الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تواصل نسب تضخم الأسعار زحفها رغم تراجع الاستهلاك والطلب الداخلي وبداية انتشار موجة كبرى من الكساد وتقهقر حركة المعاملات التجارية. وأبرزت آخر البيانات المحينة والصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة تضخم الأسعار ناهزت أواخر جويلية 2020 نحو 5.7% ويتعلق الأمر بكل المنتجات الاستهلاكية تقريبا على غرار مجموعات مواد التغذية (4.6%) والملابس والاحذية (7.4%) والسكن والطاقة المنزلية (4.6%) وكذلك التعليم (5.8%) والصحة (8.4%) رغم اهمية هذين المرفقين الحيويين.
ويثير الارتفاع الحاد لكلفة خدمات الصحة بنسبة تتجاوز 8% نهاية الأشهر السبع الاولى من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من السنة السابقة العديد من التساؤلات ولكن الواضح ان وباء كورونا مثل فرصة ذهبية لمسديي الخدمات الصحية رفع أسعار خدماتهم بشكل عام ومن الطبيعي أن ذلك كان على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، المرضى والاصحاء، أو ما تبقى منها ان صح التعبير.
حكومة الشاهد تقدم خدمات “جليلة’ للقطاع الصحي الخاص
تتسم، عموما، الأوضاع الصحية في البلاد باهتراء المنظومة الصحية العمومية وبعدم المساواة في المحددات الاجتماعية للصحة وغياب التوازن في تقديم الخدمات الصحية وصعوبة الحصول على الأدوية الأساسية وضعف جودة الخدمات والصعوبات المالية للحصول على الخدمات الصحية واستشراء الفساد في القطاع. وتحيل هذه الوضعية شرائح هامة من المواطنين إلى اللجوء لمسديي الخدمات الصحية في القطاع الخاص الذي تضخم دوره بصفة جد لافتة على حساب المنظومة العمومية في سياق استثماري وربحي بحت بعيدا عن أي توجه لاستدامة تقديم خدمات ذات جودة وخلق قيمة اقتصادية فعلية تعود بالنفع على المجتمع ككل.
وفي مسعى خفي من رئيس الحكومة الاسبق يوسف الشاهد لخدمة القطاع الصحي الخاص وهو قطاع استثماري بحت يدر أرباحا طائلة، صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية قرار من وزيرة الصحة سنية بالشيخ مؤرخ في 18 أكتوبر 2016 ويتعلق بإلغاء الشرط العددي للسكان للحصول على المعدات الطبية الثقيلة في المؤسسات الصحية الخاصة. وبذلك أصبح القطاع الصحي الخاص يضمّ 70% من التجهيزات الطبية الثقيلة بما يساهم في استقطاب “الحرفاء” باعتبار سرعة إجراء العمليات المرتبطة بهذه المعدات رغم المضاعفات السلبية للقرار على صحة المواطنين والتبذير المنجر عنه في الموارد المالية.
وهكذا نجحت حكومة الشاهد في تضخيم عدد المعدات الطبية الثقيلة في القطاع الخاص دون مقاييس موضوعية وهو ما ألهب اسعار الخدمات الصحية سيما أن الأمر يمثل عاملا يدفع بصفة او بأخرى لتقديم خدمات لا تخضع لضرورة طبية ولا فائدة منها للمرضى وتثقل هذه الخدمات التي هي دون فائدة كاهل الصندوق الوطني للتأمين على المرض وتزيد في صعوباته المالية، كما ان التوريد غير المبرر لهذه المعدات بالعملة الاجنبية يشكل عبئا إضافيا على الميزان التجاري وعلى ميزان الدفوعات فضلا عن ان هذا القرار يزيد من تركيز المعدات الطبية الثقيلة في المدن الكبرى ويؤدي بالتالي إلى تفاقم عدم التوازن الجهوي.
الصحة العمومية…إهمال مالي مفزع
تناهز ميزانية وزارة الصحة العمومية دون اعتبار الموارد الذاتية للمؤسسات العمومية 2544 مليون دينار مما يمثل 5.4% فقط من الميزانية العامة للدولة، تصرفا وتجهيزا منها 12 مليون دينار للتوقي من فيروس “كورونا” المستجد طيلة هذه السنة أي ما يعادل نسبة 0.47% من الميزانية. وتعكس هذه النسب الضعف الفادح للتمويلات المرصودة لأحد أهم القطاعات في البلاد باعتبار شبه انعدام وزنها المالي في سياق الحفاظ على صحة 11 مليون مواطن اغلبهم خارج منظومات التغطية الصحية، من جهة والقسم الأكبر منهم يعاني الأمرين جراء اهتراء المنظومة الصحية العمومية الذي هو بصدد التفاقم من عام الى اخر، من جهة أخرى.
