الشارع المغاربي – تقرير لوزارة التجارة: منظومة الدعم فاشلة والسلام!؟/ تحقيق: محمد الجلالي

تقرير لوزارة التجارة: منظومة الدعم فاشلة والسلام!؟/ تحقيق: محمد الجلالي

قسم الأخبار

29 يناير، 2022

الشارع المغاربي: يشير تقرير منجز من طرف وزارة التجارة وتنمية الصادرات منذ مارس 2018 الى ضرورة إرساء اصلاح شامل لمنظومة دعم المواد الغذائية الأساسية قائم أساسا على التخلي عن نظام دعم المواد المذكورة والاتجاه نحو تقديم منح لأكثر من 9 ملايين تونسي تتراوح بين 405 و810 دنانير للعائلة الواحدة في السنة.

ومن شأن هذا الإصلاح أن «يضفي عدالة أكبر بتحديد قيمة دعم مباشر متغير حسب معايير تأخذ بعين الاعتبار المستويين الاقتصادي والاجتماعي للمنتفع»، وفق نفس التقرير الذي حصل «الشارع المغاربي» على نسخة منه.

التقرير قدم أيضا خارطة طريق لتجسيم ما أسمته الوزارة «اصلاحا شاملا لمنظومة دعم المواد الأساسية» وحدد أبرز الخطوات المنتظر الإعلان عنها قبل صرف المنح المالية للعائلات المعنية بالدعم واستعرض جملة من الإصلاحات المصاحبة لإصلاح منظومة دعم الحبوب التي تستحوذ على 76 % من تكاليف الدعم.

ارتفاع نفقات الدعم

انطلق التقرير الحامل لعنوان «مشروع اصلاح منظومة دعم المواد الأساسية» بالإشارة الى وجود «تطور هام في نفقات الدعم من 730 مليون دينار في 2010 إلى 1500 مليون دينار في 2017» مؤكدا انها تمثل حوالي 1,7% من الناتج الوطني الخام و5% من ميزانية الدولة و26% من نفقات التنمية.

وفسّر التقرير ارتفاع قيمة الدعم باتباع الدولة سياسات قائمة على تجميد أسعار بيع المواد المدعمة مع ارتفاع مستمر في كلفة الإنتاج من مواد أولية وأجور وطاقة.

ويتوزع الدعم حسب وزارة التجارة إلى ست مواد أساسية كان فيها النصيب الأوفر للحبوب التي أكدت انها تستحوذ على 76.4 % من تكاليف الدعم يليها الزيت النباتي بقرابة 16 % فالحليب بـ 4.4 % فالعجين الغذائي بـ 2.2 % والسكر بـ 0.6 % ثم الورق بـ 0.2 %.

وخصّص التقرير حيزا هاما لمنظومة الحبوب مؤكدا على وجود اختلال كبير في الميزان التجاري بالنسبة للقمح اللين ومشيرا الى ان ديوان الحبوب يستورد 95 % منه قبل ان يوزّعه على 20 مطحنة لرحيه وتحويله الى فارينة رفيعة وأخرى مخصصة للخبز أو علفا للمواشي (سداري).

في هذا السياق أكد التقرير أن ديوان الحبوب يوزع من جهة أولى الفارينة الرفيعة على المخابز غير المصنفة وتجار الجملة الذين يبيعونها لتجار البيع بالتفصيل ومحلات صنع المرطبات وانه يوزع من جهة أخرى الفارينة المخصصة للخبز وفق نظام حصص على صنفين من المخابز هما صنف أ وصنف ج.

وبيّن التقرير ان ديوان الحبوب يستورد 60 % من القمح الصلب فضلا عن اقتناء الكميات المتبقية من الفلاحين المحليين ثم يوزعه على المطاحن لرحيه وبيعه لمصانع الكسكسي والعجين الغذائي والى تجار الجملة.

ولفت الى ان الصندوق العام للتعويض يدعم الفارينة المخصصة للخبز في ثلاث مراحل انطلاقا من دعم الفارق بين شراء الحبوب وبيعها من قبل ديوان الحبوب بـ 20 دينارا للقنطار الواحد مرورا بالدعم الموجه للمطاحن عند اقتناء الفارينة وصولا الى الدعم الموجه الى الخبز عند شراء الفارينة من المطاحن.

