الشارع المغاربي-الحبيب القيزاني: هل بدأ العدّ العكسي لحكم الإسلاميين عبر حزب العدالة والتنمية في المغرب؟ هل تنتهي معارضتهم القانون الانتخابي الجديد المعروف باسم «القاسم الانتخابي» بصدام بينهم وبين القصر وانزلاق البلاد نحو سيناريو «العشرية السوداء» التي عاشتها الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي؟ ما هو موقف القصر الملكي الحقيقي من امساك الإسلاميين بتلابيب السلطة؟ وكيف يناور هؤلاء للحفاظ على موقعهم بها؟ وهل موافقتهم على التطبيع مع إسرائيل من باب الرضوخ للأمر الواقع أم تندرج في اطار استراتيجية الانحناء أمام العاصفة في انتظار استكمال التمكين؟ مهما يكن يبدو أن المشهد السياسي في المغرب مفتوح حتى شهر نوفمبر القادم، موعد الانتخابات التشريعية الجديدة على أكثر من سيناريو قد يمثل أهمّها معركة شرسة بين القوى السياسية اليسارية والإسلامية عنوانها «ارحل» دون استبعاد مفاجأة بالنظر الى تلوّن مواقفهم للحفاظ على السلطة خصوصا أمام رفع معارضيهم شعار «من أجل 100 عام من العزلة للإسلاميين».
بعد حكم دام 10 سنوات بدأ اثر فوزه في الانتخابات التشريعية لعام 2011 (مع انطلاق موجة ما يسمىِ بـ «الربيع العربي») تشهد شعبية حزب العدالة والتنمية المغربي تراجعا ملحوظا مثلت خسارته في التصويت البرلماني على تعديل قانون الانتخابات ضربة قاصمة له يعتبر العديد من الملاحظين السياسيين في البلاد أنها أفقدت حكومة سعد الدين العثماني أغلبيتها وأن ذلك يستوجب تفعيل الفصل 103 من الدستور المتعلق بمنح حكومته الثقة أو حجبها عنها.
لا صقور ولا حمائم
شكّلت انتخابات عام 2011 التي تلت ما يسمى بـ «انتفاضة 20 فيفري» الشعبية التي شهدها المغرب على هامش هبوب رياح «الربيع العربي» على عدة بلدان عربية، فوزا لافتا لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي تسلم مقاليد تسيير شؤون البلاد وتمت المراهنة عليه لقيادة انتقال ديمقراطي بها.
وحسب الوثائق التي سبق أن كشف عنها موقع «ويكيليكس» «لم تكن وراء «استدعاء الحزب الإسلامي على عجل لادارة دفة السلطة» دعوة كرم حاتمي وانما أملته ضرورة التسريع بإطفاء «حرائق» انتفاضة 20 فيفري التي طالت مدنا وقرى نائية لم تكن أخبار الصحافة المحلية تذكرها من قبل.
لكن مهمة الإسلاميين التي ساد الاعتقاد آنذاك في أوساط الطبقة السياسية بأنها ستكون مجرد قوس سيُغلق مع الانتخابات التالية تواصلت بعد تشريعية 7 أكتوبر 2016 اثر فوزهم الساحق على خصومهم. غير أن الملك محمد السادس رفض التجديد لعبد الاله بنكيران على رأس الحكومة المنتهية ولايتها وعيّن بدله سعد الدين العثماني.
ولم يكن ذلك نتيجة تغوّل بنكيران وسطوع نجمه إعلاميا وفرضه على القصر مراجعة تنظيم مكتبه الإعلامي وانّما بسبب موقف الملك محمد السادس من الإسلاميين مثلما كشفت ذلك وثائق «ويكيليكس» يقول فيها الملك لمخاطبه توماس رايلي سفير الولايات المتحدة الامريكية آنذاك بالمغرب : «لا صقور ولا حمائم في صفوف المسلمين».
«ويكيليكس» نقل أيضا عن السفير الأمريكي قوله «ان الدافع وراء انشاء «حركة لكل الديمقراطيين» (نواة حزب الاصالة والمعاصرة) هو انشغال القصر بتزايد شعبية الإسلاميين في المجتمع الغربي عبر حزب العدالة والتنمية».
وبقطع النظر عن موقف القصر منهم يواجه الإسلاميون معارضة شرسة من نشطاء «حركة 20 فيفري» الذين يعتبرون أن «الاخوان» سرقوا منهم نضالاتهم. كما يواجه الإسلاميون معارضة من طرف «جماعة العدل والإحسان» المحظورة ومن حزب النهج الديمقراطي الماركسي ومن الأحزاب الاشتراكية المتحالفة في «فيدرالية اليسار الديمقراطي» إضافة الى فئات شعبية واسعة ناقمة على ما تعتبره سياسات لاشعبية ينتهجها حزب العدالة والتنمية.
