحمد بوسعيد وزير الصناعة والطاقة والمناجم ومروان العباسي محافظ البنك المركزي تناول الوضعيات المالية لعدد من المؤسسات العمومية من بينها الشركة التونسية للكهرباء والغاز.
وتناول الاجتماع السبل الكفيلة بإعادة هيكلة هذه المؤسسات وتمويل نشاطها في الفترة الحالية مع تفعيل الإصلاحات الضرورية حتى تواصل الاضطلاع بدورها المحوري في الاقتصاد الوطني.
كما سبق لوزارة المالية ان أصدرت في 2020 تقريرا حول المنشآت العمومية. وتناول التقرير تشخيصا للوضعيات الاقتصادية والمالية والتشغيلية لعدد من المنشآت العمومية، على غرار “الستاغ”، ويبدو ان عدم الاستقرار السياسي وتراجع المالية العمومية وشح الموارد والتقلبات الاجتماعية حالت كلها دون الشروع في الاصلاحات الضرورية.
نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 12 اكتوبر 2021