الشارع المغاربي: قدم العميد ناجي بكوش قراءة قانونية بخصوص احداث رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني صندوق للزكاة ببلدية الجهة ضمن حساب خاص بالهبات،ليتم فتحه لدى المحاسب العمومي، مؤكّدا أنّ فتح حساب من قبل رئيس بلدية لدى بنك أو لدى البريد التونسي يعتبر من قبيل الجرائم، موضحا أنّ الجهة الوحيدة المختصة بفتح حساب مكرّر لإيداع الهبات المخصّصة لإنجاز مشاريع عمومية هو المحاسب العمومي التابع إداريا لوزير المالية ولكنه مكلّف بمالية البلدية، قائلا “وتبعا لما سبق لا يحقّ للبلدية إنشاء صندوق للزكاة أو أي صندوق آخر غير ذلك المنصوص عليه بالفصل 138 من مجلّة الجماعات”.
وعرض بكّوش في تدوينة نشرها على صفحته الرسميّة بموقع “فايسبوك” فصولا من الدستور ومن مجلة الجماعات المحلية بين من خلالها أنّه لا يحقّ للجماعات المحلّية التدخّل في الزكاة من حيث المبدأ، موضحا ” الدولة تنفرد برعاية الدين ولو أن وظيفة رعاية الدين لا تُخوّل الدولة نفسها التشريع في ممارسات العقيدة”.
ولفت بكوّش في تدوينته الى أنّ الفصل السادس من الدستور ينصّ على أنّ “الدولة راعية للدين” قائلا ” ما يعني أن الشأن الديني من مُتعلقات الدّولة دون سواها من الجماعات المحلية أو الجمعيات علما وأنه خلال مناقشة مشروع مجلة الجماعات المحلية من قبل اللّجنة البرلمانية –وكنت شاهدا على ذلك- أثيرت بإلحاح مسألة إدراج “العناية بالمساجد” ضمن اختصاص البلديات لكن اعتمادا على أحكام الفصل السادس من الدستور تم استبعاد المُقترح بقناعة ظاهرة لكل السّادة النواب الحاضرين وكان يومها عددهم كبيرا”.
وأوضح “ينصّ الفصل 138 من مجلّة الجماعات المحلّية على استثناء وحيد ومشروط لمبدأ وحدة الحساب المالي للجماعة المحلية ويتمثّل في فتح حساب يمسكه المُحاسب العمومي للجماعة المحلية لتجميع الهبات التي تُخصّص وجوبا لتمويل أو للمساهمة في تمويل مشاريع ذات مصلحة عامة”مُفسّرا ” هو عبارة عن حساب مكرر باسم البلدية”.
وتابع “يتطلب فتح الحساب تقديم طلب في الغرض لوزارة المالية بناء على مداولة مجلس الجماعة باعتبار الوزارة ساهرة على كافة المال العام. ويتمّ إعلام الوالي وأمين المال الجهوي المختصين ترابيا بالمداولة. ويتولى المحاسب العمومي بعد التشاور مع وزارة المالية فتح الحساب بعد الحصول على معرّف لذلك الحساب من الإدارة المركزبة”.
واشار الى أنّ الفصل 138 يؤكد أن الأمر يتعلّق بهبات مخصّصة وجوبا لإنجاز مشاريع عامة كرياض الأطفال أو تجهيزات رياضة أو مكتبات أو مباني ثقافية أو دور للمُسنين، موضحا “وبالتالي لا علاقة لهذا الحساب بالزكاة التي هي واجب ديني يحكم علاقة المسلم بخالقه لا يحقّ للمُشرع الوضعي (على مستوى الدولة أو الجماعة المحلّية) التدخّل فيه بأي وجه خاصة في ظلّ دولة مدنية يتعايش تحت تشريعها كل الأفراد بقطع النظر عن معتقداتهم ومذاهبهم الدينية”.
وشدّد على أنّه ” لا علاقة لهذا الحساب بحسابات المشاركة التي ينصّ عليها القانون الأساسي للميزانية والمُخول فتحها لمصالح الدولة والمؤسسات العمومية دون الجماعات المحلّية التي لم يعد لها الحقّ في اللجوء لهذه الحسابات التي يبدو أن منشور وزير الشؤون المحلية اقتبس منها القواعد التي ضبطها. وبالمناسبة يجب أن يعلم السّادة الوزراء أنّه لا يحقّ لهم التشريع بمناشير لأن المناشير جُعلت لتفسير النصّوص من قبل رئيس للإدارة قصد ضمان تأويلها بنفس الطريقة من قبل الأعوان الراجعين له…وأما تجاه الجماعات المحلّية فلا يملك أعضاء الحكومة صلاحية توجيه التعليمات أو المناشير الآمرة. فهذه من أبجديات اللّامركزية التي أرساها الدستور والتي -والحق يقال- لا يقبل بها عدد غير قليل من المسؤولين عندنا بالرّغم من كونها تمثّل شرط استدامة الديمقراطية بأسرها”.
وتابع ” كل ما يتعلّق بالجوانب المالية تحكمها أحكام قانونية تشريعية دقيقة ولا مجال للتوسّع في تأويلها أو الإضافة لها بقرارات إدارية أو باجتهادات وكلّ أموال الجماعة المحلية تودع في حساب (وعند الاقتضاء في حساب مكرر) يتصرّف فيه المحاسب العمومي أي عون الدولة التي تكلّفه بمالية البلدية” قائلا ” الاستخلاص عملية موكولة للمحاسب العمومي واستثنائيا لوكيل المقابيض تحت مسؤولية المحاسب العمومي دون غيره..وكلّ تجميع للأموال من قبل الجماعة المحلّية بغير الصّيغ المنصوص عليها بمجلّة الجماعات تعتبر من الجرائم التي يعاقب القانون من يُمارسها”.
واكّد أنّه على البلديات والسلطة المركزية “التّقيد بمقتضيات النظام المالي المنصوص عليه بهذه المجلة التي تُحيل لمجلة المحاسبة العمومية في ما لا يتعارض مع مجلّة الجماعات ومع مبدأ التدبير الحرّ. وليعلم الجميع أن مجلّة المحاسبة العمومية تُجرّم فتح الحسابات البنكية وتجرّم آمري الصرف والأعوان الذين ليس لهم صفة المحاسب ويتصرّفون في أموال عمومية أو أن يكون لهم حساب جار”.
وختم بكّوش تدوينته بالقول “إذا كان من مسؤولية السّادة الولاة والسيد وزير المالية بالخصوص الحرص الشديد على تطبيق القانون الذي يحكم المالية العمومية بكلّ مكوناتها فإنّه من وظائف مُكونات المجتمع المدني التوجّه للقضاء لإلزام الجميع باحترام القانون والمحافظة على وحدة الدولة وعلى مدنيتها. ولاشك أن القضاء الإداري سيستجيب ولا شك أن القضاء المالي سيتولّى ما يخوّله له القانون. وفي مجال العام كل من يتخلّى عن ممارسة مسؤولياته الرقابية يمكن أن يجد نفسه قيد المساءلة”.
يُشار الى أنّ احداث صندوق الزكاة المذكور اثار جدلا واسعا واتهم رئيس بلديّة الكرم العيوني بالتحايل على القانون لتمرير هذا المشروع وانتقدته بشدة رابطة حقوق الانسان التي اعترت انه يضرب مدنية الدولة .