الشارع المغاربي – حاورته عواطف البلدي : خرج علينا جمع من أساتذة جامعة الزيتونة بفتوى “تحريم انتخاب كل إنسان في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، صادق على قانون المساواة في الإرث..” ليطرحوا من جديد إشكالا يبدو أنه لم يحسم بعد رغم أن دستور 2014 حسم فيه… والمقصود هنا قضية التداخل الخطير بين الدينيّ والسياسيّ أي بين المقدّس والدنيوي المتغيّر… ما صرّح به بعض المنتسبين لجامعة الزيتونة أثار جدلا كبيرا في الساحة السياسية والحقوقية والفكرية. “الشارع المغاربي” توجّه بالسؤال إلى المفكّر يوسف الصدّيق حول حساسية وخطورة ما جاء على لسان هؤلاء من تحريم يصل الى حد “التكفير”.
أن نسمع ونرى من يفتي بتحريم الانتخابات فهذا ليس بالأمر الجديد إذ سبق لشيوخ وأيمّة عرب أن أفتوا بتحريمها ودعوا الى نبذ البرلمانات وغيرها على غرار الشيخ الألباني الذي قال “المشاركة بالبرلمانات معصية كبيرة بلا شك ” والشَّيخِ مُقْبِلٍ الوَادِعِيِّ بقوله “الانتخابات ومسألة الديمقراطية مسيّرة من قِبل أعداء الإسلام”.. ولكن الجديد والصّادم هو صدور مثل هذه الفتاوى “مفصّلة” عن أحد أساتذة جامعة الزيتونة في تونس وحول ذلك يقول المفكر يوسف الصدّيق “تنبّأت ببداية انهيار الاسلام السياسي منذ أن بدأت هذه المشادّات بين العلمانيين والمتشدّدين الدينيين لأن هؤلاء لا يزنون ما يقولون ولا يدقّقون في ما يقولون… متابعا:”الحمد لله أن تونس بدأت في التصدي اليه (الاسلام السياسي) بقوة فكريا وعلميا واجتماعيا نظرا لأننا لا نميل الى العنف… الاسلام السياسي فَقَدَ كل حُججه في ان يتبوّأ القرن 21 وان يتبوّأ المعاصرة ان لم يذهب الى العنف ولا اعتقد ذهابهم للعنف لأنهم يحبّون الحكم وهنيئا لهم شرط ان يكون هذا الحُكم بلا وهم”.
لا كنائسية ولا رهبنة في الاسلام
وأرجع الصدّيق اسباب هذا الانهيار الى اسباب علمية ومعرفية قائلا “أحيانا الحضور الاعلامي محبذ والمناقشات الجانبية لابدّ منها ولكن الاهم ان نتوجّه الى تحديد موقع الدين في المجتمع التونسي المستنير نسبيا مقارنة بالمجتمعات الاخرى”.
وعلّق الصدّيق على العبارات التي وردت على لسان رئيس قسم الشريعة والقانون بجامعة الزيتونة الياس دردور على غرار “يُحرّم شرعا انتخاب كل إنسان في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، صادق على قانون المساواة في الإرث حتى لو كان ينتمي الى حزب اسمه حزب طيور الجنة أو جناح الملائكة” قائلا “أصبح الملك عاريا… وأقصد هنا الاسلام السياسي .. علينا تسلّق أوّل مبادئ الإسلام التي يتناطح فيها هؤلاء وهي أن الإسلام دين مجتمعنا ودين أمهاتنا ودين أبائنا لا يقرّ بالكنائسية وبالرهبنة… فمن هؤلاء حتّى يتبوّؤون موقع الإفتاء؟ وهذه هي البديهية الثانية إذ لم يعد هناك مواطن عالم منتج للأحكام ويسمى بالعالم الشرعي ومواطن عادي مستهلك لهذه الأحكام بحيث لم يعد هناك فرق إذ أصبحنا كلّنا نتناقش في هذه المسألة ومن يقرّ بالرهبنة ينبغي أن يكون فعلا عالما كابن حنبل الذي اعتبره عالما وابو حنيفة والشافعي ومالك علماء ولكنّهم علماء القرن العاشر في حين أنا امتلك اليوم أكثر معلومات عن الدنيا وكمتدين لي معلومات أكثر عن بدائع الخلق ولذلك اعتقد أنني أصبحت أكثر إيمانا وتطلّعي للخالق أصبح أكثر تطوّرا فما بالك بالأحكام القانونية للحياة اليومية التي لم تتطور منذ القرن العاشر…؟”
فتوى أزهريّة !
أما الطرح الثاني للمسألة فبلوره الصدّيق في سؤال: ما علاقتنا نحن العلماء علمانيين أو حتى كفرة أو متدنيين بهذا التطور؟… مضيفا: “احمد ابن حنبل كان يقول “العالم الفاسق فسقه عليه وعلمه لنا” وهذه هي القوة الحقيقية صادرة عن إنسان مستنير جدا فإذا كان العالم فاسق وعلمه مبني على حجج وأدلّة واختبارات ما شأننا به ان كان مسيحيا أو فاسقا أو يهوديا.. وهنا لابد لأهلنا بأن يقتنعوا بأن العالِم الذي يكتفي بعلم القرن العاشر فقط ليس بعالِم أبدا إن كان القرضاوي أو الياس دردور ونور الدين الخادمي.. وهؤلاء متخلّفون عنا بـ11 قرنا..”.
