الشارع المغاربي: اِعلَمْ أعزَّكَ الله أنّ وُجُود السحر في أهل السياسةِ كَثيرٌ، نطَق به التّاريخُ وجادتْ به الأخْبارُ فللسّحر في تونس أزمان الثورة أسْواقٌ نافقةٌ. واعْلم أنّ تأثيراتهم في عالم الدّكاترة المُعطّلين عن العمل يكون بمُعينٍ. فالسياسيّ المُشعوذ له عصابته وظُهَراؤُه بهم يُقارعُ الدّكاترةَ “إنّهم أعوانه على الغَلْبِ وشُركاؤُهُ في الأمر ومُساهِمُوهُ في سائرِ مُهِمّاتهِ”. ويَعودُ وبالُ ذلك على التعليم بما يُلَبَّسُ من ثيابِ الضّعفِ والعُهْرِ ورُبّما يحدُثُ أن يتخيّرَ السياسيّ المُشعوذ أنْصارًا وشيعَةً من غيْر كفاءة ممّن تعوّد التّطبيلَ والنّفاقَ فيتّخذهم أعوانًا وجُنْدًا.
يعتمد السّاسةُ الطّلسَمات والتنويم المغناطيسيّ وتجد في الوزارة الواحدة بين وزير وخليفته تخاطُرًا عجيبًا. يُحدّثونك عن الشّباب والتّشغيل فترى أنواعًا من الخيالات وصُورًا ممّا يقصِدُون يُنْزلونها إلى الحِسِّ تبحَثُ عنها فلا ترَى غير سَرابٍ اِشْرَبْ منهُ حتّى الثُّمالَةَ علّكَ تَنْسى شَقاءَكَ.
وعندما تُقابلُ السياسيّ المشعوذ أوّل عهده بالوزارة يُسمعك كلماتٍ فيها سحر فاق سحر سليمان فتراه أمامك مُوسى يَفْلق البحرَ بعصاه ويَهبُك دُرره. وبعد أربعين يوما يَزولُ السّحرُ وتكتشفُ أنّك أمام “لِيلِيث” آلهةَ الظّلام وسيّدةَ السحر الأسودِ واقفةً بجناحيْها على لبؤتيْن مُمسكة عصا الطاعة وهي عارية. أو أمام “أُمِّ العَوَام” تلك العجوز التي خرجت على أميّة بن أبي الصّلت الثّقفي ونَفَرٍ من أتباعهِ فضربت بعصاها الأرْضَ وقالتْ: “أَطيلِي إيَابَهُم وانفري ركابهم، فوثبت الإبلُ فكأنّ على ذروة كلّ بعيرٍ منها شيْطانًا.. حتّى افترقت في البوادي” وافترق الدّكاترة في كلّ أنحاء الجمهوريّة فكانوا كلّما اجتمع شملهم تفرّقوا بمجرّد أن يُثير السياسيّ المُشعوذ الرّمال بعصاه. فمنهم من مُتّع بعقود هشّة إذلا وخَضْدًا من الشّوكة حتّى يجعلوهم من المَغلوبين على أمرهم إيمانا من المشعوذين أنّ المَغلوب مُولَعٌ أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره ونِحلته وسائر أحواله وعوائده على حدّ تعبير ابن خَلدون. ومنهم من اختار عملا آخر لا علاقة له بما اختصّ به تراه وقد زادت نفقاته ولا يفي دخلُه بخَرْجه وترى الساسةَ يكثُرُ تَرفهم وتكثُرُ نفقاتهم ويحتاجُونَ إلى الزّيادة حتّى يَسُدّوا خَللَهم.
وبما أنّ الترف مُفسدٌ للخُلق مثلما ذكر ابن خلدون بما يحصُلُ في النّفس من ألوان الشّرّ والسّفسفةِ وعوائدها ينفرد السياسيّ المُشعوذ بالقرار ما استطاعَ ويتجاوز الدّكتور الأربَعين فيقصُر الأملُ ويضعُف التّناسُل والاعتمارُ لأنّ السنّ القانونيّة للوظيفة العموميّة، حماك الله من تَمَائِمِهم، على ما زَعمَ أهل القانون خَمسٌ وأربَعونَ سنةً إذا بلغها صاحب شهادة الدّكتورا قيلَ له: عظّم الله أجرك. اُكْتُب على قفا شهادتك قوله عزّ وجلّ “فإذا جاء أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعةً ولا يَسْتَقْدِمونَ” ثمّ انقَع الشّهادة في المَاءِ سَبْعًا وقُلْ ثلاثًا:”أستغفر الله العظيم اللهمّ إنّي كنتُ من الظالمِين”، واشربْ ذلك الماءَ تَقِفْ على عَجبٍ وتنْطفِئْ نارُكَ ونارُ أبيكَ وأمّكَ بإذْن الله. أو احرق الشّهادةَ بعْد تبخيرها بِذَكَر طاوُوس عاجز واكْتَحِلْ برمادها تُصبحْ بعدَ ثلاثة أيّامٍ ذا بصيرة ثاقبة وتهتدِ إلى الطريق وسيكون طريقك بحرًا تشرَبُهُ.
