الشارع المغاربي: يقترب موعد نشر نتائج الاستشارة الوطنية يوم 20 مارس الجاري الذي يوافق تاريخ عيد الاستقلال والتي انطلقت يوم 1 جانفي. وبالمناسبة قد تنتظر فئة من المواطنين من رئيس الدولة الإعلان عن إجراءات مهمّة على ضوء تلك النتائج. ليس الأمر تكهّنا إنّما هو ترجمة للرؤية التي عرضها رئيس الدولة في خطاباته حول تلك الاستشارة. ونذكّر بما سبقها من حديث حول كونها وسيلة الشعب في التعبير عن إرادته. ثمّ ستتولّى لجنة خاصّة أخذ تلك النتائج من أجل التأليف بين اقتراحات المستجوبين لتصوغ تصوّرات لمشاريع الإصلاحات الدستورية وغيرها من الإصلاحات وذلك قبل موفّى شهر جوان حيث تطرح مخرجاتها في استفتاء شعبي يوم 25 جويلية 2022.
الاستشارة في علاقة بموعد الانتخابات التشريعية
للمفارقة لا يعرف التونسيون إلى حدّ اليوم مبدأ القانون الانتخابي الذي سيعتمد في 17 ديسمبر 2022. والحال أنّه لا يُتوقّع الشروع في صياغته قبل نهاية عمل لجنة التأليف من اقتراحات الاستشارة… وهل ستكفي الفترة المتبقية بعد استفتاء 25 جويلية كي نأخذ بعين الاعتبار رأي المستجوبين في القانون الانتخابي وقد سئلوا عنه خلال الاستشارة ؟؟؟ !!!يعني أنّ استفتاء 25 جويلية 2022 الذي سيطرح على المواطنين أسئلة من صنف نعم أو لا حول عدد من المسائل والتي من ضمنها القانون الانتخابي هو الذي سيمكننا حسب نتائجه من اعتماد الصيغة التي تحصلت على أعلى نسبة… فهل سيتمّ إعداد صيغتين تامتين حول القانون الانتخابي قابلتين للتنفيذ كي نأخذ بإحداهما بمجرّد ظهور نتائج الاستفتاء؟ أم أنّ لجنة الصياغة ستنطلق حينها في صياغة قانون انتخابي جديد؟؟؟ في كلّ الأحوال تبدو التواريخ مستحيلة بالنظر إلى ما تتطلب العمليّة الانتخابية من تنظيم يسبق يوم الاقتراع وهو عمل يحتاج عادة إلى ما لا يقلّ عن 6 أشهر…
الجمهور المستهدف من الاستشارة…
لقد اطلعت على الاستشارة الوطنية من خلال مساعدة أحد أقاربي على ملء إجاباتها واقتراحاتها وذلك طبعا بطلب منه باعتبار ما وجد فيها من صعوبات تقنية. والحقيقة أنّي كنت أنوي المشاركة فيها بدوري. غير أنّي لم أجد ما يمكن أن يكون ذا جدوى بعد الاطلاع على محتواها بالكامل، بالإضافة إلى أني كنت أتساءل عن مدى إمكانية النصيب الأكبر من المشاركين من أصحاب المستوى التعليمي المتواضع في فهم المطلوب…لقد تعمّدت التأخّر في إبداء رأيي حول الموضوع إلى النهاية وذلك حتّى لا يؤخذ مقالي على أنّه تشويش على الاستشارة الوطنية أو تآمر على توجّهات “الإصلاح” كما هو رأي البعض حولها وبشأنها… تأخرت وكنت أراقب مدى تطوّر أعداد المشاركين إلى أن لفت نظري في الفترة الأخيرة (آخر أسبوعين) أمر تمثّل في تشجيع الأطفال ممّن سنّهم فوق الخامسة عشر أن يكونوا من المشاركين فيها للإدلاء بآرائهم كـ”مواطنين” من طرف المؤسسة المشرفة على الاستشارة…
السؤال حول النظام السياسي مع أحد الخبراء في المجال
