الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: اصدر اول يوم امس الثلاثاء المرصد التونسي للاقتصاد دراسة تحت عنوان “تصدير التمور والتكلفة المائية للعملة الاجنبية“ اكد في اطارها انه من خلال إعادة تأهيل الواحات القديمة وانشاء واحات جديدة، شرع المخطط الرئيسي لمياه الجنوب في تقديم صنف دقلة النور على نطاق واسع، وهو صنف تم جلبه في عهد الفينيقيين الى تونس وكانت الواحات المنتجة له محل أطماع المستعمر في بداية القرن العشرين.
وبينت الدراسة ان اهم عمليات التجديد في الواحات، تجاوزت البنى التحتية الهيدروليكية، وتمثلت في اقتلاع أشجار النخيل القديمة من الأصناف الشائعة لتحل محلها دقلة النور في الأعوام -1970- 1980. وأشارت الى انه تم انشاء واحات جديدة، لزراعة هذا النوع من التمور، والى ان الهياكل الفلاحية تؤكد ان نجاح هذا الصنف هو الذي دفع السلطات العمومية الى حشد تدفقات استثمارية هامة لغرض تنمية الواحات مبرزة ان حسابات الربح والمكاسب التي تم التركيز عليها لتطوير زراعة نخيل دقلة النور كانت هي السبب بصفة خاصة لإطلاق شرارة منافسة محتدمة للاستيلاء على الأراضي منذ تسعينات القرن الماضي وبالتالي تزايد المنافسة على الموارد.
ومثلت دقلة النور محل مضاربة فلاحية تحت تأثير اقتصاد السوق، حيث حظيت بتقدير كبير في الأسواق العالمية وفي سابقة من نوعها روّجت الدولة لإنتاجها ليتّبع القطاع الخاص نفس التوجه ويتجاوزه في مرحلة لاحقة وفقا لوتيرة التوسع القانونية وخاصة غير القانونية.
ويؤكد تطور صنف دقلة النور على توجهه في مرحلة أولى نحو الصادرات اذ يمثل مصدرا مهما للدخل وخاصة للعملة الأجنبية ويباع بأكثر من ضعف سعره مقارنة بغالبية الأصناف الشائعة في السوق المحلية والدولية.
وتمثل دقلة النور اليوم 80 بالمائة من صادرات التمور التونسية. وما تزال هذه الزراعة في اوج نموها حيث ان 94 بالمائة من المزارع التي تقل اعمارها عن 5 سنوات مخصصة لأشجار نخيل دقلة النور. وفي منطقة قبلي تنتج أشجار نخيل دقلة النور التي يقدر عددها بـ 2.460 شجرة، حوالي136000 طن من دقلة النور سنويا أي ما يعادل 74.73 بالمائة من اجمالي انتاج دقلة النور في تونس عام 2016.
وعليه فان التوجه نحو انتاج دقلة النور تم على حساب 150 نوعا محليا آخر من التمور الموجودة في تونس.
ومن المؤكد حسب دراسة المرصد التونسي للاقتصاد أن الأرباح المحققة، والمحصول أيضا، هي الدافع وراء اختيار الفلاحين زراعة دقلة النور. ويعتبر متوسط انتاج دقلة النور عاليا، سواء في الواحات التقليدية او الحديثة حيث يقدر بـ 56 كلغ / للنخلة الواحدة، بينما يبلغ متوسط الإنتاج 47 كلغ بالنسبة للأصناف الأخرى.
ولكن دقلة النور أكثر قابلية للتأثر بالأخطار المناخية، وخاصة الجفاف والامطار الخريفية والمبكّرة نظرا لوقت نضجها (من منتصف أكتوبر الى منصف ديسمبر). كما انها أكثر عرضة لالتقاط الامراض مثل (البيوض)، حيث تتراجع القدرة الإنتاجية لدقلة النور في الزراعة الأحادية، بينما تنجح الأصناف التقليدية في التكيف مع البيئة وتقدم مجموعة واسعة من الخصائص الزراعية والغذائية.
وذكّر المرصد بان التوجه نحو تكثيف زراعة نخيل دقلة النور بالخصوص في جهة قبلي جاء أيضا على حساب الزراعات الواحية الأخرى، وأدى الى تغيير تقنيات الزراعة، حيث خلقت الزراعة الأحادية لتمور دقلة النور ميلا الى التخلي عن الزراعة مختلفة المستويات. وبالإضافة الى القضاء على التنوع البيولوجي فان الزراعة الأحادية لدقلة النور مسؤولة أيضا عن استنزاف التربة وخاصة القضاء على قدرتها على الحفاظ على المياه بشكل جعل التوازنات البيئية للواحات الان مهددة بشكل واضح، وعرضة للتأثر بشكل خطير، خاصة وقبل كل شيء بسبب تراجع كمية ونوعية الموارد المائية التي ولدها هذا النموذج الفلاحي.