الشارع المغاربي- منير الفلاح: في مثل هذا اليوم 25 أفريل من سنة 1998 توفي نجيب الخطّاب، وهو أحد أبرز الإعلاميين التونسيين في القرن العشرين. عمل مذيعا ومقدم برامج، بدأ بالتعليق الرياضي عندما اصطحب المنتخب التونسي إلى الأرجنتين سنة 1978 في منافسات كأس العالم لكرة القدم. صعد نجمه بعد تقديم برامج يوم الأحد المتنوعة في التلفزة التونسية وأصبح الإعلامي التونسي الأول بلا منازع. اكتشف العديد من المواهب وكان له حضور عربي متميزا.
ولد نجيب الخطّاب في أسرة متوسّطة الحال أصيلة منطقة «الرّڤبة» التي تبعد عن مركز ولاية تطاوين بعشرة كيلومترات. والده يدعى عمر ووالدته مبروكة له أخوان هما سليم وحبيب وخمس أخوات استقرّ جميعهم في حي سيسيليا بحلق الوادي ثم انتقل مع العائلة إلى حي 5 ديسمبر بالكرم الغربي. بعد دراسة لمدّة سنتين بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية 9 أفريل التحق بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار.
عرفت نجيب الخطاب عن طريق الصدفة في اروقة كلية 9 افريل سنة 1976 في المشربة كان رفقة مجموعة من طلبة قسم التاريخ وقدم لي العون باعتباري حديث العهد باروقة الادارة واعطاني فكرة عن اجواء قسم التاريخ وأهم الاساتذة العاملين فيه….كان عامها قد غادر الكلية ليشتغل بالصحافة.
سنة 1985 كان ينشط منوعة تلفزية تبث عشية الاحد مباشرة من استوديو 9..ودعاني صحبة صديقي مصطفى نقبو للحديث عن مجلتي “شاشات تونسية” التي رات النور في تلك الفترة….واثناء تقديمي أخطأ في اسمي قائلا صالح فحاولت التصحيح مذكرا اياه ان اسمي منير لكنه اعتقد اني قلت له مدير فعلق مباشرة كلنا مديرين في مشاريعنا الخاصة ثم فسح المجال لبث احدى المباريات الرياضية..فعاتبته على اصراره على الخطا ووضحت له المسالة قائلا راهو اسمي منير موش صالح اما في خصوص قولك مدير…راني مدير دار الثقافة باب العسل ومدير نوادي السينما ومدير شاشات تونسية ثلاثة في واحد…فضحك كثيرا ثم تدارك المسالة عند عودة البث وإعتذر لي وقدمني باسمي منير…. سنة 1990 تعاملت معه كثيرا بوصفي رئيس مصلحة البرامج الثقافية في قناة 7 وكان يستشيرني في خصوص الشخصيات الثقافية التي ينوي دعوتها لبرامجه …وفي تلك الفترة كان المرحوم حبيب حرار يقوم باعداد الاسئلة الخاصة بالمسابقات وحدث ان اختلف معه في مسالة مهنية فعاقبه حبيب حرار باعطائه جواب غالط عن سؤال يخص الفلاسفة اليونانيين وسطر له تحت اسم ارسطو عوض افلاطون …اثناء البث المباشر اسند الخطاب الجائزة بصفة خاطئة وجلبت له المسالة نقد الصحافة …فقرر التخلي عن حبيب حرار وطلب مني مساعدته في اعداد الاسئلة والاجوبة وقدم لي مقابل ذلك منحة مالية مهمة تفوق بكثير منحة برنامج سينما وجمهور الذي كنت اعده لقناة 7 في تلك الفترة.. في سنة 1995 كنت اتفقت مع مجموعة الحمايم البيض على تنظيم ذكرى عيد ميلاد 15 للمجموعة بدار الثقافة ابن خلدون واقترحت على نجيب الخطاب دعوتهم في منوعته بالمناسبة واقنعته بانه بمجرد تقديمهم لفقرة في التلفزة التونسية سيُرفع عن الفرقة الحصار المفروض عليها بسبب نوعية الاغاني التي اختصوا بتقديها فوافق على الفور ونسق مع المجموعة وقدمها في احلى حلة… هذا هو نجيب الخطاب كما عرفته وقبل وفاته بايام التقيته صدفة فاعلمني ان الارهاق انهكه وأن الطبيب طلب منه التوقف عن العمل وضحك وقال :”ماك تعرف الجو هوني(التلفزة) لو كان ترتاح يفكولك البلاصة…”.
الأسبوع الأخير من حياته كان متعبا إلى درجة لا توصف.وصل به الأمر إلى حدّ ملازمة الفراش ولم يعد إلى العمل إلاّ يوم الجمعة بعد الزّوال أي قبل وفاته بيوم… حيث باشر بنفسه مونتاج برنامج “السهريّة على الفضائيّة” ثم خاطب بالهاتف الفنّان المصري علي الحجّار الذي كان سينزل ضيفا على سهرته ثم طلب صور موكب دفن الفنّان الرّاحل محمد بن علي لأنّه كان ينوي بثّ فقرة خاصّة عنه. وقبل مغادرة مكتبه في مقرّ الإذاعة والتّلفزة التونسية علم باعتذار علي الحجار عن القدوم فاتّصل بصوفية صادق وأعلمها بأنّه سيقدّم لقطات من حفلها بالقبّة…وبدا يعد لبرنامج يعوض به حضور علي الحجار….وفي حدود الساعة الثامنة أحسّ بأوجاع فتمّ نقله إلى مصحّة… وإلى غاية منتصف اللّيل كانت حالته مستقرّة، ولكن بعد ذلك بساعتين أمر الأطبّاء بنقله على عجل إلى العناية المركّزة لكنّه أسلم الرّوح قبل دخولها… رحم الله الفقيد العزيز على قلوبنا جميعا.