ونتيجة لهذا الدعم بقي ثمن خبز «الباقات» في حدود 190مليما عوضا عن 314 مليما تمثل كلفتها الحقيقية وثمن الخبز كبير الحجم 230 مليما بدل 506 م، وفق نفس التقرير.

كما أشار التقرير الى ان الصندوق العام للتعويض يتكفّل بتقديم دعم بعشرين دينارا عن القنطار الواحد لديوان الحبوب عند اقتناء القمح اللين وانه يتم توجيه دعم للمطاحن قبل بيع الفارينة الرفيعة الى المخابز غير المصنفة والمصانع وتجار الجملة.

وأكد ان صندوق التعويض يدفع دعما بـ 280 مليما عن الكلغ الواحد من الفارينة الرفيعة.

ولم تستثن منظومة الدعم القمح الصلب من التعويض بتكفل الصندوق العام للدعم بدفع الفارق بين سعري شراء وبيع القمح من قبل ديوان الحبوب وبدعم بيع كلغ الكسكسي والعجين الغذائي بـ 146 مليما.

وأبرز التقرير ان الاستهلاك المحلي للحبوب قفز من 20 مليون قنطار في 2010 الى قرابة 24 مليون قنطار في 2016 وانه رافق هذا التطور ارتفاع في كلفة دعمها من 600 مليون دينار في 2010 الى أكثر 1200 مليون دينار في 2016.

وفسّر ارتفاع الكلفة بتراجع قيمة الدينار مقارنة بالدولار والاورو وبتزايد الكميات المستهلكة رغم تراجع السعر العالمي للحبوب.

في سياق آخر أكد التقرير ان كلفة دعم السميد بلغت سنويا 400 مليون دينار وان هذا ناتج عن استعمال غير قانوني للسميد المدعم من قبل مخابز غير مصنفة او عن استغلاله كعلف للمواشي من قبل الفلاحين.

وتابع ان منظومة الحبوب تشهد عموما تجاوزات لافتة مشيرا الى ان تفاقم ظاهرة تبذير الخبز تتسبب في خسائر سنوية بقرابة 100 مليون دينار والى ان استعمال المواد المدعمة في التغذية الحيوانية او في صنع المرطبات وتهريبها الى بلدان مجاورة ما فتئ يعمّق خسائر صندوق التعويض.

دعم الزيت النباتي والسكر

أكد التقرير أيضا أن الصندوق العام للتعويض يضخ سنويا 214 مليون دينار لدعم الزيت النباتي وان 60 % من التعويض يذهب لدعم توريد زيت الصوجا الخام قبل ان يتم دعم 15 شركة مختصة في التكرير بـ 155 دينارا عن الطن و40 شركة مختصة في التعليب بـ 679 دينارا عن الطن. مع العلم ان السوق المحلية تحتاج سنويا الى 165 الف طن من الزيت النباتي المكرر.

من جهة أخرى أشار التقرير الى ان صندوق التعويض يدعم منظومة السكر سنويا بـ 10 ملايين دينار لتوريد السكر الخام والسكر الأبيض والى ان ديوان التجارة يتكبد سنويا خسارة بـ 85 مليون دينار لشراء السكر وتكريره وتعليبه.

وكشف التقرير ان منظومات الحبوب والسكر والزيت النباتي تشهد وجود عديد الفاعلين الاقتصاديين مؤكدا ان منظومة الحبوب تعرف تدخل 11 طرفا كديوان الحبوب ومجمعي الحبوب والمطاحن والمخابز المصنفة والمخابز غير المصنفة ومصانع العجين والكسكسي ومصانع المرطبات ومصانع القهوة وتجار الجملة وتجار التفصيل ومربيي الماشية.

ولفت الى ان منظومة الزيت تشمل سبعة متدخلين وهم الديوان الوطني الزيت ومصنع زيوت قرطاج لاستخراج الزيت الخام ومصانع التكرير ومصانع التعليب والمخابز وتجار الجملة وتجار التفصيل والى ان منظومة السكر تتضمن الديوان الوطني للتجارة ومصنع استخراج السكر والشركة التونسية للسكر وتجار الجملة وتجار التفصيل.

