الشارع المغاربي – أسْعد جمعة: روّض الخطاب الرّسمي التّونسيّ على عقيدة مفادها أنّ قطاع السّياحة يمثّل أولويّة الأولويّات بالنّسبة لاقتصادنا الوطنيّ، وأنه لولا هذه المْنّة الإلهيّة التي حَبَتْ هذا البلد الأمين بسحْر طبيعته الخلاّبة ومناخه الفردوسيّ لمَا تمكنّا من استقدام السّائح الأجْنبيّ، وخاصّة الفرنسيّ، بعملته الصّعْبة الحيويّة بالنّسبة لبلادنا. وكالعادة لم يكن أمامنا سوى تصديق أولي أمْرنا في ما قالوا… إلى أن أفشى المقيم العامّ في إشارة إلى سفير فرنسا بتونس سرًّا ما كان ليُفْشَى لوِلا قلّة خبرة هذا الغرّ السّياسيّة. فبإعلانه عن عدد مطالب تأشيرة الدّخول إلى فرنسا التي أودعها التّونسيّون في السّنوات الفارطة لدى المصالح القنْصُليّة الفرنسيّة، مكّننا سعادته، وبعمليّة حسابيّة بسيطة، من الوقوف على حقيقة مذهلة: في هذا المجال، أي المجال السّياحيّ، كما في كلّ المجالات دون اسْتثْناء (الثّروات الطّبيعيّة، الميزان التّجاري…)، كفّة الميزان تميل لفائدة الجانب الفرنسيّ لا الجانب التّونسيّ.
ودون مزيد إطالة، هاك – أخي القارئ– صورة الحال.
قال سفير فرنسا بتونس –أوليفيي بوافر دارفور– إنّ المصالح القنصليّة لبلاده بتونس تتلقّى سنويًّا بين 180 و190 ألف طلب حصول على تأشيرة ممّا يعني أنّ القيمة الماليّة لهذه العمليّة هي 190.000 (العدد الجمليّ للمطالب المودَعَة في المصالح القنصليّة الفرنْسيّة من قبَل التّونسيّين للحصول على تأشيرة) x 60 أورو (معْلوم قارّ لكلّ ملفّ مودَع في المصالح القنصليّة الفرنْسيّة من قبَل التّونسيّين للحصول على تأشيرة) = 11.400.000 (العائدات الإجماليّة للمطالب المودَعَة في المصالح القنصليّة الفرنْسيّة من قبَل التّونسيّين للحصول على تأشيرة) بحساب الأورو، أي بالدّينار التّونسيّ 11.400.000 (العائدات الإجماليّة للمطالب المودَعَة في المصالح القنصليّة الفرنْسيّة من قبَل التّونسيّين للحصول على تأشيرة بحساب اليورو) x 3,100 د. ت. (سعر صرف اليورو بالدّينار التّونسي يوم 23-07-2018) = 35.340.000 د. ت. (العائدات الإجماليّة للمطالب المودَعَة في المصالح القنصليّة الفرنْسيّة من قبَل التّونسيّين للحصول على تأشيرة بحساب الدّينار التّونسي).
