الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: قررت السلطات التونسية رسميا مراجعة اتفاقية التبادل التجاري الحر التي تم ابرامها مع تركيا سنة 2004، وذلك بهدف الحد من عجز الميزان التجاري المتفاقم مع هذا البلد بعد أن بلغ 2.5 مليار دينار (900 مليون دولار) عام 2020. وأكدت وزارة التجارة أنها ستدخل في مفاوضات جديدة مع الجانب التركي خلال الأسابيع القليلة المقبلة لتعديل هذه الاتفاقية وربما حتى إلغائها.
وتمكن هذه الاتفاقية التي نُقحت بشكل شبه شامل على مستوى التعريفات الديوانية من قبل حكومة علي العريض في 2013 من إعفاء جميع المنتجات الصناعية التركية الموردة تماما من الاداءات والمعاليم والرسوم الديوانية. كما تقضي بإعفاء بعض المنتجات الفلاحية والغذائية من هذه المعاليم إلى حدود سقف معين. ويرى عديد الخبراء أن هذه الاتفاقية مجحفة بالنسبة للجانب التونسي وغير متكافئة وأن تستوجب التعديل بهدف خفض عجز الميزان التجاري مع تركيا من جهة وإنقاذ بعض المنتجات المحلية التي تضررت بسبب مزاحمة المنتجات التركية واكتساحها السوق التونسية من جهة اخرى.
وفي هذا الاطار، تشير بيانات المعهد الوطني للإحصاء الى ان قيمة السلع الموردة من تركيا خلال سنة 2020 بلغت 2588.2 مليون دينار وهو ما يعادل 44 بالمائة من حجم خدمة الدين الخارجي برمته (5915.0 مليون دينار) وذلك دون اعتبار الواردات العشوائية التي تصل الى البلاد عن طريق تجار الحاويات والحقائب بطرق ملتوية من هذا البلد مما يعني ان جهد المجموعة الوطنية مخصص تقريبا في قسم كبير منه لخلاص فاتورة واردات تركيا فضلا عما تسببه هذه الوضعية المبنية على الاغراق بالسلع الرديئة والمنافسة غير القانونية حسب المعايير الدولية من تفتيت للنسيج الصناعي والخدماتي الوطني في عدة قطاعات اقتصادية ذات قيم مضافة مالية مهمة وقدرة تشغيلية عالية كالنسيج والملابس والجلود والبلاستيك وغيرها.
في جانب اخر، يتضح من خلال تحليل المعطيات الاحصائية للمعهد ان حجم السلع التركية التي تدفقت على تونس خلال العام الماضي بلغ 861.8 ألف طن وهو ما يعني ان كل كيلوغرام من السلع التركية الموردة لتونس كلفت 0.33 دينار. ويحيل ذلك الى انه من المفروض ان السلع التركية تتكون من مواد اولية ومعدات وتجهيزات ثقيلة في حين ان السلع الموجودة في تونس هي في الاغلب منتجات استهلاكية خفيفة تتكون اساسا من الاقمشة والملابس والبلاستيك المنزلي ومواد التزويق وبعض المنتجات الغذائية البسيطة.
ومن هنا، فإن تفسير الوضعية يمكن ربما في لجوء بعض الموردين الى عمليات تضخيم قيمة الواردات من تركيا في سياق تعامل مع شركات تربطهم بها في هذا البلد علاقات شراكة وهو ما يندرج في إطار عمليات تهريب الاموال وتبييضها في سياق التدفقات المالية غير المشروعة.
يذكر ان المرصد التونسي للاقتصاد كان قد نشر اواخر 2019 تقريرا أبرز ان تونس تصنف البلد الاول عربيا من حيث التدفقات المالية غير المشروعة وذلك بنسبة 16.2% من اجمالي حجم التجارة الخارجية للبلاد باستثناء المنتجات البترولية.
وانجزت في هذا السياق اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، “الاسكوا”، دراسة حول التدفقات المالية غير المشروعة في العالم العربي. وتتأتى حسب الدراسة التدفقات المالية غير المشروعة من الجريمة المنظمة التي يصعب قياسها، ولكن أغلب التدفقات المالية غير المشروعة القابلة للقياس تأتي من نظام التلاعب بالفواتير على مستوى التجارة الخارجية لكل بلد.