وتبلغ نفقات الأجور لوزارة الصحة 1990.8 مليون دينار – على موارد الدولة – مما يعني أنها تشكل نسبة 78% من الميزانية والبقية أي 553 مليون دينار، لا غير، مخصصة للبنية التحتية وللتجهيزات، بمختلف انواعها. كما تفيد معطيات الميزانية بأن مرصودات الرعاية الصحية الاساسية هي في حدود 426.4 مليون دينار في حين لا تتجاوز الاعتمادات المخصصة للخدمات الصحية الاستشفائية 952.6 مليون دينار وتلك المتعلقة بالبحث والخدمات الصحية الاستشفائية الجامعية 866.5 مليون دينار. ونسوق هذه المعطيات والأرقام الضحلة، دون ادنى تعليق.
كما أنه ورغم تطوّر ميزانيّة وزارة الصحّة خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 30.9%، فإنّ هذا المؤشّر لا يعكس الوضع الحقيقيّ في هذا القطاع الحيويّ. فالغوص أكثر في تقرير الميزانيّة التفصيليّة لهذه الوزارة، يكشف أبعاد السياسة الحكوميّة القائمة على تقليص تدخّلها ودعمها للصحّة العموميّة. ومثلت الميزانيات المخصّصة لوزارة الصحّة سنة 2019 زهاء 5.1% سنويا من إجماليّ الميزانيّة العامّة للدولة، علما أن 87% منها مخصصة لنفقات التصرّف والتسيير في حين لم تتجاوز النفقات المخصّصة للتنمية والتطوير 269 مليون دينار أي ما نسبته 13% من ميزانيّة وزارة الصحّة فقط.
يذكر أن “الاهتمام” الذي يبديه من حين لآخر بعض المسؤولين للتضخم وارتفاع الاسعار، يقتصر على الغذاء وكأنه ليس لدى التونسي أية حاجات حياتية اخرى كالصحة والنقل والمسكن والتي عملت اجيال من الإطارات الوطنية على توفيرها في حدود معقولة من حيث الجودة لكافة شرائح المجتمع طيلة عقود وذلك بالتحديد قبل 2011، رغم ضعف الامكانات.
وفي هذا السياق، شدد اليوم الجمعة 7 أوت 2020، وزير التجارة محمد المسليني على أن المواد الاستهلاكية متوفرة وعلى انه لا داعي للهفة معلنا أن جميع الأسعار في المتناول وان جهودا تبذل حتى يتم ضمان قفة معقولة للمواطن في حين انه يعلم جيدا ان ثلث التونسيين من المحتاجين والمعوزين الذين يقتاتون بالكاد .
http://www.ins.tn/sites/default/files/publication/pdf/Communiqu%C3%A9%20de%20presse_IPC_base_2015_juillet%202020.pdf?fbclid=IwAR2FNcgQauBHcF0_cRcT18m8Nxu1AWzQAvncwz_dR9bDbTbjHbAUGeDohrU
http://www.gbo.tn/index.php?option=com_docman&task=doc_view&gid=409&Itemid=124&lang=en&fbclid=IwAR2-wiRM0rO3aNvoIDZwtmnCorbRnzSM7iPAl9OXDhHCACMsowKuiSWsDTM
http://www.ins.tn/ar/themes/sant%C3%A9?fbclid=IwAR0pV8O_481Fz-8kvBuWROUFAZZPlS9SgTWJGKLrdFHna2WaNzFmbReYVoU
https://www.fes-tunisia.org/fileadmin/user_upload/documents/publications/Contenu_AR_32.pdf?fbclid=IwAR15Qjl6b51ETRvHThHkCzX7PwxVmAJMVEy19_di_YCUuWjyi1YgIWF1jdc
http://www.ins.tn/sites/default/files/publication/pdf/Communiqu%C3%A9%20de%20presse_IPC_base_2015_juillet%202020.pdf?fbclid=IwAR0Ubp-0XcC_-gd8JHY3shDwdJY6ktLukgwoiRiGO204EsTIow2vUOvxQbE