الشارع المغاربي : أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونسفي البدء لا شيء يوحي بوجود علاقة بين الديمقراطية وكرة القدم. قد تؤول المسألة إلى مجرد ترف فكري لا غير. ولكن بعض المؤشرات تدفعنا إلى التفكير في إمكانية العلاقة بين حقلين في الظاهر لا وصل بينهما.
مؤشرات عديدة تؤكد أن شيئا ما يمكن أن يربط بين الممارستين. برزت لعبة كرة القدم الحديثة في فضاءات جامعة « كامبردج» الأنقليزية، خلال ستينيات القرن التاسع عشر،هناك تمّ ترتيب قوانينها و دليل إجراءاتها. لقد كانت لعبة يمارسها أبناء الطبقة الأرستقراطية في سياق تهذيب سلوكهم و تعويدهم على الالتزام بالقواعد وتصريف طاقة العنف لديهم. اللعبة حديثة إذا، ظهرت في أول بلد ديمقراطي وصناعي في العالم. إن تزامن بروز كرة القدم في هذا السياق التاريخي يجعل منها إحدى أهم منتجات الحداثة الأوروبية الصاعدة .
انتشرت اللعبة في المستعمرات شرقا و غربا، و تمّت صياغتها وفق الخصوصيات الثقافية و المجتمعية لكل بلد. وكما تصدّر بريطانيا منتجاتها وتفوقها الصناعي وقوتها العسكرية صدّرت أيضا لعبة كرة القدم. حملها المستعمرون كما يحملون أي شيء مثير معهم و هم يقتحمون العوالم الأخرى.
مثلها مثل البرلمانات و الهيئات الدستورية والانتخابات ، مثلت كرة القدم حدثا لا يستهان به آنذاك فهي حقل للتنافس بين اللاعبين مثلما البرلمان حقل للتنافس بين السياسيين في ديمقراطيات أوروبا الحديثة.
هل لعبة كرة القدم مجرد لعبة للتنافس؟ هل توجد مُثل في هذه اللعبة؟أين المُثل الديمقراطية في كرة القدم؟هلكرةالقدمأُمثولةديمقراطية؟
التنافس هو إحدى القيم والمُثل الديمقراطية، تنافس انتخابي مثلا وفق قواعد مضبوطة، يتمّ من خلالها احترام هذه القواعد ومراقبة تنفيذها والتأشير على صلاحيتها. أليست كرة القدم كذلك، لعبة تنافسية وفق قواعد يسهر الحكم على حسن تنفيذها؟ أليست الهيئات الدستورية التي تراقب التمشي الديمقراطي هي نفسها الهيئات الكروية دوليا ووطنيا وهي تشرف على حسن تطبيق قوانين اللعبة؟
لا معنى في الديمقراطيات لقيمة التنافس دون قيمة الجدارة وهي قيمة ديمقراطية بامتياز، الأجدر هو الذي مبدئيا له الحق في ممارسة السلطة عبر صناديق الاقتراع. الجدارة هي إحدى أهم قيمة في لعبة كرة القدم، جدارة الفريق و جدارة اللاعب عندما يثبت مكانته بين الآخرين. ولا معنى للديمقراطية دون مبدأ المساواة بين المواطنين، إحدى ركائز الديمقراطية هي المساواة، هذه المساواة نفسها هي إحدى علامات لعبة كرة القدم، المساواة بين اللاعبين والنوادي، وتطبيق نفس القوانين مهما كان حجمها و مكانتها. كل فريق في مباراة كرة القدم له الحق في نفس عدد اللاعبين، تطبق عليه ولو نظريا نفس قوانين اللعبة. لكل فريق الحق وبالتساوي في أن تكون له ضربة البداية والأمثلة عديدة. يتكون لدى متابعي لعبة كرة القدم تصوّر أن هذه الأخيرة هي التجسيد الأعلى للقيم الديمقراطية بما فيها من تنافس ومساواة وجدارة وعدالة ومكافأة على بذل المجهود والنجاح فيه. اللعبة تعطي قيمة عليا لمكانة الفرد وقدرته على الإبهار وحسن الأداء، هي المصعد الاجتماعي الذي يُعطي للاعب قادم من عوالم الفقر والتهميش فرصة أن يصبح نجما عالميا فقط ببراعته الكروية وليس بانتمائه الطبقي أو العائلي. هذه القيمة المسندة للفرد الناجح هي قيمة ديمقراطية بامتياز لأن هذه الأخيرة حررت الفرد وأعطته إمكانيات التألق المتعددة.
من حيث القيم و المُثل فإن كرة القدم هي لعبة ديمقراطية ،يتطلع الناس إليها و يغرمون بها فهي تحيلهم ولو ذهنيا إلى كل المبادئ الديمقراطية . بين منظومة القيم و المُثل كما نتصورها وبين تطبيقاتها يكمن الفارق، إذ الواقع مختلف عن التصوّرات. فرضيتنا في هذا المجال أنه كلما ذهبنا أشواطا كبيرة في تجسيد قيم الديمقراطية ومُثُلها كلما ذهبنا أشواطا كبيرة في لعبة كرة قدم ملعُوبة بشكل ديمقراطي. وكلما تعثر المسار الديمقراطي في بلد ما كلما تعثرت معه لعبة كرة القدم لا في نتائجها بل في المنظومة و حوكمتها.
كرة القدم عندنا مرتبكة جدا مثلما هو الانتقال الديمقراطي، المساران لا ينفصلان تقريبا…