الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: لاحديث في الفترة الأخيرة سوى عن تدهور قطاع النقل بكافة فروعه وبشكل خاص شركة الخطوط التونسية التي أصبح إشهار افلاسها أو بالأحرى تفليسها من قبل دائنيها من بنوك وغيرهم مسألة وقت لا غير وذلك وفق العديد من المؤشرات المالية وتلك المتعلقة بنشاطها في ظل صمت مريب من الحكومة التي ترفض دعمها ماليا وانقاذها من ناحية وعلى وقع تواصل انهاكها من قبل عدة أطراف من الطامعين في الاستحواذ على فرع الشحن الجوي بها وهو الفرع الوحيد الذي ما زال قائما فضلا عن استمرار ضغط النقابات وجهات اخرى تعمل لفائدة “مستثمرين” يسعون لوضع اليد على ما تبقى من الشركة بثمن بخس، من ناحية أخرى.
ولتكتمل الصورة بخصوص انهيار قطاع النقل برمته تقريبا، فإن التدقيق في معطيات الميزانية المخصصة لسنة 2021 يكشف ما الت اليه أوضاعه من اهمال وتدهور ذلك ان جملة الاعتمادات التي خصصت له بعنوان السنة القادمة هي في حدود 842 مليون دينار (ما يعادل 312 مليون دولار) وهو ما لا يكفي حتى لدعم أسطول الخطوط الجوية التونسية بطائرة واحدة. كما لا تتجاوز ميزانية الاستثمار لقطاع النقل بأكمله 5.7 ملايين دينار مما يعني أن كل الميزانية تقريبا هي مخصصة للأجور والتدخلات.
وتتوزع ميزانية الوزارة حسب البرامج الى برنامج النقل البري (776 مليون دينار) وبرنامج الطيران المدني (12 مليون دينار) وبرنامج النقل البحري والموانئ (19 مليون دينار) وبرنامج القيادة والمساندة (34 مليون دينار).
وفي هذا السياق يبدو واضحا ان الوزارة لم ترصد أية اعتمادات لضخ أموال في الخزينة الفارغة للخطوط الجوية التونسية التي ناهزت نتيجتها المحاسبية الصافية 146 مليون دينار سلبي نهاية 2018 وفق تقرير وزارة المالية حول المؤسسات العمومية الصادر في ماي الفارط في حين ارتفعت ديونها الى 2700 مليون دينار مما جعل من راس مالها سلبيا بما يعادل 433 مليون دينار سلبي وهو ما يعني افلاسها قانونا وعرفا سيما ان خسائرها ما انفكت تتفاقم منذ بداية الازمة الصحية بواقع 80 مليون دينار شهريا لتصل اجمالا الى نحو 1000 مليون دينار حاليا.
غير أنه ورغم هذه الوضعية فإن “حربا” ضروسا تدور رحاها منذ مدة للاستحواذ على الفرع الوحيد من نشاط الشركة الذي حافظ نسبيا على وجوده وهو فرع الشحن الجوي. ويتصارع حاليا رجال أعمال معروفون بالتعامل في مجال الشحن الجوي وأطراف أخرى تدعمها النقابات بحجة “إنقاذ” الشركة من الاندثار فضلا عن “مستثمر” خليجي يراقب تطور الأوضاع عن كثب للانقضاض على المؤسسة في الوقت المناسب والاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من رأس مالها او راس المال برمته مثلما كان الامر في وضعية أحد البنوك “الإسلامية” المصادرة.
ويذكر ان وزير النقل واللوجستيك، معز شقشوق، كان قد أشار يوم أمس الخميس 3 ديسمبر 2020 لدى مناقشة ميزانية الوزارة الى التوجه نحو إطلاق خيارات جديدة موضحا ان الوزارة “متفائلة” بشأن وضع شركة الخطوط التونسية وأنها تؤمن بأن الوقت والخطة الاستراتيجية كفيلان بحلول لإنقاذ الشركة سيما أنها تعتبر تطوير خدمة الشحن الجوي أولوية وذلك عبر إطلاق الخطوط التونسية للشحن الجوي “كارغو” مشيرا الى وجود لوبيات والى انه لا بد من تطبيق القانون وتطوير خدمة الشحن الجوي.
كما أكد شقشوق في إطار غامض ان الوزارة ارتكبت في وقت سابق أخطاء في مجال تطوير الشحن الجوي مشيرا الى أن هذه الخدمة لن تقتصر على مطار تونس قرطاج الدولي والى انه لا بد ان تشمل مطارات اخرى على غرار مطارات صفاقس وجربة وقفصة مؤكدا ان ذلك ما يسعى إليه احد أصحاب اللزمات في ميدان الشحن الجوي منذ مدة بدعم من احد أحزاب الائتلاف الحاكم.
وكان مرصد رقابة قد أعلن حديثا وفي ذات السياق أن الخطوط الجوية التونسية على وشك الإفلاس وأنها تنشط اليوم ب3 أو 4 رحلات يومية فقط، وان لديها فقط 7 طائرات صالحة للطيران، مقابل قرابة 8000 عون واطار، بحجم اجمالي لكتلة الأجور والمصاريف القارة تقارب 40 مليون دينار شهريا. ولكن المؤسسة تحتفظ وفق تعبيره بقرابة 40 ممثلا للشركة بالخارج وتواصل صرف المنح والامتيازات وتمرير الترقيات دون مراعاة وضعها ودون احترام هيكلها التنظيمي.