وكنتيجة لتنوع المتدخلين أكد التقرير استحالة مراقبة كافة منظومات التصرف في المواد الأساسية المدعمة ملاحظا وجود فوارق في سعر نفس المواد كالفارينة والزيت المدعم والزيت غير المدعم والسميد والقهوة بين بعض المطاحن ّأو تجار الجملة او وحدات انتاج الاعلاف ووحدات انتاج القهوة.

وقدّرت وزارة التجارة قيمة الاستغلال غير القانوني للمواد المستعملة بـ 350 مليون دينار في السنة، مشيرة الى ان البنك الافريقي للتنمية اكد ان 30 % من الدعم الموجه للمواد الأساسية يذهب الى فئات ميسورة وفي استعمالات غير أسرية.

في هذا الإطار قدمت وزارة التجارة جملة من الإجراءات للتصدي للاستعمال غير القانوني للمواد الغذائية المدعمة على غرار:

– وضع تطبيقة معلوماتية لمتابعة عمليات بيع فارينة الخبز للمخابز

– انجاز دراسة فنية تميّز فارينة الخبز عن الفارينة الرفيعة باستعمال نسبة الرماد (taux de cendre) لتمكين المراقبة الاقتصادية من الاعتماد على تحاليل مخبريّة تكشف عمليات استعمال فرينة الخبز في غير محلها

– اعتماد تطبيقة إعلامية لمتابعة عميات تكرير وتعليب وبيع الزيت النباتي المدعم

– التقليص التدريجي في كميات القمح الصلب عبر إقرار نظام حصص مقترن بتطور عدد السكان

– التخلي عن بيع السميد السائب بسعة 50 كلغ لغيرالمصانع وتعليب الحاجات الأسرية في أكياس بـ 5 كلغ واحداث صنف مخصص للاستعمال المهني

واقترحت الوزارة وفق التقرير الترفيع التدريجي بـ 0.18 % في أسعار عدد من المواد الغذائية المدعمة بداية بخبز «الباقات» والحليب والفارينة الرفيعة والزيت النباتي والشاي والأرز والسكر الابيض والقهوة والشعير العلفي والسداري ثم الترفيع في مرحلة ثانية بـ 0.17 % في أسعار الخبز ذي الحجم الكبير والسميد والعجين الغذائي والكسكسي.

دعم مالي مباشر

أكد التقرير ان وزارة التجارة اقترحت التخلي عن نظام دعم أسعار السلع الأساسية والتوجه نحو نظام تحويلات مالية وان هذا كان في لقاءات مع الوزير المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى في حكومة يوسف الشاهد والوزراء السابقين للمالية والشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال بين جانفي ومارس 2018.

وأشار الى أن اعتماد الأسعار الحقيقية غير المدعومة لا يعني تحرير أسعار المواد والى انها «تبقى خاضعة إلى نظام تأطير إداري».

وقدّم التقرير صورة تقريبية للدعم المباشر الموجه لأكثر من 9 ملايين تونسي مبينا انه يمس أربع شرائح اجتماعية.

وأوضح ان الدعم المباشر المناهز لـ 1400 مليون دينار في 2018 سيمكّن كل عائلة معوزة من منحة سنوية في حدود 810 دنانير وكل عائلة ذات دخل متدن من منحة سنوية بـ 607 دنانير وكل عائلة ذات دخل ضعيف نسبيا من منحة سنوية بـ 506 دنانير وكل عائلة متوسطة الدخل من منحة بـ 405 دنانير.

واستثنى التقرير العائلات الميسورة من الدعم المباشر مشيرا الى انها تعد مليونين ومائة الف شخص.

ولفت الى ان تجسيم مشروع الدعم المباشر يتطلب المرور بعدة مراحل هي:

– فتح باب التسجيل لكلّ التونسيين المقيمين الراغبين في التمتع بتحويلات مالية (بدل الدعم) بالتوازي مع الإعلان عن أسعارالمواد الأساسية الحقيقية التي سيتم تداولها بعد رفع الدعم.

– دراسة المطالب لتحديد قائمة المستفيدين

– صرف المنح المالية على ضوء القائمات النهائية للمستفيدين وفق آلية تحويل يتم الاتفاق عليها.