وتابع الصدّيق “الفتوى التي جاء بها الياس دردور تضاهي ما نسمع من شيوخ الأزهر وهؤلاء في حد ذاتهم دولة داخل دولة ولكن نحن لسنا كذلك وحتى قدماء الزيتونة أمثال الشيخ الطاهر بن عاشور او الفاضل بن عاشور أو محمد كمال جعيّط فقد كانوا محتشمين ويعلمون أن للدين جِهة لا تدخلها الترّهات السياسية ولكنّنا اليوم بتنا نسمع ونرى الكثير من مظاهر التكفير..”.
وأشار الصديق إلى أنّ ” سبب أسلوب الترهيب المعتمد في البيان أن هؤلاء لا يفهمون ان القوانين الوضعية هي التي تنظم الأملاك والأحوال الشخصية .. فأبي سفيان كان مشركا عندما دخل على عثمان بن عفان وقد اصبح ضريرا فقال له :”أَبيْننا آذان؟” فقال له: “لا، تحدّث”. فقال أبو سفيان : “يا عثمان الملك ملك جاهلية والأمر أمر غوغائية فاجعل أوتاد الارض بني أميّة”. وكان الامر كذلك، إذ بعد مقتل عثمان غُيِّبَ الإسلام الصحيح وساد إسلام الفقهاء.. اذن هؤلاء لا يعرفون اليوم كيف كانت تعيش المجتمعات وان كل ما يُورث كان مبنيا على المال والجاه وهنا أعطيك مثالا على ذلك .. اذا كان للأب 3 بنات وولد وتأخذ بنت منهم كل الاموال وتذهب الى عشيرة زوجها وعندما تفقر عشيرة الاب لذلك اوصي بان يكون على الاقل النصف للبنت حتى تبقى الثروة في القبيلة. اما الآن وقد اصبحت الأملاك عينية وغير متنقلة فأكثر ما يورث هي الحقول او المباني او الاصول البنكية اذا لم يعد من المعقول ان يكون هناك فرق بين المرأة او الرجل ببقاء الثروة في مكانها ويبقى ثراء الوطن وثراء القبيلة.. لابد من مراجعة مصالحنا ومقاصدنا فبعض الآيات ظرفية ولابد من النظر الى أسباب النزول والسياقات التاريخية مثل الايات التي تأمر بقطع يد السارق ولهذا نسأل هؤلاء اليوم لماذا لم ينتصبوا غاضبين عندما ألغينا الجَلد في الشارع او قطع يد السارق وهي ايات قرأنية واضحة .. لماذا سكتوا عن الغاء تطبيق جلد الزاني والزانية مثلا؟”.
وفي سؤال حول مشاطرته الرأي القائل إن “هذا البيان صادر عن أيمّة النهضة” قال الصدّيق” لا… اعتقد ان هؤلاء يجهلون ما يجب ان يكون ويعتقدون ان الاسلام يقود المجتمعات.. والحال ان هناك 1000 نوع من الاسلام على غرار اسلام المتوكّل الذي سمح بقتل الالاف من المعتزلة بسبب أفكارهم بينما هم مسلمون وهذا ما يريد الياس دردور صاحب الفتوى ان يعيدنا اليه فعلا… هذا الشيخ الزيتوني يريدنا ان نقتّل بعضنا بعض من أجل أفكارنا “.
الصديق صنّف هذا البيان ضمن خانة “التكفير” قائلا “لنتحدّث اولا عن مسألة المساواة في الارث … حسب القرآن لا يحق لإلياس دردور الإفتاء طبقا للآية الواردة بسورة النساء:” يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ “(سورة النساء) لأن الفتوى تؤسس لفكرة عامة بين كل الناس ولكن يجب ان نحذر لأن الفتوى تُحدث الفتنة اذا كانت منزّلة من البشر وليس من الله بدليل ان الله خاطب الرسول بقوله “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (الآية 22 سورة الكهف)” وذلك حتى لا تحدث الفتنة …”.
وردّا على سؤال حول ما اذا كنّا سنعود بعد اقتراح هذه الفتوى الى مربّع التكفير والى التحريض على العنف والتباغض والكراهية بعد هذه “الفتوى”.. قال الصدّيق ” فعلا لقد عدنا إلى مربّع التكفير وابتعدنا عن مربّع التفكير.. هؤلاء هم حماة حزب التحرير الذي يقرّ بهذه الفتوى وبغيرها وهذه ليست فرضية وانما موجودة ويتبناها هذا الحزب الذي هو عبارة عن دكّان بشارع لا يؤمن بالجمهورية ولا بالسياسة وانّما يؤمن بالخلافة جاهلا الموقع الايديولوجي ان الخلافة لم تكن في يوم ما الا جبروتا دنيويا.. اذ كل الخلفاء كانوا جبروتا ولذلك اعتبر ان الاسلام السياسي كوميديا سوداء لابد من التخلص منها”.