الشارع المغاربي -وليد أحمد الفرشيشي : الخبر الذي نشرتهُ مجلة “جون أفريك” حول اعتزام حركة النهضة تقديم أحد بيادقها لخلافة يوسف الشّاهد على رأس الحكومة، لم يفاجئ في الحقيقة المتابع الجيّد لكواليس المناورات السيّاسية، تلك التي أصبحت قطب رحى الصراع السياسي بين “القصبة” و“قرطاج“. فحركة النهضة، المنتشية بانتصاراتها الأخيرة في الانتخابات البلديّة وأحد اللاعبين الكبار في المشهد السياسي، تعرفُ أنّ “المراهنة” على يوسف الشاهد هي مراهنة ظرفيّة تزولُ بزوال أسبابها. في المقابل، فإنّ المفاجأة تكمنُ في تقديم اسم المنذر الزنايدي كخليفة محتمل ليوسف الشّاهد، وهو اسمٌ يعني الكثير بالنسبة إلى من تصب ذاكرتهم بالعطب، لا من جهة الوزن السياسي للرّجل– فهو بلا وزن– وإنّما لارتباطهِ الوثيق بمنظومة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ناهيك عن فشلهِ في تحقيق أيّ اختراقٍ بعد الثورة وهو الذي فشل في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 مثلما فشلَ في تأسيس حزبٍ، قيل عنه الكثير، ليتبيّنَ لاحقًا أنّه “فقاعة إعلاميّة“.
وإذا كان الخبرُ، الذي نسبتهُ المجلّة إلى أحد المقرّبين من زعيم حركة النهضة راشد الغنّوشي، قد يكونُ “مناورة” الهدفُ منها الضغط على يوسف الشّاهد وإشعاره أنّ مصيرهُ بيد النهضة لا غيرها، الأمرُ الذي يسهلُ معهُ التحكّم فيه، إلاّ أنّهُ ثمّة احتمالٌ في “صدقيّته” إذ أنّها لن تكون السابقة الأولى في سجّل النهضة التي دافعت إلى النهاية عن رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، قبل أن تسحب من تحتهِ البساط وتزكّي يوسف الشاهد مقابل الإقطاعات الوزارية. إضافة إلى اننّا لا نعتقدُ انّه من باب الصدفة أن ينشر الزنايدي فيديو يعدّدُ فيه مآثرهُ وسيرتهُ الذاتّية، وكأنه يعدُّ العدّة للدخول إلى معمعة “الخلافة“.
ومهما يكن من أمر، فإنّ الزّج باسم منذر الزنايدي، وجه النظام السّابق المعروف، والسياسي الذي فشل في التموقع داخل أطر الثورة التونسية وإفرازاتها، اي الجمهورية الثانية ببراديغماتها وإحداثياتها الجديدة، يطرحُ اكثر من سؤال سواء من جهة الاختيار نفسهِ أو من جهة مقبوليّة منذر الزنايدي لدى أطراف الأزمة السياسية، وتحديدا حركة نداء تونس ومؤسسة رئاسة الجمهورية.
منذر الزنايدي…لاعب الأرجوحة الغامض !
وبالعودة إلى شخصيّة الرّجل الذي يعتبرُ “دابّة حكوميّة“، إذ أنّهُ دخل الحكومة في ظلّ النظام السّابق منذ سنة 1994 تقلّدَ فيها أكثر من منصب وزاري، جلّها في وزارات فنيّة كالتجارة والسياحة والصحة، قبل أن “يهرب” إلى فرنسا بعد سقوط نظام بن علي في 14 جانفي 2011. ليعود مجدّدًا إلى المشهد السياسي قبيل الانتخابات الرئاسيّة لسنة 2014 مقدّمًا ترشّحهُ كمستقلّ وموظّفًا “ماكينة” إعلاميّة رشّحتهُ ليكونَ المنافس رقم واحد للباجي قائد السبسي.
هنا تتقاطعُ المعلومات حول هويّة الجهة التي دعمتهُ داخليًّا، وهو الذي نزل من المطار مباشرةً إلى الفعل السياسي، دونَ أن يمرّ على سجن المرناقيّة كغيره من وزراء بن علي، ودون أن تفتح ملفاتهُ، وهو ما يؤكّدُ أنّ الرجل الذي أنكر، ذات حوار تلفزي معرفتهُ بزوجة الرئيس الأسبق ليلى الطرابلسي، تلقّى تطمينات تحولُ دون مساءلته قانونيًّا.
وهنا ليس من باب المستحيلِ تخمين هذه الجهة، أي حركة النهضة نفسها، حتى وإن كانَ الأمر برمتّه خارج “الأطر الرسميّة“، ذلك أنّ لعبة “تشتيت” الأصوات تمهيدًا لاختلاق وضعيّة تصلحُ للفرز، لعبة لا تتقنها سوى النهضة. أضف إلى ذلك أنّ فتح باب المشاركة في الانتخابات الرئاسية للزنايدي وحشد الدعم لهُ وتسخير “ماكينة” إعلامية تشتغلُ لفائدتهِ، تمّ بمساعدة رجل أعمال موقوف حاليًّا، عرفَ عنهُ أيضا ارتباطهُ بحركة النهضة قبل تغيير “سرجهِ” نحو الحزب الصاعد وقتها حركة نداء تونس.
