الشارع المغاربي-نقل اماني الخديمي: اعتبر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان اليوم الإثنين 15 جوان 2020 انه كان من المفروض أن يتطرّق رئيس الحكومة الياس الفخفاخ في حواره التلفزي ليلة أمس إلى الملف الاقتصادي، معتبرا أنّه يُمثّل مركز الاهتمام قائلا “لكنّه كان شبه غائب وكانت التساؤلات عديدة على مختلف المواضيع ولكن لم يكن الموضوع الاقتصادي حاضرا او على الاقل لم يكن حاضرا بالطريقة المطلوبة” .
واضاف سعيدان في تصريح لـ”الشارع المغاربي” اليوم “نقول أننا خرجنا من ازمة كورونا ولكنها خلّفت وضعا اقتصاديا صعبا جدّا وكنا ننتظر ان تقدم لنا الحكومة كيف ستدير الوضع الاقتصادي وكيف ستعيد انعاش او انقاذ الاقتصاد التونسي”.
واعتبر أنّ انعاش الاقتصاد يتطلب تشخيص الوضع قائلا “سمعنا رقما موحدا فقط في حوار رئيس الحكومة يوم امس يتعلق بتأثير أزمة كورونا وكشف انه يتوقع تسجيل 4.3 بالمائة سلبي في نسبة النمو مما سيخلق انكماشا وهذا الرقم في الحقيقة غريب قليلا لأنه قبل أسابيع وتحديدا في حواره الأخير اكد رئيس الحكومة ان التراجع سيكون بـ 7 نقاط “.
وتابع “الـ 4.3 بالمائة هي النسبة التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي لما كنا في الفترة الاولى من الحجر الصحي الشامل فهل هذا هو حدّ التأثير أو أنّ هناك تأثير أكبر ؟ المسألة غير واضحة” مضيفا “لما يقول إنّ نسبة التراجع في حجم الاقتصاد ستكون 4.3 بالمائة وفي نفس الوقت يقول ان المداخيل الجبائية ستتراجع بـ4 مليارات دينار وبالتالي ليس هناك أي تطابق بين الرقمين لأنّ التراجع في المداخيل الجبائية بـ7 مليارات دينار يقابل تقريبا الانكماش في حجم الاقتصاد بـ 10 بالمائة فأين الحقيقة؟”.
وحول تأكيد الفخفاخ نهاية زمن الاقتراض الخارجي ، اوضح سعيدان أنّ انتهاء زمن الاقتراض من الخارج قرار مفروض على البلاد موضحا “كان من الافضل على رئيس الحكومة تقديمه بهذا الشكل لأنّ مؤشرات وظروف البلاد الآن تمنع الدولة ليس من الاقتراض والدليل أنها تقترض الآن من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وانما يمنعها من الخروج للاقتراض من السوق المالية الدولية لأنّ في هذا الخروج مجازفة كبيرة جدّا بحيث أنّنا لا نجد من يقرضنا أو من يقرضنا جزئيا أو كلّ المبلغ ولكن بشروط مجحفة قدّر هامشها تقريبا من طرف من قاموا بدراسات في هذا الميدان بين 12 و14 بالمائة ومقارنة بآخر قرض اقترضته تونس قبل الثورة سيتضاعف تقريبا بـ15 مرّة “.
وبخصوص جرايات المتقاعدين قال الخبير ” ليس للمتقاعدين أجور بل لديهم جرايات وهناك فرق كبير والجرايات ليست منّة من الدولة وإنّما هي أموال المتقاعدين ولذا أن نتكلّم عن الاجور وجرايات التقاعد في نفس الوقت هو في رأيي خطأ كبير وحتى اقتطاع يوم عمل الذي وقع وحدث ايضا على جرايات التقاعد كان بدوره خطأ كبير” .
واعتبر أنّ التحديات الكبيرة أمام الوضع الاقتصادي الآن تنقسم إلى 3 جوانب، قائلا” يتمثّل التحدي الأوّل في ألاّ تكون الدولة مخصوصة في السيولة ولا تضع نفسها في وضع حرج بحيث ألاّ تسدد مزوديها وهذا مرفوض تماما حتى ولو التجأت الدولة إلى الاقتراض الكبير من الداخل ولكن لا تجعل نفسها في وضع حرج ومحرج جدا في عدم خلاص المزودين وألاّ توفي بالتزاماتها المالية وهذا بالنسبة للدولة غير مقبول”.
وبالنسبة للتحدّي الثاني قال ” المؤسسات الاقتصادية التي كانت في امس الحاجة للسيولة بشتى انواعها واشكالها لانها وجدت نفسها أمام تحد كبير جدا وهو ان مداخيلها ورقم المعاملات تمنح القرض فجأة أو أنه يقص بشكل كبير فجأة ولكن في المقابل كانت نفقاتها موجودة وكانت الدولة تطالبها بمواصلة صرف الاجور عندما كانت في امس الحاجة للسيولة التي لم يتم توفيرها في الوقت المناسب وهناك مؤسسات اقتصادية لن تكون قادرة على اعادة الانطلاق من جديد وكان من المفروض أن نجد جوابا لهذا في حوار الفخفاخ “.
