● المساعدات الخارجية ساهمت في تضخيم تحالف النهضة والنداء
● تونس تشهد «تراجعا ديمقراطيا » سيُفقِدها صفة البلد «الحرّ »
● قطاع الأمن يحافظ على علاقات وثيقة بشخصيات مرتبطة بنظام بن علي
● دعوة لمزيد العمل لضمان السيطرة على مدنية الجيش
الشارع المغاربي : منير السويسي (*): في أحدث تقرير لها حول تونس، حذرت منظمة «فريدوم هاوس » الأمريكية التي تعنى بمراقبة مؤشرات الحرية والديمقراطية في العالم، من أن تونس تشهد حاليا «تراجعا ديمقراطيا » سيُفقدها- إن تواصل- صفة البلد «الحرّ » التي حصلت عليها سنة 2015 .
وتصدر المنظمة الأمريكية، تقريرا سنويا حول المؤشر العالمي للحرية في العالم، بالاعتماد على معيارين اثنين هما الحقوق السياسية، والحقوق المدنية.
وقبل 2011 ، كانت تونس مصنفة )في تقارير منظمة فريدوم هاوس( دولة «غير حرة »، ثم دولة «حرة جزئيا » بعد ثورة 2011 ، فدولة «حرّة » بعد اعتماد دستور جديد وتنظيم انتخابات عامة سنة 2014 .
وكانت تونس ولاتزال البلد العربي الوحيد الذي حصل على تلك الصفة. وفي تقريرها الذي أصدرته مطلع شهر سبتمبر الحالي، قالت المنظمة الممولة من الحكومة الأمريكية، إن الحكومة التونسية «غير قادرة » على تطبيق أغلب الإصلاحات التي جاء بها دستور 2014 ، ما أدى إلى «تراجع » ترتيب تونس في تقرير مؤشر الحرية في العالم، متوقعة أن تفقد تونس صفة الدولة الحرة، إن تواصل «التراجع الديمقراطي » الذي تشهده البلاد حاليا.
وأوضحت أن السلطات التونسية شرعت في «التراجع عن الحريات » في أعقاب الهجمات الإرهابية الدموية التي حصلت سنة 2015 )الهجوم على متحف باردو، وفندق سوسة، وحافلة الأمن الرئاسي)، عندما أعادت فرض قانون الطوارئ الذي مازال ساريا حتى اليوم، واعتمدت قانونا لمكافحة الإرهاب أعطى صلاحيات واسعة لقوات الأمن.
ولاحظت أن قوات الأمن توسّعت في استعمال تلك الصلاحيات ومنها فرض حظر التجول وتنفيذ مداهمات للمنازل وحظر الاحتجاجات «دون أذون من القضاء »، مذكرة بإيقاف حوالي 1000 شخص خلال الاحتجاجات على الإجراءات التقشفية التي تضمنها قانون المالية لسنة 2018.
وقالت إن بعض الموقوفين تم «إجبارهم على الإمضاء على اعترافات دون حضور محامين .»
انتهاكات الشرطة للقانون، ومحاكمات عسكرية للمدنيين
وصفت «فريدوم هاوس » حادثة «اقتحام عنصريْن مسلحيْ ينتميان إلى نقابات أمنيّة » لمحكمة بن عروس يوم 26 فيفري 2018 و «إجبار المحكمة » على إطلاق سراح 5 أعوان أمن كانوا يحاكمون بتهمة تعذيب شخص موقوف، بأنها «مثال » على انتهاك «سيادة القانون » في تونس، لافتة إلى أن الجناة لم يحاسبوا حتى اليوم.
وذكرت بأن قطاع الأمن في تونس لم يشهد أي إصلاحات، وأنه «يحافظ على علاقات وثيقة مع شخصيات مرتبطة بالنظام السابق، بما في ذلك حزب نداء تونس الحاكم .»
إلى ذلك، قالت المنظمة إنّ على تونس «القيام بمزيد من العمل لضمان السيطرة المدنية الكاملة على الجيش » مشيرة في هذا السياق إلى محاكمة النائب في البرلمان، ياسين العياري، أمام محكمة عسكرية، قضت بسجنه )في مارس 2018 ( مدة 16 يوما بتهمة «تحقير الجيش »على خلفية تدوينة فايسبوكية.
وذكرت بأن العياري سبق أن قضّ عقوبة بالسجن سنة 2015 من اجل تهم مماثلة.
وانتقدت المنظمة مواصلة السلطات التونسية استخدام نصوص من مجلة الصحافة «القديمة »، ومن القانون الجزائي والقانون العسكري «لاستهداف الأصوات المنتقدة والصحافيين » وذلك على الرغم من وجود المرسوم 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر والذي يفترض أن يكون المرجع الوحيد في جرائم الصحافة والنشر.
كما انتقدت قانون «المصالحة » الذي منح «حصانة قانونية » لمسؤولين تورطوا في جرائم فساد مالي خلال عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
التضييق على المجتمع المدني
وفي شأن متصل، استهجنت «فريدوم هاوس » مصادقة البرلمان التونسي في 27 جويلية 2018 على القانون عدد 30 لسنة 2018 الذي يفرض على كل المنظمات غير الحكومية التسجيل في «سجل وطني للمؤسسات .»
وقالت إن هذا القانون الذي تم تمريره دون استشارة منظمات المجتمع المدني، «يفرض » على هذه المنظمات «قيودا لا حاجة إليها » متوقعة أنّه «سوف يؤثر على عمل )منظمات( المجتمع المدني » في تونس.
ونبّهت إلى أن القانون يفرض غرامات مالية مشطّة على المنظمات التي لا تقوم بالتسجيل، كما يعرّض لنفس السبب )عدم التسجيل( المسؤولين عن هذه المنظمات إلى عقوبة تصل إلى السجن سنة واحدة.
ورأت أن هذا القانون يمثل «انتهاكا » لدستور 2014 وللمرسوم 88 لسنة 2011 ، الخاص بالجمعيات، والذي اعتبرت أنه يمثّل الإطار القانوني الأكثر تقدمية للجمعيات في العالم العربي.
وقرأت المنظمة هذا القانون على أنه من بين «المؤشرات » على «عودة السُلْطويّة » إلى تونس. وفي سياق آخر، قالت المنظمة إن «المسؤولين » في تونس «يتجاهلون غالبية طلبات النفاذ الى المعلومات » بموجب قانون النفاذ الى المعلومة الصادر سنة 2016 .
تغوّل السلطة التنفيذية
تعاني «الديمقراطية الناشئة » في تونس )وفق تقرير فريدوم هاوس( من «نقص في الضوابط والتوازنات » بين مختلف السلطات » إذ «تلعب السلطة التنفيذية دورا كبيرا في الحوكمة، بما في ذلك تقديم كل المبادرات و )مشاريع( القوانين الجديدة، وقيادة جهود بناء التحالفات السياسية .»
وأضافت «فريدوم هاوس » أن رئاسة الجمهورية «تحظى بنصيب الأسد » من ميزانية الدولة لسنة 2018 ، إذ بلغت ميزانيتها 109 مليارات من المليمات «أي تقريبا 3 أضعاف ميزانية البرلمان 31( مليون دينار).
وقالت إن البرلمان يعاني من «نقص في الموارد البشرية والمكاتب.. منعه من الاضطلاع بدوره كمركز سلطة مستقل .»
مساعدات مشروطة بتنفيذ الإصلاحات
ودعت «فريدوم هاوس » الأطراف الدولية الداعمة للديمقراطية الناشئة في تونس، )الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والبنك الدولي( الى ربط هذه المساعدات باستكمال البلاد تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية المضمّنة في الدستور، وخصوصا تشكيل المحكمة الدستورية )قبل إجراء انتخابات 2019 ( وتعزيز استقلالية القضاء، إضافة إلى «حماية حقوق منظمات المجتمع المدني » وإلغاء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وإخضاع نقابات الأمن لسيادة القانون.
وقالت المنظمة إن المساعدات الأجنبية التي حصلت عليها تونس حتى الآن، أدّت فقط إلى «تقوية المؤسسات السياسية القائمة » و «تضخيم قوة الائتلاف الحاكم » )الذي تشكّله النهضة والنداء( و «جعله )الائتلاف( أكثر مقاومة للتّغيير .»
———————-
رئيس «منتدى تونس للصحافة والمعلومات »