“السيناريو الإيطالي” يمكن أن يتكرر في كل مكان
لا احد يملك معلومات دقيقة حول كيفية ” استيطان” فيروس كورونا في شمال ايطاليا ققبل ان يزحف الى مناطق اخرى فيها فيما قد تمكن المعطيات الجغرافية والاقتصادية من المساعدة على رسم تصور لما يكون قد حدث. فشمال إيطاليا مركز اقتصادي كبير ونقطة تبادل دولي تربط العالم بمناطق الجذب السياحي الأساسية في البلاد. وبالتالي، من الممكن جدا أن يتكرر ما وقع في إيطاليا في أية منطقة مشابهة في العالم.
إضافة إلى ذلك، كان هناك سوء تقدير، وحتى غياب للتنسيق بين السلطات المركزية في روما والمراكز الصحية الإقليمية حول الأشخاص الذين يجب أن يخضعوا للكشف عن الفيروس، ما جعل الوباء يواصل انتشاره بصمت. في منتصف فيفري الماضي، ذهب رجل إيطالي مريض (38 عامًا) لاستشارة طبيبه، كما زار مستشفى محلي عدة مرات، لكن لا أحد اهتم بإخضاعه لكشف للفيروس، بدعوى أنه لم يزر الصين من قبل. “المُصاب الأول” كما أسمته الصحافة الإيطالية، نقل العدوى لعدة أشخاص قبل أن يوضع تحت الحجر الصحي، 36 ساعة بعد قراره التوجه للطبيب. السؤال هو كم من مصاب تم تجاهله، وكم من مريض لم يعلم حتى بإصابته؟ هذا الغموض يجعل الفيروس صعب الرصد، ما يدق ناقوس الخطر لدى بقية دول العالم لاتخاد الإجراءات اللازمة قبل فوات الأوان.
طبيب إيطالي يحذر دول العالم!
وخلال الايام القليلة الماضية ، اصبحت ايطاليا مركز اهتمام عالمي ، وتحدث عدد من الاطباء المباشرين لحالات اصيبت بكورونا عما يحدث فيها ، من ذلك عن مقابلة مع DW اجراها الدكتور جياكومو غراسيلي، طبيب التخدير في جامعة ميلانو، ومنسق شبكة وحدات العناية المركزة في لومباردي، دعا فيها دول العالم إلى البدء في اتخاذ إجراءات جذرية من الآن لتجنب “السيناريو الإيطالي”. وأكد أن “هناك خطر حقيقي للوصول إلى نقطة اللاعودة، لن تكون فيها الموارد كافية للجميع. حالة يكون فيها الطبيب مضطرا لإعطاء الأولوية في وحدات العناية المركزة للمرضى الذين لديهم أعلى فرصة للبقاء على قيد الحياة.”
ودعا غراسيلي دول العالم إلى توعية المواطنين بمخاطر الفيروس المستجد “بمجرد حصول الانتشار الأول، على الجميع تغيير سلوكهم وتغيير نمط حياتهم الاجتماعية. نظريا إذا بقي الجميع في المنزل لمدة ثلاثة أسابيع، فإن ذلك سيمنع من ظهور مصابين جدد”.
لغز المعدل المرتفع للوفيات في إيطاليا
سؤال يتردد باستمرار، ما سر الارتفاع “المهول” لمعدل الوافيات في إيطاليا بسبب الفيروس المستجد مقارنة مع دول أخرى؟ بهذا الصدد اعتبر البروفسور لوثر فيلير مدير معهد روبرت كوخ الألماني، أنه لا يجب التسرع في استخلاص نتائج نهائية من أرقام مؤقتة. صحيح أن عدد الوفيات وصل في إيطاليا إلى اكثر من 1200 حالة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، إلا أن متوسط الوفيات في الصين يقارب 4 %، فيما يصل في إيطاليا إلى 6%. ويتوقع فيلير أن تتقارب معدلات الوفيات عالميا على المدى المتوسط والبعيد. ويوضح مدير معهد روبرت كوخ هذا الوضع بكون الفيروس انتشر بصمت دون أن يلاحظه أحد في إيطاليا لفترة طويلة. وهذا ما يفسر ارتفاع عدد الوفيات بالمقارنة مع عدد الإصابات المعروفة.
من جهته ، أكد كريستيان دروستن، رئيس قسم الفيروسات في مستشفى شاريتيه في برلين، على أهمية عامل الوقت. ولم يستبعد أن يتكرر نفس السيناريو في بلدان أخرى. ويرى الخبراء أن السبب في تفاوت الأرقام يرتبط أيضا بالأساليب الإحصائية المتباينة المتبعة في كل بلد على حدى. فوفقا للوثر فيلير فإن ألمانيا تُحصي ضمن “موتى كورونا” كل مريض تَبُتث إصابته بالمرض ثم مات. أما في إيطاليا، ومنذ 20 من فيفري، فإن اختبارات الفيروس تُجرى على جميع المتوفين في البلاد دون استثناء. وحسب تقرير لصحيفة “تاغسشبيغل” الألمانية فإن تحليلا لعينة من 104 حالة وفاة في إيطاليا أظهرت أن الثلتين على الأقل، كانوا يعانون من مرضين على الأقل قبل الإصابة بالفيروس، وأن حتمية الوفاة كانت تنتظرهم في جميع الأحوال. وهذه الحالات لا يتم احتسابها في بلدان أخرى ضمن ضحايا فيروس كورونا.
الخلاصة هو أنه من السابق لأوانه التأكد من قوة الفيروس القاتلة ونسبة الوفيات التي يسببها. فمقاطعة هوباي الصينية، بؤرة الوباء الأولى، سجلت نسبة وفيات بلغت 4.5 % في ذروة انتشار الفيروس، وهناك افتراض أن البنية الصحية التحتية لم تكن قادرة في حينه على التعامل مع كل الحالات في نفس الوقت، وهو ما يُحيل على ما يحدث حاليا في إيطاليا.