الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: منذ تفكك ليبيا وانخرام سيطرتها على المعابر الحدودية مع تونس، شهد نسق المبادلات التجارية بين الجانبين، تصديرا وتوريدا، تراجعا حادا من 10 مليارات دينار سنويا الى ما لا يزيد عن 800 مليون دينار مما أنهك بالكامل اقتصادات أربع ولايات كبرى في الوسط وضاعف نسب البطالة. وتستمر هذه الوضعية الى اليوم وبالتأكيد لسنوات أخرى طوال في ظل خسارة تونس موطأ قدم اقتصادي مهم في ليبيا نتيجة فشل الحكومات التونسية ما بعد 2011 في فرض وجودها اقليميا، من جهة وانقضاض أطراف دولية عديدة على السوق الليبية وتمكنها من السيطرة عليها، من جهة أخرى.
ومثلت التجارة غير المشروعة عبر الحدود مع ليبيا لعقود عدة حقيقة اجتماعية واقتصادية راسخة تضمّ مغادري مقاعد الدارسة وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل والموظفين الساعين لاقتناص دخل إضافي. ويشار إلى مثل هذه النشاطات على أنها “العمل على الخط”، وهي تشمل نقل البضائع، وبيع السلع والوقود في منافذ غير قانونية. وأدى سقوط نظامي بن علي والقذافي إلى عرقلة اقتصاد الحدود على وقع تنافس وتقاتل محموم بين الجماعات المسلحة في الغرب الليبي، وفشل الحكومات المتعاقبة في طرابلس في السيطرة على الحدود وتنظيمها.
وأقامت الجماعات المسلحة حواجز على طول طريق رأس جدير بهدف زيادة مداخيلها من خلال فرض ضرائب غير رسمية وسداد أشكال مستحدثة من “الجزية” مقابل الحماية. ومنذ عام 2014، لقي التجار التونسيون الذين يعملون على الخط معاملة قاسية، ومصادرة بضائعهم وتعرضه للخطف والسرقة. وبدءاً من عام 2016، تباطأت النشاطات الاقتصادية عبر الحدود، بسبب التفكك الكثيف لخطوط الإمداد الليبية.
وفاقم انحسار الخط كشريان حياة والحد من عمليات التهريب في التوترات بالمنطقة التي عانت من الإهمال طيلة عقود. وعلى الرغم من مبادرات المصالحة التي قامت بها المجالس البلدية بالجانبين سنة 2018، بهدف إعادة الروح للتجارة عبر الحدود، فإن ديناميكية اقتصاد الحدود تبدّدت.
وفي المدة الأخيرة لم ير التونسيون حلا أفضل من تعويض المبادلات البرية بالعمل على الخطوط البحرية اذ برمج المجمع المهني المشترك للغلال نهاية سبتمبر الفارط ثلاث رحلات بحرية تنطلق من ثلاثة موانئ باتجاه مينائي طرابلس ومصراتة لتسهيل عملية تصدير الغلال إثر تعطل الترويج على الحدود مع تمتيع كل الرحلات المبرمجة بدعم النقل البحري من الدولة بنسبة 50% علما أن السوق الليبية تستوعب ما بين 30 و50% من المنتوجات الفلاحية التونسية بما يجعلها فضاء هاما يضمن ديمومة منظومة الغلال التونسية.
وأعلن اليوم الخميس 22 أكتوبر 2020 طارق تيرة رئيس المصلحة التجارية بالمجمع المهني المشترك للغلال أن تونس صدرت خلال العشرين يوما الأولى من شهر أكتوبر الجاري حوالي 3 آلاف طن من الغلال الى ليبيا على الخطوط البحرية الثلاثة التي تم فتحها مبرزا أن عملية تصدير الغلال واساسا الرمان في هذه الفترة استعادت نسقها بشكل إيجابي رغم تواصل غلق الطريق الرابطة بين بن قردان وراس جدير منذ مطلع شهر سبتمبر الفارط.
كما بين تيرة ان نسق التصدير نحو ليبيا تعزز اليوم بخروج باخرة محملة بأكثر من 1200 طن من الغلال منها حوالي 700 طن من الرمان من ميناء صفاقس باتجاه ميناء طرابلس. ومن المنتظر أن تخرج باخرة أخرى غدا الجمعة من ميناء صفاقس أيضا محملة بنحو 350 طنا ما يعكس استئناف حركة التصدير على السوق الليبية التي تمثل السوق الأولى لتونس على مستوى ترويج الغلال (أكثر من 30%). وفي إطار مزيد تسهيل عمليات التصدير، أشار المسؤول إلى ان المجمع المهني المشترك عين ممثلا قارا له بميناء صفاقس للسهر على تيسير الإجراءات الإدارية والإحاطة بالمصدرين والتنسيق معهم.
يذكر أن عملية تصدير المنتوجات الفلاحية التونسية وأساسا الغلال نحو ليبيا لا تزال تعاني من الشلل بشكل عام منذ مطلع شهر سبتمبر الماضي بسبب ما عمد إليه عدد من المحتجين بمعتمدية بن قردان حيث تم منع الشاحنات المحملة أساسا بعدة أصناف من الغلال بالتفاح والأجاص والعنب ما نجم عنه تلف هذه المنتوجات.
وكان عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الفلاحية ونائب رئيس مجلس إدارة المجمع المهني المشترك للغلال إبراهيم الطرابلسي قد عبر عن التذمر من هذه الوضعية معتبرا ان من شأنها أن تؤثر سلبا على نسق التصدير باتجاه ليبيا. وأكد أن السلطات التونسية بذلت مجهودات كبيرة مع الجانب الليبي للحصول على تراخيص تصدير عبر الحدود البرية بين البلدين.