– إطلاق حملة تحسيسية كبيرة بوسائل الإعلام حول نقاط ضعف المنظومة الحالية وتفشي الاستعمالات غير القانونية للدعم بين مارس وأكتوبر 2018.

– الدخول في حوار وطني مع الأطراف ذات العلاقة حول إرساء منظومة تحويلات اجتماعية بدل دعم المواد الأساسية.   

– إحداث لجنة حكومية لتركيز الإصلاح (من مارس إلى جوان 2018) تتفرّع منها ثلاث لجان هي لجنة فرعية لتحديد المستفيدين ومعايير اختيارهم وطرق احتساب منحة الدعم المباشر ولجنة فرعية لتحديد طرق التسجيل والاشهار والطعن وكيفية تركيز قاعدة المعلومات وخزنها وتأمينها ولجنة فنية لتحديد طرق صرف المنحة المالية.

– إحداث هيئة حكومية لتركيز الإصلاح انطلاقا من جويلية 2018 مع تخصيص ميزانية لها.

– الإعداد اللوجستي لعملية التسجيل (الموقع الالكتروني الخاص بالتسجيل الإختياري وقاعدة البيانات وكيفية إدارتها و تأمينها بين شهري جويلية ونوفمبر 2018.)

– الإعداد اللوجستي لعملية الصرف والتفاوض مع المؤسسات البنكية لتسهيل عمليات فتح الحسابات يين شهري جويلية وأكتوبر 2018.

– إحداث موقع واب وخط أخضر للمواطنين للاطلاع على منظومة الدعم المباشر وطرق الحصول على المنحة وطرق التبليغ عن عدم وصول الدعم والأسعار التي سيتم تداولها بعد رفع الدعم بداية من نوفمبر 2018.

دعوة المواطنين لفتح حساب بنكي أو بريدي وللتسجيل الاختياري عبر موقع الواب أو التسجيل الحضوري بين شهري نوفمبر 2018 وجانفي 2019.

التسجيل الآلي للمنتفعين بالبرامج الاجتماعية يين شهري نوفمبر 2018 وجانفي 2019

دراسة الملفات وتحديد المنتفعين بين شهري نوفمبر 2018 وفيفري 2019

صرف المستحقات بصفة مسبقة بداية من شهر مارس من سنة 2019

رفع الدعم وإقرار الأسعار الجديدة في أفريل 2019

وجاء في التقرير ان وزارة التجارة ستعمل على انجاز دراسات لتقدير اثار التحول الى نظام الدعم المباشر على أكثر من صعيد على غرار التضخم ونسبة الفقر والاستهلاك.

يذكر ان سياسة دعم المواد الأساسية تعود إلى أربعينات القرن الماضي التي شهدت إحداث صندوق الدعم بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 28 جوان 1945، وفق معطيات منشورة على الموقع الالكتروني لوزارة التجارة.

وكانت محكمة المحاسبات قد خصت منظومة دعم المواد الاستهلاكية بمهمة رقابية طالت الفترة الممتدة بين 2009 و2014.

وخلصت المحكمة الى ان تحديد الفئة المستهدفة بالدعم لم يتسم بالوضوح الكافي في ظل نظام قائم على توجيه الدعم لكل الفئات الاجتماعية بدل الاقتصار على المستحقين.

وأكدت ان وحدة تعويض المواد الأساسية لم تتولى الى حدود موفى سنة 2014 اجراء دراسة أو تقييم لمنظومة الدعم.

ولفتت محكمة المحاسبات الى ان الدولة لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات للنهوض بالإنتاج المحلي للحبوب والزيت النباتي والسكر للضغط على واردات هذه المنتوجات.

وبعد مرور اربع سنوات على انجاز تقرير وزارة التجارة عن منظومة الدعم بقيت مختلف الاقتراحات سجينة الرفوف رغم محاولات أكثر من حكومة استغلال مضامينه في نقاشاتها ومحادثاتها مع صندوق النقد الدولي.

في الاثناء انطلق قطار رفع الدعم في أكثر من مادة على غرار السكر والحليب دون ان يصاحبها أي اجراء تعويضي للفئات الضعيفة.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING