الشارع المغاربي: اعتبر فتحي التوزري مدير ديوان رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ ان تونس دخلت في منعرج حاسم مع إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد جملة من التدابير الاستثنائية قال انه “بناها على تأويل خاص ومتوسع للفصل 80 من الدستور” مذكرا بانه تم تجميد أو تعليق عمل البرلمان و”إعفاء رئيس الحكومة الذي أعلن بعد ذلك مكرها تخليه عن منصبه” وبان “القرارات الاستثنائية المعلنة تؤدي بالضرورة إلى تجميع السلط في يد رئيس الجمهورية”.
وقال التوزري في تدوينة نشرها يوم امس الجمعة على صفحته بموقع فايسبوك “أثارت هذه التحولات ابتهاج البعض وتهليل البعض الآخر ولكنها أثارت أيضا مواقف مغايرة عبرت في مجملها عن القلق وعن التخوّفات من مضامين الإجراءات الاستثنائية المعلنة والمستندة على هذا التأويل الذي يلغي مبدأ التفريق بين السلط ويهدّد الحريات والحقوق، ويفتح الباب واسعا أمام إغراءات الحكم الفردي وطالبت أطراف عديدة محلية وخارجية بضمانات حقيقية لاحترام الدستور وسدّ المنافذ أمام التفرد بالسلطة.”
واضاف “اتخذت هذه القرارات الخطيرة سردية “الخطر الداهم” ومبرراته في سياق استفحال الأزمة السياسية والاقتصادية والصحية التي تعاني منها البلاد منذ أشهر مع تعمق القطيعة التي ما فتئت تتفاقم بين الشعب والطبقة الحاكمة…. أججت هذه الأزمة الغضب إزاء الظروف المعيشية الصعبة والوضع الاقتصادي المتردي والإدارة الكارثيّة للجائحة الصحية والسياسات الخاطئة والأداء الحكومي الهزيل. كما ساهمت هذه الأزمة في تصاعد التحرّكات الشعبية السلمية وعكست حالة الاحتقان والشعور بالضيم والظلم والإستبعاد والتهميش التي تعاني منها شرائح عديدة من المجتمع. وساهمت الأجواء المشحونة والمسمومة في تشكل وعي جمعي بانهيار الدولة وبضرورة إنقاذها.”
وتابع “يتحمّل مسؤولية هذا الوضع الاجتماعي المتأجّج المنظومة الحاكمة وخاصّة الحكومة ومن ورائها الائتلاف السياسي المساند لها الذي أسقط “حكومة إئتلافية واعدة” (حكومة إلياس الفخفاخ) واستثمر في حكومة جديدة (حكومة المشيشي) انطلقت بخصومة عميقة مع رئيس الجمهورية أربكت دواليب الدولة وعمقت الأزمة، وصم هذا الائتلاف آذانه لأشهر عديدة عن كل الدعوات المتكرّرة للابتعاد عن الحسابات الفئوية الضيقة والنظر إلى المصلحة الوطنية وتجنيب البلاد المزيد من التأزّم والاحتقان.”
واعتبر ان غياب مشروع سياسي واعد يعقلن الحياة السياسية ويحصنها بـ”الأنسنة” والأداء الكارثي للحكومة وحزامها السياسي والمتصادم مع إرادة الرئيس الراغب في إسقاط الحكومة ونسف إتلافها كان سيؤدي بالضرورة إلى ما لا تحمد عقباه.”
وذكر بالعودة للسياق الوطني في الفترة السابقة بان “هذه الإجراءات شكلت في جانب منها استجابة لدعوات عديدة للانقلاب على الشرعية أو تدخل الجيش وحتى بعودة المستعمر” مؤكدا ان “كل هذه “الخواطر” و”الدعوات المعلبة” وقع التداول فيها على مدى أسابيع عديدة، وطرحت في بلاتوات، وفي مقالات وحوارات ووقع التسويق لها على الشبكات الاجتماعية والفضاء الإعلامي.
واضاف ” كما شكلت هذه الإجراءات “منتوجا مرتقبا” مرادفا للحوار السياسي (المرفوض من الرئيس) وللدعوات العديدة الصادرة عن أحزاب ومنظمات وشخصيات وطنية دعت للحوار، ونبهت طيلة الأشهر المنقضية إلى خطورة الوضع ودعت لتحمل رئيس الجمهورية مسؤولياته في توحيد التونسيين والبحث عن حلول تقي بلادنا من الهزات من خلال إطلاق مسار سياسي يحمي البلاد من السقوط والانهيار.”
وتابع “أدارت الأطراف الرئيسية للأزمة وبالتحديد رئاسة الجمهورية والائتلاف الحاكم والحكومة صراعها بعيدا عن المشاركة الحقيقية وبأدوات مدمرة : التمترس، والغرور والإمعان في احتقار النصائح والدعوات العقلانية، والاستثمار في الأزمة والرغبة في الحسم من خلال الإقصاء والعزل.”
واعتبر ان “هذه المقاربات ادت كلها إلى “البديل المنطقي” أو “المنتوج المرتقب” الذي نعيشه اليوم…. انتشى الجمهور الواسع المنهار معنويا والمؤطر بسرديات رأي عام موجه، وفضاء سياسي مرذل وفاقد للمصداقية من هذا التغيير… استهدف هذا الجمهور جيدا في ظل هذه الأزمة ووقع الاشتغال عليه وترويضه وتهيئته وتشكيل وعيه. فهناك من استثمر في الإدارة السيئة للجائحة عن جهل أو عن وعي أو نتيجة حسابات باردة. وهناك من استثمر في تعفين المشهد السياسي. وهناك من تجند وتوظف لترذيل وتدمير هذا المشهد في غياب أفق سياسي يوحد التونسيين ويدخل النبل للدولة ويحقق أهداف الثورة ويرتقي بالدور الحضاري لبلادنا ويصون سيادتها.”
وتساءل التوزري “هل نفرح أم نحزن أم نخاف مما حصل؟ مبرزا ان هذه المشاعر صدرت ومازالت متواصلة وانها مشاعر فياضة في عديد المستويات وان في مثل هذه المنعرجات تتقلص الرؤيا، وترتبك النفوس، ويستنجد بالمشاعر لتقليص الفجوة في إعمال العقل والتفكير المعمق.”
وقال “المطلوب ليس الانتشاء بنصر وهمي” أو التشفي من “عدو الرفاهة” أو الاصطفاف الصبياني وراء “وعود معسولة” و”تطمينات ساذجة”…المطلوب سياسيا هو “اليقظة المواطنية”. في مثل هذه المنعرجات، وفي ظل تعطل وإرباك جل مؤسسات الدولة، يوشك البناء على السقوط ولذلك يجب التصرف بحذر وبيقظة والسيطرة على المشاعر وإعمال العقل.”
واضاف “المطلوب اليوم تحمل المسؤولية في حماية العقل من الانفعالات والحرب النفسية والمطلوب اليوم حماية الذكاء من “السذاجة المدمرة” التي تنتشي بالكلمات المنمقة والوعود المعسولة…المطلوب اليوم حماية العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع الذي مهدت له الثورة ولم نستكمل بناءه بعد. ..المطلوب اليوم النظر بعمق إلى الأحداث والنظر إلى الأزمة في علاقتها بدور تونس ومكانتها وبالتأثيرات الخارجية، وقدرتنا على المحافظة على سيادتنا وحسن جوارنا وبناء قدراتنا الذاتية وبقاءنا في دائرة الدول الصامدة وقدرتنا على إبقاء مسارنا السياسي التحرري المريض وإصلاح أعطابه والرفع من شأن نخبه”.
واعتبر ان “عنوان المرحلة الحالية اليقظة وأعمال العقل” مضيفا “نسير في طريق كله ضباب وغبار وصياح وعويل وتهريج وترويع وترويض.” مؤكدا ” أبطال هذه المرحلة التونسيين والتونسيات التواقين للحرية، المحبين لبلدهم والمسكونين بالمسؤولية، فرادى أو مجموعات المعلنين صراحة عن تجندهم للحياة، لخدمة البلاد لخدمة الناس لبناء فضاء اجتماعي وسياسي ومؤسساتي دامج ومشبع بالحرية وقائم على المشاركة.”