الشارع المغاربي – أبو يوسف: قبل شهر رمضان المبارك 2020 بأسابيع انطلقت التلفزة التونسية في بث ومضات إعلانية عن مسلسل “27” تأليف وإخراج وإنتاج يسري بوعصيدة .وقدمه المسؤولون في الوطنية حينها على انه عمل درامي متميزا وانه سيتناول للمرة الأولى موضوع مقاومة الجيش الوطني للإرهاب والانتصارات التي يحققها على أعداء الموت.
عمل فاشل بجميع المقاييس
وبانطلاق بث المسلسل في سهرات شهر الصيام وتلاحق حلقاته تبين أنه يفتقد كل مقاييس العمل الدرامي وانه مشرد بين مواضيع الإرهاب والفساد والتهريب ولو أنها تبدو منطقيا مسائل مرتبطة ببعضها البعض. ولم يكن في المسلسل أي عنصر يجعل المتابع منتبها ومتشوّقا للآتي من الحلقات حتى انتهى العمل باهتا وسجلت بذلك التلفزة التونسية نقطة سوداء في سجل أعمالها الدرامية ازدادت توسعا بمسلسل آخر ولو أنه كان أقل رداءة من مسلسل «27» ونعني “قلب الذيب” الذي قد تكون قناة الحوار التونسي دفعت نحو تسويقه إلى التلفزة التونسية حتى تزيل عن نفسها عبء دفع تكاليفه ولم تكن قادرة عليها نتيجة اقتناعها على الأرجح بأن هذا المسلسل لن يقدر على جلب الإشهار وهي الطريقة الوحيدة التي تواجه بها القنوات الخاصة تكاليف إنتاج المسلسلات وبقية الأعمال.
انتهى مسلسل «27» بكل مساوئه وهناته ولم يشد المشاهد مطلقا ولم يتم إدراجه ضمن مسابقة أفضل الأعمال الدرامية لرمضان 2020 التي نظمتها إذاعة الشباب اذ نزعت لجنة التحكيم برئاسة المخرج حمادي عرافة عنه أصلا مسمى العمل الدرامي لأنه كان خاليا من جميع مواصفاته، انتهى المسلسل وانطلق آخر قد يكون قضائيا بين مؤسّسة التلفزة التونسية و الشركة التي نفذت الإنتاج ، وهما في الاصل شركتان يبدو أنهما متفرعتان عن بعضهما البعض ، مرايا للإنتاج و يسري بوعصيدة للإنتاج .
هشام رستم يطالب ببقية مستحقاته ويهدد بالإعتصام أمام مقر التلفزة
رفضت التلفزة التونسية تسليم المنتج المنفذ بقية مستحقاته والمقدرة بأربعمائة وخمسين ألف دينار من جملة قيمة جملية لمساهمة التلفزة في انتاج المسلسل تبلغ 850 ألف دينار. وطلبت التلفزة من المنتج المنفذ إصلاح وتعديل ما سمّته بالرؤية الإخراجية للمسلسل كشرط أساسي لدفع المبلغ المتبقي. وحيال هذا الوضع وجد المنتج نفسه عاجزا عن تسديد مستحقات أغلب المساهمين في العمل ومنهم الممثلون أو فنانو الأداء كما وصفتهم التلفزة في بيان أصدرته في فترة سابقة جوابا على مطالبة الممثل هشام رستم بأن تدفع له التلفزة بقية مستحقاته مهددا بتنفيذ اعتصام أمام مقرّها في هضبة نزل الهيلتون. وقد تبرّأت التلفزة من أية مسؤولية لها في دفع مستحقات فريق المسلسل من ممثلين وتقنيين وأرجعته إلى المنتح الذي هو محمول عليه خلاص كامل فريق العمل من خلال علاقات تعاقدية لا تعلم بها التلفزة ولا دخل لها فيها.
غير أن المنتج يعتبر أن التلفزة هي التي تسببت في هذا الوضع باعتبار أنها لم تدفع له سوى أربعمائة ألف دينار من المبلغ الجملي المتعاقد بشأنه وهو 850 ألف دينار. وهذا مبلغ يبدو غير متطابق مع حجم الإنتاج الذي تجاوز ذلك بشكل كبير حسب المتخصصين في الانتاج السمعي البصري . وقد اكتفى المنتج بالمبلغ الذي اقترحته التلفزة لثقته في إيجاد تمويل آخر . وفعلا فقد تدبّر أمره من خلال مساهمات وتمويلات أخرى من بنك عمومي كبير( الشركة التونسية للبنك) وديوان البريد. إضافة إلى المساهمة اللوجيستية النوعية التي قدمتها وزارة الدفاع من خلال ما هو مبين في جينيريك المسلسل. ويقول المخرج إن تقديرات إنجاز المسلسل تناهز المليارين و 600 ألف دينار .
ويقول العارفون بالإنتاج الدرامي التلفزي إن المسلسل كان متقطع الأحداث وغير مترابط بشكل جعل المشاهدين لم يتمكنون من فهم المقصود والرسالة التي أراد المخرج إبلاغها. واستنتج كثير من هؤلاء أن المنتج قد واجه صعوبات كبيرة في إنجاز العمل ربما لعدم معرفته الجيدة بمجال إنتاج المسلسلات رغم تجربته في المجال السمعي البصري اذ أنتج عددا من الأشرطة الوثائقية وأعمالا أخرى ولكن دون بلوغ التميز.