وطيلة وجوده برئاسة الحكومة كان بنكيران يعتبر أن المعارضة الأشرس التي يواجهها حزبه تتمثل في «جهات خفية وقوى لم ترتح أبدا لوصول الإسلاميين الى الحكم». واكتفى دائما بالإشارة اليها بوصف «التماسيح» و»العفاريت» وهي نفس القوى التي كانت حكومة عبد الرحمان اليوسفي (1998 – 2002) تسميها بـ «جيوب المقاومة» قبل ان يعلن الرجل بدوره معارضته لحكومة حزب العدالة والتنمية رغم مشاركته فيها تماما مثلما هو حال أحزاب الائتلاف الحكومي التي يعتبر العديد من الملاحظين السياسيين انها «أحزاب وظيفية» من صنع النظام ومخترقة من طرفه وتم ترويضها وخصوصا منها حزب الاتحاد الاشتراكي.
يدرك الإسلاميون انه لم يسبق لحزب مغربي ان عمّر في الحكم مثل حزبهم وهذا ربما ما يفسر حرصهم على توجيه إشارات ورسائل طمأنة للقصر تضعهم – في عيون الملاحظين – في خانة «الحمائم الملتحية». وفي هذا السياق وخلافا لـ «جماعة العدل والاحسان» وغيرها من الحركات الإسلامية المتطرفة، يبايع حزب العدالة والتنمية الملك العلوي بصفته أميرا للمؤمنين وينأى بنفسه عن منازعة شرعيته الدينية وتحدّره من نسب الامام علي بن ابي طالب وفاطمة الزهراء ابنة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم).
سياسة الهروب إلى الأمام
كما يرى ملاحظون سياسيون ان الحزب وافق على كثير من السياسات التي أمليت عليه من طرف «حكومة الظل» التي يؤكدون ان المستشار الملكي فؤاد علي الهمّة يقودها من وراء الستار. ويعتبر الملاحظون ان من يسمونهم بـ «اسلاميي القصر» نجحوا في انتهاج سياسة تنسيق وتعاون مع مسؤولي الدولة والإدارة. ولعلّ هذا ما يفسّر انزلاق حكومة بنكيران الى التوقيع على اثنين من أخطر القرارات التي خلفت احتقانا كبيرا في الأوساط الشعبية يتعلق الأول بالتخفيض في ميزانية صندوق الدعم (المقاصة) والثاني بتغيير قانون التقاعد لغير صالح المستفيدين منه قبل ان يقدم خلفه سعد الدين العثماني على التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل الشيء الذي لم يزد في غضب الشارع على الإسلاميين فحسب وانما تسبّب أيضا في استقالات من الحزب.
مسايرة حزب العدالة والتنمية «رغبات القصر» لم يشفع له بالرضاء عليه تمام الرضى اذ وجد نفسه اليوم امام قانون انتخابي يرى فيه قياديون خطوة لابعاد الإسلاميين من السلطة واجبارهم على عزلة بـ 100 عام يتمناها لهم خصومهم.
واذا كان البعض يرى في موافقة الحزب على التطبيع مع إسرائيل – مع التشبث بحقوق الفلسطينيين – محاولة منه للحدّ من شظايا ما يرى فيه «انقلابا عليه» بعد تمرير قرارات وإجراءات «حكومة الظل» فإن جانبا من الملاحظين يرى في القانون الانتخابي الجديد مشكلا وليس حلاّ ولا يخفون لجوء الجناح المتشدد في الحزب الى خيارات تفتح باب صدام مع القصر قد لا تحمد عقباه ويذكّر بالصدام الذي عاشته الجزائر خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي.
ربّما يجد الإسلاميون في اعتراف الإدارة الامريكية بمغربية الصحراء عزاء يجابهون به الغاضين منهم لكن ذلك يعتبر في رأي بعض المتخصصين في الشؤون المغاربية «لغما» آخر يهدد بتفجير الوضع مع الجزائر التي تدعم جبهة البوليزاريو.
هؤلاء لا يترددون في التذكير باعتراف الروائي الإسرائيلي يعقوب كوهين في كتابه «الاستيلاء على تنغير» بوجود مخطط صهيوني لاقامة دولة امازيغية مستقلة تنطلق حدودها من ريف المغرب وصولا الى وسط الجزائر.
وبين مشكل الداخل ومشكل الخارج يبقى السؤال معلقا عما يمكن ان تخبئ الأيام للمملكة المغربية.
- نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 23 مارس 2021