في شريط فيديو على الموقع الالكتروني للاستشارة يجيب أستاذ القانون الدستوري السيد سليم اللغماني باللهجة التونسية عن جملة أسئلة في موضوع النظام السياسي. ولكنّي سأفتح قوسا قبل نقل الجزء الذي يعنينا من كلامه. هذا القوس هو حول ما إذا وفّقنا في الانتقال بتونس إلى وضع أفضل مما كانت عليه قبل الثورة باعتمادنا نظام أقرب إلى البرلماني بما يشبه النظام السياسي للبرتغال بعدما كان رئاسي صرف؟ فهل اقتربنا من وضع البرتغاليين الاقتصادي والاجتماعي بمجرّد تشابه النظامين السياسيين بين تونس والبرتغال بعد الثورة؟ وهل ستحل الاجابة ذات النسبة الاكبر عما تقترح الاستشارة اليوم من سؤال حول النظام السياسي الذي يريده التونسيون (ممن شاركوا في الاستشارة) مشكل تونس بحيث تبعد عنها شبح الإفلاس وانهيار الصناعة والفلاحة وجلّ الميادين الاقتصادية؟؟؟ نعود إلى الأستاذ اللغماني في الجزء الأخير من كلامه حول سؤال: “شنوّة المعايير الّي يضمنو نجاح النظام السياسي؟” إذ يجيب فيقول: “ثمّا معيار ما يضمنش نجاح النظام السياسي الّي الناس الكلّ تخمّم فيه. هو يقلّك إمّا نختار نظام برلماني توّة ننجح، وإلّا نختار نظام رئاسي توّة ننجح… هذا خطأ، وهو الخطأ الّي أحنا قاعدين نعيشو فيه اليوم. …آه باش نمشيو، يلزم نمشيو لنظام بالحقّ رئاسي، وثمّة شكون يقول نرجع لنظام بالحقّ برلماني… لا. C’est pas comme ça qu’on raisonne !.. النظام الّي ينجح في دولة معينة هو الّي يعالج مشاكلها. هو النظام الّي يكون adapté للدولة هاذيكا. الّي هو يكون يجيب عن أسئلة الدولة. يعني موش ناخذ أنماط نظرية نظام برلماني ونظام رئاسي ونحاول نلصّقهم على واقع. الواقع هو الذي يُفرز النظام السياسي وليس النظام السياسي هو الذي يخلق الواقع. وبالتالي المسألة هاذي متاع التقييم للأنظمة السياسية هي ماهياش مسألة نظرية. هي مسألة عملية. مسألة سياسية”. تعقيبا على كلام الأستاذ أقول: السبب الذي حجزني شخصيّا عن المشاركة في الاستشارة هو قناعتي بأنّ النظريات المكتوبة تحتاج لأرضية واقعية لتنفيذها علما أنّ كلّ المشاكل المطروحة فيها معلومة لدى التونسيين … فليست إجاباتهم هي التي ستأتي بالحلول مهما علت نسبة المشاركة لأنّ ما تمّ اقتراحه من اختيارات في مجمل الأسئلة لا يمثّل الآليات المطلوبة للتنفيذ على أرض الواقع. بالإضافة إلى كلّ ذلك فقد أخذ الترويج للاستشارة وقتا ثمينا على حساب مسائل مصيرية على غرار المفاوضات مع البنك الدولي… وفي حين قُدّمت الاستشارة من طرف البعض على أنّها بداية حلّ للمعضلة السياسية في تونس، ظهر أنّ العكس هو ما يحدث وأنّ الغرق في حيثيات الاستشارة هو شكل من أشكال الهروب إلى الأمام وترك المناخ السياسي يزيد تعفّنا حيث دفنا رؤوسنا في مسائل هامشية.
في المحصلة النهائية…
لماذا نسأل المستجوب مثلا عن تصوّره لجودة النقل العمومي في جهته…؟ سواء كان تنقله عبر مترو أو سيارة أو رتل أو حافلة أو بتتابع عدد من تلك الوسائل أو حتّى عن طريق عربة كهربائية معلّقة بين الجبال… فهدف المواطن دائما هو أن يصل إلى كلّ الأماكن التي يقصدها بكلفة مناسبة في وضعية مريحة دون أن يتأخّر بسبب وسيلة النقل تلك. فهل يحتاج الأمر إلى استشارة حول الموضوع ؟… وما أهمّيّة ارتفاع نسبة المشاركة في هذه الاستشارة ؟ ولكن حين نتذكّر أنّ الرئيس قيس سعيّد بادر منذ الأسابيع الأولى من انطلاقها وخلال مجلس وزاري بالإشارة الى أنّ المشاركين الذين اختاروا النظام الرئاسي مقابل النظام البرلماني حول السؤال المتعلّق بالنظام السياسي مثلوا النسبة الأكبر… حين ذلك نتساءل: هل أنّه كان يمكن اعتماد نسبة المشاركة إن كانت مرتفعة بما يغني عن الاستفتاء المقرر لـ 25 جويلية 2022…؟؟؟
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 مارس 2022