ومن هنا يفهمُ أنّ عودة الزنايدي في ذلك الوقت، وإن كنّا لا نعتقدُ في انّها مدروسة قدر اعتقادنا في قبول الرّجل بدور “دمية القماش“، كان الهدف منها استعمالهُ لتشتيت الأصوات وهو ما فشل فيه في النهاية.
ولم يتوقّف فشلُ الرّجل عند ذلك الحدّ، رغم اشتغال الماكينة الإعلاميّة إيّاها في اختراع هالة حوله، بل فشل في الانضمام إلى حركة نداء تونس بعد رفض الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي لالتحاقهِ بالنداء، وهو ما حاول الزنايدي نفيه أكثر من مرّة، أو في تشكيل حزب ذي مرجعيّة تجمعية/دستوريّة في ظلّ عدم ثقة الدساترة فيه وتفضيلهم لمشاريع أخرى على غرار المبادرة لكمال مرجان أو الحزب الدستوري الحرّ لحامد القروي ثمّ عبير موسي، أو في دخوله إلى جبهة الانقاذ بعد تعطّل المشاورات مع الثلاثي محسن مرزوق وسليم الرياحي ورضا بلحاج، ليختفي الرّجلُ فجأة من المشهد خلال السنتين الأخيرتين، كما ظهر فجأة.
وهو ما يطرحُ بالنهاية سؤال “التوقيت” في الدفعِ باسمهِ إلى الواجهة بل وكخليفة محتمل ليوسف الشاهد ناهيك عن المقبوليّة التي يتمتّع بها لدى أطراف المشهد السياسي.
غوّاصةُ النهضة… تطفو على السطح !
وإذ كنّا نقرُّ أن قراءتنا لعودة الزنايدي إلى الواجهة بنيت أساسًا على فرضيّة “صدقيّة” الخبر الذي أوردتهُ مجلّة “جون أفريك“، ما يعني أيضًا أنّ الأمر برمّتهِ قد لا يتجاوزُ خطّ “المناورة” للضغط أكثر ما يمكنُ على رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومن ثمّة تطويعه لخدمة أجندة حركة النهضة، فإنّهُ من المؤكّد أن التلويحَ باسمهِ في هذا التوقيت يعني الكثير، على الأقل من طرف حركة النهضة.
فالرّجلُ مثلما أشرنا “دابّة حكومية” ما يعني– افتراضيًّا– قدرتهُ على معالجة ملفات عدد من الوزارات “الفنيّة“، وبعضها يشكّلُ صداعا حقيقيا كالتجارة والصحة. وعاملُ التجربة قد يكونُ حجة النهضة في تقديمه إضافة إلى انّهُ ابن المنظومة القديمة وهذا من شأنهِ ألا يزعج بقايا النداء، أي أنّ النهضة وهي تلوّحُ باسمهِ تشيرُ في الواقع إلى تلك القاعدة القديمة التي تقولُ “بضاعتكم ردّت إليكم” وهو ما يخفّف الضغط عليها ويحميها من سيناريو حومة جديدة بلا سندٍ حقيقي، بعد أن رفع الندائيون شعار “نهاية التوافق“.
هذه المراهنة على الزنايدي– إذا صحت فرضيّةُ دعم راشد الغنوشي لترشيح اسمهِ– تلقي ظلالها على الطريقة التي تفكّر بها النهضة، الساعية إلى الحيلولة دون انفراط عقد التحالفِ مع حركة نداء تونس، وهو تحالف هي في أمسّ الحاجة إليه للاعداد إلى المواعيد الانتخابية القادمة بأخفّ الأضرار. لكن، في المقابل، تعتبرُ هذه المراهنة محفوفة بالمخاطر ذلك أنّ منذر الزنايدي لا يحظى بالقبول من أكثر من طرف سياسي، يتقدّمهم رئيس الجمهوريّة نفسه الذي وإن كان راغبًا بشدّة في إقالةِ رئيس حكومتهِ، إلاّ أنه لن يخاطرَ بتمكين “دابّة سياسية” من مقاليد الدولة. كما أن الطيف التجمّعي، سواءً داخل نداء تونس أو خارجها، طوى صفحة منذر الزنايدي، منذ طوى هذا الاخير صفحة “التجمّع” واختيارهِ الهروب مع انهيار المنظومة السابقة. يضافُ إلى ذلك باقي الأحزاب السياسية البرلمانيّة التي لن تزكي عودة “الزنايدي” إلى المشهد على حساب أعطاب تونس وآلامها.
وفي المحصّلة، فإنّ منذر الزنايدي، غواصة النهضة التي طفت على السطح مجدّدًا، قد يعيشُ في صورة “صدقية” خبر جون أفريك، نفس سيناريو 2014، حين عادَ في ثوب “المنقذ” ليجد نفسهُ خارج كلّ الحسابات.