صعوبات الإنتاج وضعف الميزانية وضعف تسيير الانتاج
ويعترف المنتج الذي هو أيضا المخرج بأن إنجاز المسلسل كان محفوفا بعراقيل عديدة ومنها انسحاب عدد من الممثلين. وكان الممثل خالد هويسة قد ذكر في تصريح لموقع صحفي إنّه لم يقبل دورا في المسلسل نتيجة ضعف العرض المالي وضعف ميزانية المسلسل المتوفرة والتي لم تتجاوز مليون دينار. وكان متوقعا أيضا ان يشارك في هذا العمل كمال التواتي ونجيب بلقاضي .
واعترف المنتج والمخرج يسري بوعصيدة بانسحاب عدد من الممثلين دون تسميتهم ممّا اضطره إلى تقمص دور رجل سياسي في المسلسل. ولكن العارفين بالإنتاج الدرامي يرجعون ذلك إلى عدم قدرة المنتج على خلاص أجر ممثل محترف ليقوم بهذا الدور، وهذا ما يؤكّد فرضية إنتاج المسلسل بميزانية ضعيفة قياسا بالمتطلبات الحقيقية لهذا العمل . وهناك من يرى أن المنتج لم يكن قادرا لانعدام تجربته على الإدارة الجيدة لهذا العمل وتسييره في مختلف مراحل الإنجاز.
اليوم تجد التلفزة التونسية نفسها أمام إشكال لم يسبق أن تعرضت لمثله على امتداد تاريخها، إضافة إلى القضية التي رفعتها قناة الحوار التونسي على التلفزة لتعمدها بث مسلسل “قلب الذيب” الذي كان موجها أصلا لقناة الحوار، وهي سابقة أيضا في تاريخ المرفق العمومي التلفزي الذي كان دوما حريصا على الحفاظ على صورته وسمعته وعدم النزول إلى مستوى “السطو” على أعمال كانت موجهة إلى غيره والتي تحمل بين ثناياها شكوكا أو شبهات من أية ناحية كانت. ويبدو أن قناة الحوار التونسي ستتخلى عن مقاضاة التلفزة وشركة إنتاج “قلب الذيب” في القضية الأصلية لعدم مصلحتها في ذلك اذ أنّ المسلسل لم يكن في المستوى المطلوب ولم يكن ليغري وكالات الإشهار ويسترجع مصاريفه على الأقل..
والأكيد أن قضية مسلسل “27” ستتطور وستعمل التلفزة على إيجاد حل مع هشام رستم في مستوى ما يسمح به القانون اذ بإمكانه طلب وضع اليد عن طريق القضاء على المبالغ التي ستدفعها التلفزة الى المنتج في صورة استجاب لشروطها في إعادة الرؤية الإخراجية للمسلسل وبذلك يقتطع منها بقية مستحقات الممثل هشام رستم والتي يجب اثباتها بالعقود ايضا.
ولكن يبدو أن قضية المسلسل لن تقتصر على وضعية الممثل القدير هشام رستم وانها هي مرشحة للتطور حيث سيكون من الصعب تجديد الرؤية الإخراجية للعمل خصوصا أن المخرج اشتكى من ظروف العمل التي منعته من إتمام تصوير كل المشاهد المبرمجة أجبره على التقليص في توقيت الحلقات فلم تتجاوز الواحدة منها نصف ساعة من الزمن . ويقول المخرج في تصريح صحفي إنه لم يتمكن من تصوير سوى ثلث العمل . . ورغم كل ما قيل فإن منتج العمل اعتبر في تصريحات صحفية أن المسلسل ناجح وأنه يفضح الدولة الموازية ولوبيات الإشهار وحسب قول يسري بوعصيدة تعرّض العمل لهجمة من اللوبي الفاسد الذي يرفض مقاومة الفساد .
بقي أنه على التلفزة ان تتحمل مسؤولياتها بعد أن قبلت السيناريو في مرحلة أولى وقبلت لاحقا العمل شكلا ومحتوى بعد انجازه وبثته كاملا كما تسلمته من المنتج المنفذ وبالتالي قد يكون ذلك قانونيا إقرارا منها بقبول العمل ولم يعد لها الحق في التعبير عن أية تحفظات . وفي جميع الأحوال يبقى القول إنه من المؤسف جدا أن يتعرض ممثل في قيمة هشام رستم وتجربته لهذه الوضعية. كما لا تفوت المناسبة دون تذكير التلفزة بأنها أيضا تتحمل مسؤوليتها كاملة عن ضعف تعاملها في رمضان 2020 مع الانتاج الدرامي خصوصا وأن المؤسسة خلت من الكفاءات في هذا المجال أو أن الإدارة الحالية وضعتها في الثلاجة وليس ذلك بغريب ما دامت الإدارة تسيّر المؤسسة بعقلية مسؤولي التجمع.