الشارع المغاربي : “نُعاهدكم أن نَفِي حقَّ كادحات السبّالة وكادحات العمل الفلاحي في كلّ شِبْرٍ من تونس العزيزة حَقَّهُنَّ في تأمين حياتهِنّ وكرامتهِنّ ولن نتوانى عن الضغط من أجل تحويل الاتفاقية المشتركة للعاملين في القطاع الفلاحي إلى اتّفاقيات قطاعية ملموسة تصاحبها اتفاقية نقل العملة الفلاحيين.. لا مجال للاستعباد بعد اليوم.. الاتحاد العام التونسي للشغل سيدافع عن عمّال الفلاحة مثلما يفعل دوما مع كافّة الشغّالين… ولأنّنا نؤمن في أعماقنا، أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة، بأهمية الموعد الانتخابي على اعتباره فرصة للاختيار الحرّ والمستقلّ، وحقّه مكفول دستوريّا وواجب ملزم أخلاقيّا فإنّنا نجدّد دعوتنا إلى كلّ النقابيات والنقابيين وإلى كلّ المواطنات والمواطنين للإقبال على التسجيل في القائمات الانتخابية وعلى المشاركة بكثافة في الانتخابات القادمة ليقولوا كلمتهم وليقرّروا مصيرهم بأيديهم وليغلقوا المنافذ أمام محاولات استبدال دولة الاستبداد بدولة الفساد. وقرّرنا أيضا أن نُجَنِّدَ مئات النقابيين لمراقبة عملية الاقتراع لضمان الشفافية والنزاهة وسلامة العملية الانتخابية من التدليس والابتزاز والضغوطات”.
بهذه العبارات توجّه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي اليوم الأربعاء غرّة ماي 2019 في كلمة ألقاها بساحة محمد علي بتونس العاصمة إلى من أسماهم بـ”صديقات وأصدقاء الاتحاد الأوفياء” بعد الترحّم على ضحايا “شاحنات الموت” والوقوف دقيقة صمت على أرواحهنّ وعلى روح آخر شهيد للمؤسّسة العسكرية وكلّ شهداء الوطن.
وأضاف الطبوبي “تعود علينا هذه الذكرى ونحن على مشارف موعد جديد من الانتخابات التشريعية والرئاسية بدأت تجلّياتها تطغى على المشهد السياسي في شكل تجاذبات لا علاقة لها بما يعيش المواطن من إرهاصات وما تُعاني البلاد من إكراهات، فما تعيش البلاد اليوم من احتجاجات شعبية عارمة ومن احتقان وغضب في صفوف سُكّان الجهات الداخلية والأحياء الشعبية مؤشّر على نفاد الصبر وعلى فقدان الثقة وعلى سخط عام تجاه الطبقة السياسية بشكل عامّ… بعض الأوساط وخاصّة تلك الحاكمة أو المقرّبة منها ترى في الحراك الاحتجاجي الجاري اليوم تطاولا على هيبة الدولة، والحقيقة أنّه ردّة فعل طبيعية لفشل سياسات الائتلافات الحاكمة وإدانة صارخة للانقلاب على إرادته والالتفاف على أهداف ثورته”.
وتابع “لم يدرك هؤلاء أنّ الأمر بالنسبة للمنتفضين لم يعد مجرّد “تراخ” أو “أياد مرتعشة” أمام تغوّل الفساد في أوصال الدولة والمجتمع، بل أضحى سياسة ممنهجة تتحكّم في إدارتها مافيات التهريب والاحتكار والمال الفاسد… لم يدرك هؤلاء أنّهم أصبحوا متّهمين بالتواطئ مع تلك المافيات ويستظلون بظلالها ويلهثون استجداءً لأموالها ولطلب استرضائها… هم لا يدركون أو يتجاهلون أنّ الفساد لم يعد فسادا عائليا أو فئويا كما في العهود السابقة، بل هو اليوم “فساد معمّم” يشارك فيه الكلّ لإفساد الكلّ، كلٌّ حسب موقعه ونفوذه وقدرته على الإفساد. وإنّ ما أصبح يخشاه الشعب أن تستمرّ سرقة ثورته وأن يستعيد الحكم الدكتاتوري موقعه بعد أن قاومه الشعب ونجح في الإطاحة برأس حكم الفساد المافيوزي في 2011”.
