الشارع المغاربي- بقلم عبد الواحد اليحياوي: في علوم المنطق المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة ،والأستاذ الصادق شعبان (أستاذي في كلية الحقوق في مادة سوسيولوجيا المؤسسات) يُصر على استعمال مقدمات ثبت فسادها (بمعناها المنطقي) منذ زمن بعيد وهو يُعيد إنتاجها كلما أتيح له ذلك وهي المقدمات التي ساهمت في التبرير النظري لنظام ابن علي الاستبدادي الذي اعتذر عنه بعد الثورة.
ينطلق السيد الصادق شعبان من مصادرة مفادها أن كل هذا الفشل الاقتصادي هو فشل سياسي بسبب النظام السياسي الدستوري الأقرب إلى النظام المزدوج بفعل عدم مركزة القرار وتوزعه بين الرئاسة والحكومة والبرلمان،وهو يقترح حلا لذلك بالعودة إلى نظام رئاسي يشبه تماما النظام السياسي زمن ابن علي مع وعد بان لا يقع الانزياح إلى الاستبداد بضمان يشبه الضمان الإلهي عند ديكارت،والمحافظة على الديمقراطية دون أن يخبرنا عن ماهية هذه الديمقراطية ،وهو مخترع مفهوم ديمقراطية الوفاق كمرادف لاستبداد ناعم يخفي في الغرف الخلفية شتى أنواع الاضطهاد والتعذيب بما في ذلك قضية المرحوم فيصل بركات المتهم فيها هو نفسه باعتباره قد تستر على جريمة تعذيبه حتى الموت عندما كان وزيرا للعدل.
إذا كان هناك نوع من الاتفاق على أن احد أسباب الأزمة هو سوء الإدارة السياسية للوضع الاقتصادي ،فان فكرة أن النظام السياسي كما ورد في الدستور هو سبب هذه الإدارة يثير أسئلة حقيقية من جهة أن النظام السياسي الفعلي المطبق على ارض الواقع هو نظام رئاسي وليس النظام المزدوج بين برلماني ورئاسي إذ رغم أن نتائج انتخابات 2014 كانت تسمح بممارسة مستقرة للنظام السياسي الدستوري بعد أن أفرزت الانتخابات الرئاسية والتشريعية فوزا بانتماء حزبي واحد فانه حدث العكس حيث وقع الانحراف بالنظام السياسي إلى نظام رئاسي في تماهي مع الذهنية السياسية لقوى النظام القديم التي عادت إلى الحكم عبر حركة نداء تونس.
كان مثيرا للانتباه منذ البداية ترشح رئيس الحزب الذي كانت مؤسسات سبر الآراء تعطيه فرصة الفوز بالانتخابات التشريعية بينما يفترض أن اغلب الصلاحيات التنفيذية هي بيد رئيس الحكومة وهو ما يؤكد تواصل العقلية السياسية التي تجعل الرئيس مركز النظام السياسي .
لقد أدى فوز السيد الباجي قايد السبسي ثم فوز حزبه بالانتخابات التشريعية إلى تجميع كل الصلاحيات التنفيذية بيد الرئيس في انحراف واضح بالنظام السياسي الدستوري ،وهو ما جعل القرار السياسي بيد الرئيس والمحيطين به خاصة بعد اختياره لرئيس حكومة من خارج حزبه،ثم بعد إزاحته رئيس حكومة ضعيف ودون تجربة سياسية مما حول رئيس الحكومة إلى وزير أول دون قرار حقيقي مستقل عن الرئاسة.لذلك فان سبب الارتباك في اتخاذ القرارات ليس توزيع الصلاحيات التنفيذية بين الرئيس والحكومة،وإنما استيلاء الرئيس عليها وهو ما اضطر رئيس الحكومة بتأثير من بعض مستشاريه إلى البحث عن سند من خارج الائتلاف الحزبي الحاكم في انحراف آخر بالنظام السياسي الدستوري الذي يقوم أساسا على الأحزاب.إن النظام السياسي الحالي هو في الحقيقة نظام رئاسي وهو النظام الذي يعتقد السيد الصادق شعبان انه الحل بينما هو المشكل باستعادته واقعيا كنظام حكم.وهكذا عوض المطالبة بتطبيق صارم للنظام السياسي الدستوري وخاصة تمكين الحكومة من كافة صلاحياتها لتنفيذ الإصلاحات الضرورية أصبح حل الأزمة في دسترة النظام القائم بكل ما أنتجه من مصاعب للانتقال الديمقراطي وخاصة بالنسبة للوضع الاقتصادي.
لقد كان من أسباب اختيار النظام المزدوج تفكيك بنية الاستبداد عبر ممارسة للحكم تقوم على توازن بين مؤسسات الدولة بمنع رئاسة الدولة من السيطرة على بقية المؤسسات وإعادة إنتاج نظام الاستبداد لذلك فان الدعوة إلى نظام رئاسي صرف محفوفة بعودة النزعة الهيمنية التي لازالت ممكنة نظرا للجذور الثقافية والتاريخية لها .وهو معطى لا ينتبه إليه السيد الصادق شعبان الذي تأتي دعوته إلى تغيير النظام السياسي كتعبيرة عن فكره السياسي أكثر منه عن تحليل موضوعي للواقع .إن احد أسباب الأزمة الحالية ليس النظام السياسي الدستوري بل الانحراف به إلى نظام رئاسي جعل رئاسة الدولة مركز القرار السياسي مع وجود رئيس متقدم في السن مما أعطى نفوذا للمحيطين به وأحيانا لمراكز النفوذ التي يمثلونها.كما أن إمكانية عدم ترشح الرئيس الحالي في الانتخابات القادمة أطلق معركة الخلافة وجعل تسيير الدولة معارك انتخابية بين مشاريع شخصية تتصارع في أفق وحيد..انتخابات 2019.
أيضا إن جعل النظام السياسي السبب الوحيد للازمة وكان تغييره هو الحل السحري لكل صعوبات المسار الانتقالي هو قول غير بريء كل هدفه التبرير النظري لعودة النظام الرئاسي ذي النزعة الهيمنية فالأزمة أعمق بكثير فهي أزمة منظومة الحكم المنبثقة عن انتخابات 2014وبالذات أزمة حزبيها الكبيرين..
حزب نداء تونس المتكون من مغامرين وحالمي سلطة فاز في الانتخابات دون ان يكون له برنامج للحكم وتفكك في امتحان توزيع مغانم السلطة
حركة النهضة ،الحزب الثاني..خرج منهكا من الحكم ليس له برنامج حكم أيضا ورغم انه منظم ولديه بعض الشعبية فهو ضعيف سياسيا وغير مؤثر بفعل الاستهداف الداخلي والإقليمي الذي يتعرض له.
الأزمة هي فشل الأحزاب الحاكمة وانحرافها بالنظام السياسي الى نظام رئاسي.
دعوة السيد الصادق شعبان مواصلة لدوره كوريث للفقيه السياسي خادم الاستبداد أما الدستور فهو ليس قرانا ولكن تنقيحه يجب أن يكون بعيدا عن مشاريع الاستبداد فالاستبداد ليس نظاما سياسيا .
عبد الواحد اليحياوي : فيادي بحزب حراك تونس الارادة