بعد سنوات عِجاف قدْ يَحدث أنْ تُنبئ الوزارة أصحاب شهادة الدكتورا بالفتح المُبين، فتح أبواب المناظرة في خُطط معدودات. فيُهلّل الدّكاترةُ ويصيح أحدهم: يا غُلام اِنْحَر الجزُور وأطعم الناسَ وأحضرْ صِحَافَ الذَّهَب على أخْوِنةِ الفضّة. زغردي يا أمّاه فالفرج اقترب وستَجْنينَ ثَمراتِ التّعب. ستُسْرفين وتُبذّرينَ في شراء الأدوية. هذا للدم الذي علت مراتبه انتظارا لانتدابي. وهذا للسكّريّ الّذي زادت حلاوتُه كلّما زادت مرارةُ إحساسك بالخيبة. وهذا للقلب الذي ينتفِضُ كلّ اختبار وكلّ انتظارِ نتيجةٍ تحتفِلينَ بها بُكاءً. وهذا للعُمر الّذي أفْنيْتِ سُهَادًا وأرَقا. وهذا دواء للنسيان علّك ترتاحين فقد أعْلن السّاسةُ أنّ طُرُوءَ الفشل إنّما هو بانحِلالِ القُوى المعرفيّة فإذا كانت قويّةً كانتِ الكفاءَةُ أزْيَدَ فكان المُترشّحُ في أوّليّة الترتيبِ تامَّ العلمِ كاملَ الكفاءَةِ. وإذا جاءهم وفدٌ من الفِرنجة أعْطوْهُ من عُقود الجامعات عشْرًا ومن الاستثمار في العلم أحْمالاً “وقُلْ ربّ زدني علمًا، وأنتَ أرحمُ الرّاحمينَ”.
إنّ السّاسةَ المشعوذين -رحمك الله- إذا استُدعُوا إلى الإعلام يُشيرُون إلى الدكاترة المُعطّلين بالنّعوت المُسيئَة فهم المتخاذلون الكسالى ينتظرون لقمة سهلة. وفي كلّ مقابلة تتكرّر تلك الحروف من الكلام السوء الذي تَحُوم حوله روح خبيثة تخرج مع النّفخ والنّفث فيتحتّت قلب الدكاترة وينقَلبُون عن قُلوبهم.
ويسحر الساسة المشعوذون السحاب فيُمطر وُعودًا، ونرى من طلسمات الاجتماعات والمؤتمرات العجبَ العُجاب يفتحون بها كلّ عقدة ويُبطلون كلَّ عجزٍ ويُشِيعُونَ أنّ لتلكَ المؤتمرات ثمرات من الألفة بين المُعَطّلين والسّاسة إذا عُقدت بطالع الزُّهرة وهي في بيتها ناظرةٌ إلى القمر كانت المودّةُ وكانَ القَبُولُ. أمّا إذا لم يتمّ القَبُول فعلى الدكاترة المُعطّلين أن يتحيّنوا صَلاحَ الوضع الاقتصاديّ وسلامةَ البِلاَدِ منَ النُّحُوسِ وأن تُرفع موافقةُ صُندوق النّقد الدّوليّ في خِرقةٍ حريرٍ حَمراءَ بعْدَ أنْ تُغْمَسَ في الزّعفران فتَفُوحَ رائحَتُه في الدّاخل والخارِج.
يُقدّم السّاسة المُشعوذُون قرابين بشريّة لصندوق النقد الدولي، وبما أنّ للدّم دورًا بالغ الأهميّة في طقس القرابين لخاصيّته ورمزيّته تقرّبا إلى بعض القوى يُذبح صاحب شهادة الدكتورا ذبحا حلالا مُقنّنًا. صلّ أيّها السياسيّ المشعوذ لربّك وانحر كما نحرْتَ دكتور الرياضيّات “عماد الغانمي” لأنّه وقف ضدّ أرواحكم الشرّيرة فأنزلَتْ به قواكم الخفيّة نَارًا حامية لم تكن بردا وسلاما على فلذات أكباده، وأنزلتْ على زُملائه ريحًا صَرْصَرًا رمت بهم خارج أسوار الجامعة التونسيّة.
هذه أفعال السّاسة المشعوذين. هي مأساة عايَنها الشّعب من غير رِيبَةٍ رائحة بَخور نَتن لسحر أسود. يعقدون لك العُقد وينفثُون في أُذُنيْك أنْ انتظر الفَرَجُ قادمٌ لا مَحالةَ. فيأتي الفرج للسيّد الوزير ويُستجاب دُعاؤُهُ وإذا به يركبُ شيئًا منَ الجماداتِ فيَصعَد به في الهواء كأنّما الشياطينُ تحمله. فإن رغبتَ في عودته خُذ حمامةً ودوّن في رقٍّ أسماءَ الدّكاترة المُعطّلين وأسماءَ أُمّهاتهم واربِطهُ بخيْطٍ أزْرق وأطْلِقْهُ بيدك الشِّمال من وراء ظهرك وقُلْ عند إطلاقه: هرب فلان ابن فلانة من هذا المكان فأعدهُ بحقّ هذه الأسماء. وقُل ثلاثا: “يَا أَيُّها المَلأُ أَيُّكمْ يَأْتِنِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ فَقَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ”. أمّا إذا رغبتَ عن عودتِه فاكْسِر خلفه شيئًا من الأواني أو قُم بإغلاق مُوسًى خلفه أو قُفلٍ غيرَ مُستعمَلٍ.
أبْعَد الله عنكَ شَرَّ السّاسَةِ وأبْطلَ ما كَانُوا يَعْمَلُون.
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في العدد الصادر بتاريخ 25 فيفري 2020