وتساءل “ماذا سننتظر من حكم الفساد غير الاستسلام والتواطئ والاضطلاع بدور الراعي والخادم للمافيات المتنفّذة والحاكمة بأمرها ؟ ماذا فعل هذا الحكم إزاء الفساد الصحّي الذي أودى بحياة 14 رضيعا في مستشفياتنا العمومية؟ ماذا فعل هذا الحكم إزاء فضيحتي البنج الفاسد واللوالب القلبية الفاسدة؟ ماذا فعل هذا الحكم إزاء إهدار المال العام الذي أكّده تقرير دائرة المحاسبات سنة 2018 وإزاء الخسائر المترتّبة عن الصفقات العمومية المشبوهة والتي بلغت 2000 مليار سنويّا؟ ماذا فعل هذا الحكم إزاء ما يحصل من تجويع الشعب بالغلاء المشطّ للأسعار وتعويم الدينار بما يعني ذلك من فقدان القرار السيادي على عملتنا ومصير بلادنا؟ ماذا فعل هذا الحكم إزاء المحاولات المحمومة لتصفية القطاع العمومي وإزاء هجرة الكفاءات التونسية خارج الوطن؟ ماذا فعل هذا الحكم لتجاوزات الدولة وهي الراعية لتطبيق القانون في منع التشغيل الهشّ وحلّ معضلة عمال حضائر ما بعد الثورة الذين طالت معاناتهم وآن الأوان لوضع حدّ لها في اتّفاق عادل ومنصف ؟ ماذا فعل هذا الحكم في إنهاء ما تبقّى من ملفّ المفروزين أمنيّا وسائر المعطّلين عن العمل؟… لن نسكت على استمرار الفرز.. ويجب التسريع بوقف العقاب الجماعي.. ماذا فعل هذا الحكم بخصوص إصدار القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة؟… ليس هناك ظلمٌ وجُوْرٌ أشدّ من معاقبة عائلات الشهداء والتنكيل بجرحى الثورة.. لا صمت بعد اليوم… كلّ ما ذكرنا ليست سوى عناوين بارزة للفساد المستشري وحالة الوهن والاستسلام التي أصبح عليها نظام الحكم في بلادنا… إنّ هيبة الدولة في منح الكرامة للناس وفرض سيادة القانون والقطع مع الفساد والمفسدين. وهيبة الدولة ليست هيبة الأشخاص بل هي هيبة القانون وتحقيق العدالة والمساواة واحترام انتظارات الشعب وتطلّعاته والسعي لتحقيقها”.
ومضى الطبوبي قائلا “نعيد ونكرّر أنّنا مع كلّ التحرّكات الاحتجاجية السلمية ضدّ التهميش والإقصاء والفساد والمفسدين، وضدّ سياسة التجويع الممنهجة الموجّهة لابتزاز المواطن عبر الزيادات العشوائية في أسعار المحروقات والكهرباء وعديد المواد والأدوية والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي اللاّشعبية، لكنّنا وبكامل الصراحة والوضوح لسنا مع توظيف ما يجري من تحرّكات احتجاجية سلمية مشروعة لتحقيق أغراض حزبية أو فئوية ضيّقة ولسنا مع أيّ تحرّك احتجاجي يتعارض مع مصالح المواطن واستحقاقاته الأساسية ومع مقتضيات القانون. مثل هذا التوظيف وهذه التحرّكات المدفوعة الأجر نرفضها ولا نقبل بها وندينها ونشهّر بها… إنّنا مع من يرفضون أن يفنوا عمرهم معطّلين عن العمل أو مهمّشين أو مُهانين أو محرومين من أبسط مقوّمات العيش الكريم. إنّنا مع مشروعية المآخذ على الحكومة وضدّ تعثّر أدائها في تلبية الاستحقاقات الموعودة على الصُّعُدِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنّنا نُعارض ما يذهب إليه البعض من تعطيل المرفق العام ومن تجاوزات للقانون ولمقتضيات الدستور ولقيم العمل ولروح الحوار والتوافق”.
وأردف “لأجل ذلك توجّهنا منذ أيّام بنداء إلى الحكومة، ونحن على مشارف شهر رمضان المعظّم لأن تتحمّل مسؤوليتها تجاه التونسيات والتونسيين في أمنهم الغذائي. فقد أضحوا اليوم رهينة إملاءات صندوق النقد الدولي السالبة للكرامة وللسيادة الوطنية والخاضعة لصولات المهرّبين والمحتكرين… كما دعوناها أي الحكومة إلى وقف التفاوض بخصوص اتّفاقية الشراكة المعمّقة مع الاتحاد الأوروبي ALECA والتشاور مع المجتمع المدني ورسم أهداف وطنية تصون مصالح تونس وتحفظ سيادتها ويكون فيها التفاوض ندّيا واعيا كفءًا… ولأجل ذلك أيضا قرّرنا المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. ليس بخوضها مباشرة بل على الطريقة التي توخّيناها على امتداد تاريخنا، عبر البرامج والرؤى… لقد باشرنا مهمّة إعداد برنامج اقتصادي واجتماعي ضمّناه رؤيتنا لما يمكن أن تكون عليه تونس الغد. أردناه مرجعا يقود منظورينا من النقابيات والنقابيين في اختيارهم لمن سوف يمثّلهم كمواطنات ومواطنين في مجلس نوّاب الشعب وفي أعلى هرم السلطة”.