وفي ما يتعلّق بالتحدّي الثالث قال ” إنّه يخص المواطن التونسي بصفته المستهلك لأنّ الازمة حادة جدّا ولما يشتغل الاقتصاد يجب أن تجد المؤسسة الاقتصادية مستهلكا جيبو مليان ولديه قدرة شرائية وليس المستهلك الذي اقتطعنا من أجره والمهدد بالتخفيض في أجره والمهدد بالتخفيض في جراية تقاعده وما الى ذلك وليس المستهلك الذي نطالبه بالمساهمة في قرض رقاعي وطني …من شأن كلّ هذا أن يحدّ ويقلص المقدرة الشرائية للاقتصاد وهو في امس الحاجة اليها لتكون محركا ناجعا للاستهلاك ويساعد على اعادة انطلاق وانعاش الاقتصاد … منين ؟”.
وأضاف “اذا قلنا ليس هناك اشكال وليس لنا خيار ولم تعد لدينا امكانية للذهاب الى السوق المالية الدولية …يبقى الحل الداخلي وهو موجود وتمّ تقديمه في العديد من المناسبات وانا شخصيا اقترحت الآتي حلا يتضمن 4 مكونات، الاول هو أن تضع ما يسمى باستقلالية البنك المركزي لمدّة معينة من 6 اشهر الى سنة لانّه مع حدة وخطورة الوضع فان الامر اصبح لا يحتمل مع العلم أنني من أشد المدافعين عن استقلالية البنك المركزي في الظروف العادية ولكن الظروف الاستثنائية الآن ليست عادية ولا تحتمل استقلالية البنك المركزي في هذه الظروف”.
وتابع “المكون الثاني هو أن يعيد البنك المركزي شراء كل رقاع الخزينة الموجودة لدى البنوك التونسية الآن وإعادة شرائها لاعطاء ضخ سيولة كبيرة في القطاع البنكي والمالي في حدود تقريبا 7 او 8 مليارات دينار وهكذا يتفرّغ القطاع البنكي والمالي لتمويل الاقتصاد علما ان الدولة اليوم دون ميزانية “.
وواصل “المكون الثالث هو تحويل رقاع الخزينة الى دين طويل المدى تقريبا 40 سنة مع مدة امهال الـ10 سنوات حتى نخفف الضغط على ميزانية الدولة ونمكنها من الايفاء بسرعة كبيرة بكل التزاماتها المالية دفع كل مستحقات المزودين وكل مستحقات المؤسسات العمومية وكل مستحقات من لديهم فائض في الاداء على القيمة المضافة والفائض على الآداء لدى الدولة لاعادة ضخ كل هذه السيولة في الدورة الاقتصادية”.
وقال “المكون الرابع هو السماح بصفة استثنائية للدولة بأن تقترض مباشرة من البنك المركزي دون المرور عبر البنوك في حدود تقريبا 5 بالمائة من حجم ميزانية السنة الفارطة وهذا يكون كرصيد تحت تصرف الدولة لمجابهة أي اطار طارئ من حيث الالتزامات المالية او من حيث ضرورة توفير السيولة في الدولة الاقتصادية وبهذه الطريقة نستطيع تحريك عجلة الاقتصاد من جديد والتفكير في الاصلاحات العميقة التي لا مفر منها والتي هي ضرورية ونغير استرتيجية التعامل مع الاقتصاد التونسي بشكل كبير ونأخذ بعين الاعتبار الفرص الجديدة التي فرضتها جائحة كورونا”.
وشدّد سعيدان على أنّه “من حق التونسي الخوف اليوم خاصة عندما نرى عددا كبيرا من المؤسسات الاقتصادية سرّحت العمّال ووفق الوكالة التونسية للنهوض بالصناعة فان 71 بالمائة من المؤسسات الاقتصادية عازمة على التخفيض في عدد العمال والموظفين ..لذلك من الطبيعي ان يخاف المواطن على موطن شغله وعلى وضع المؤسسات العمومية ووضع المرافق العمومية وينتظر ان تسيطر الحكومة على الوضع ويكون لديها الحل والجواب وان تكون لديها استراتيجية واضحة لانقاذ هذا الاقتصاد”.
وأكّد أنّ “كل بلدان العالم معرضة لهذا الانكماش ولكن الفرق في كيفية التعامل مع الجائحة لأنّ يجب الحفاظ على قدرة الاقتصاد في اعادة الانطلاقة بعد الخروج من الجائحة وهل أنّ الاقتصاد قادر ان ينطلق من جديد وحتى لو حقق نسبة انكماش بـ10 بالمائة فان السنة القادمة سيحقق حتى أكثر من 10 بالمائة نسبة نمو او أنّه في الاثناء خسر جزء من نسيجه الاقتصادي اي جزء من المؤسسات وجزء من مواطن الشغل وحينها لن يكون قادرا على اعادة الانطلاق بنفس الطريقة”.