فإذا ما علمنا من نفس المصْدر، أي سعادة سفير فرنسا بتونس، أنّ نسبة قبول ملفّات التّأشيرة تصل إلى حدود 90%، فهذا يعني أنّ عدد التّونسيّين الذين يسافرون إلى فرنسا يناهز 171 ألف سائحًا، وإذا ما أخذنا في الحسْبان أنّ المنحة السّياحيّة المُرخّص فيها للسّائح الواحد قد حُدّدَت منذ سنة 2010 بـ 6000 د. ت، فإنّ قيمة المبالغ الماليّة بالعُمْلَة الصّعْبَة التي يُحوّلها السيّاح التّونسيّون إلى فرنسا هي: 171.000 x 6.000 د. ت. = 1.026.000.000 د. ت.، تُضاف إليها المبالغ الماليّة العائدة للدّولة الفرنسيّة من ناقلتها الجوّيّة (آر فرانس)، وهي تمثّل ما يقارب 40% من مجموع سوق المسافرين، أي 1.540 د. ت. (ثمن التّذكرة الواحدة تونس– فرنسا–تونس كما هو مَنْصوصٌ عليه من قبَل آر فرانس يوم 23-07-2018 على موْقعها الرّسمي) x 68.400 (عدد حصّة النّاقلة الفرنسيّة من إجماليّ الزّائرين التّونسيّين لفرنسا) = 105.336.000 د. ت. (عائدات النّاقلة الفرنسيّة من إجماليّ الزّائرين التّونسيّين لفرنسا). بحيث أنّ مجموع عائدات الجانب الفرنسي من السّياحة التّونسيّة يمثّل سنويًّا: 35.340.000 د. ت. (العائدات الإجماليّة للمطالب المودَعَة في المصالح القنصليّة الفرنْسيّة من قبَل التّونسيّين للحصول على تأشيرة بحساب الدّينار التّونسي) + 1.026.000.000 د. ت. (المبلغ الجمليّ للعُمْلَة الصّعْبَة التي يُحوّلها السيّاح التّونسيّون إلى فرنسا) + 105.336.000 د. ت. (عائدات النّاقلة الفرنسيّة من إجماليّ الزّائرين التّونسيّين لفرنسا) = 1.166.676.000 د. ت. (العائدات الإجماليّة الفرنسيّة من السّياحة التّونسيّة).
وفي المقابل، فإنّ العائدات التّونسيّة من السيّاح الفرنْسيّين هي كالآتي: 534.000 (عدد السيّاح الفرنسيّين الذين زاروا تونس في سنة 2017) x 500 د. ت. (قارن بمعدَّل ما ينفقه السّائح –المرْجَع سنتيْ 2016/2017- في تركيا: 1.800 د. ت.، وفي المغرب: 1.500 د.ت.) = 267.000.000 د. ت. (العائدات الإجماليّة التّونسيّة من السّياحة الفرنسيّة).
والمحصّلة، فإنّ نسبة مداخيل الدّولة الفرنسيّة من السّياحة التّونسيّة في اتّجاه فرنسا تفوق بـ 400% نسبة عائدات الدّولة التّونسيّة من السّياحة الفرنسيّة في اتّجاه تونس، أي 1.166.676.000 د. ت. (العائدات الإجماليّة الفرنسيّة من السّياحة التّونسيّة) مقابل 267.000.000 د. ت. (العائدات الإجماليّة التّونسيّة من السّياحة الفرنسيّة).
فمَن الأكثر استفادة من سياحة مواطنيه للبلد الآخر، الدّولة التّونسيّة أم المُسْتَعْمِر الفِرنْسيّ؟ ما رأْيكم لو وظّفنا نصْف الأجْر الأدنى الفرنسي المضمون على السيّاح التّونسيّين كمعْلوم إجباريّ لزيارة بلادنا، أي 1.782 د. ت.،دون احْتساب طول طوابير المذلّة والإهانة أمام القنصليّة الفرنسيّة؟ هل اّتقَهْقر هذا العدد ،التّافه أصلاً، إلى صفر من السيّاح الفرنسيّين؟
فعندما تلْتقي المصْلحة الاقْتصاديّة بنخْوة العروبة وعزّة نفْس القرطاجنيّين، ألاَ يحقّ لنا أن نطالب القائمين على أمْرنا بإعادة التّفاوض مع الطّرف الفرنسيّ على أساس الدّفاع عن مصلحة الوطن عوضًا عن الهرولة لإمضاء اتّفاق التّبادل الحرّ والمُعمَّق (آليكا) المُنْذر بخراب الدّيار وتجْويع العباد في بلد الثّلاث آلاف سنة حضارة؟!