الشارع المغاربي: الإخوان المسلمون في مصر سقطوا سريعًا، لأنهم كانوا أغبياء ومن خريجي السجون والأقبيّة المظلمة والعشوائيات، وهم سذّج ومتهورون وجنحوا إلى العنف بحمق وبشكل انتحاري لسذاجتهم. وكانت رقعة مصر الشاسعة معيقًا لسريّتهم وتحركهم السريع، إضافة لفقدانهم إمكانية القراءة التاريخية والجغرافية والسياسية والاجتماعية العميقة وترجمة وقراءة الواقع بوضوح، وبشكل علمي، محليّا وعربيّا وعالميّا في خط مواز لا يُهمل التقاطعات الجيوسياسية.
وهم لسذاجتهم وبلادة تفكيرهم ومحدودية بصرهم وبصيرتهم، ظنوا أن أغلب الشعب معهم وأن أغلب الشباب والمثقفين منه كان ضدّ غيرهم فقط، وأن بقية الشعب وهم السّواد الأعظم من البسطاء، كان مع من يعطيهم الزيت والسكّر والمؤونة وقراطيس اللحم والملابس الإسلامية البسيطة والوعود بحدوث أي تغيير ما… أيّ تغيير كان، بعد أن وصل بهم اليأس من فساد الحكام والسّاسة إلى حدّ القنوط ولم يعد أحد يثق في حزب ولا في وعود ولا في أحد. لا اليسار ولا اليمين ولا الوسط. مع تورّم أحزاب المُعارضة الكرتونية التي كانت ومازالت تحسب نفسها من اليسار وهي مجرّد لطخة عار ولا قيمة فعليّة لها. أو من الأحزاب الميكروسكوبيّة التي تدّعي الديمقراطيّة وهي أتفه من دم بعوضة لا يشبه لونها لون دم الشعب الذي كان يسيل ويُسفك يوميًّا ببذخ. وحصرت اهتماماتها في إمكانية المشاركة ببعض الكراسي والمناصب التافهة، وأوغلت في البعد عن الشارع والواقع. فكانت عبارة عن كارنيهات عضوية ودفاتر وشعارات جوفاء، خاوية، مزيفة، كريهة وبليدة وروابط مواقع إلكترونية خاوية ولا تزيد عن كونها كائنات شبه فضائيّة بشعة ينفر منها الشعب، ولا يريد خاصة أن تتكلم باسمه. كان الشعب يكره المعارضة المزيفة حدّ التقزز. وكان على حقّ. فالمعارضة في مصر أغلبها كانت أكثر زورًا وزيفًا وبشاعة ودناءة ولؤمًا من الحزب الحاكم السابق الذي كان دنيئًا ولئيمًا، ولكنه كان يمارس الفساد على الأقل علنًا. وبشكل واضح. والشعب المصري بطبعه، ينفر من كلّ ما هوّ غير واضح. ويراه بعينيه.
أمّا الإخوان المسلمين في تونس، فأغلبهم من خريجي الجامعات الأوروبية. وهم خبثاء ولؤماء ويتكلمون ويقرؤون بلغات عديدة، ويحللون ويتشاورون دون الرجوع إلى تنظيمات خطية واضحة، تكشفهم، بل هم عبارة عن خلايا شبه عائلية، متصاهرة، بشكل عنقودي خفي وظاهر، تعتمد الولاء من بعيد والسريّة والثقة بالشكل الهرمي، وزادهم صغر البلاد وتقارب المسافة وقلة عدد القادة تمكّنًا وفاعليّة وجدوى، وهم فضلاً عن ذلك، لا يستعجلون، و”يرقدون في الخطّ” ويعرفون تمامًا ماذا يريدون ويصبرون، ويتربصون، ويناورون حسب الوضع والظرف ويتلاءمون مع الواقع كالحشرات الأشد ضآلة وهي الأخطر والأكثر موهبة في المحافظة على البقاء وهم أساتذة كبار في الدّهاء والإيمان الأعمى بسياسة المرحلة / مرحلة التي تعلموها وشربوها من كتب وتنظيرات حسن البنا زعيمهم وأبيهم الروحي للأبد. وهم يحتالون، ويمكرون، ويراوغون باحتراف. ولن يكتفوا بتونس فقط… تونس هي الطعم الأول، للتحضير لاصطياد السمكة الأكبر. وهي الأرض.
وحين تمكّنوا من الحكم في تونس، وأمسكوا بمفاصل الوزارات ومؤسًسات الدّولة عبر تعيينات الولاء المشروط كانوا يخطّطون لتركيز المركز أوّلا في تونس، بعد سقوطه في مصر. ثمّ السّعي لاحقا لنقل غرفة عمليات المخطط القديم لحلم الخلافة العالمي، إلى مراكز موازيّة لتُصدّر من جديد إلى ليبيا شرقًا فمصر وحتى الشرق الأوسط، والجزائر غربًا، وحتى المغرب قبل تتبّع طريق طارق ابن زياد في مرحلة لاحقة من الجهة الغربية وطريق معبر الصليبيين عبر آسيا وتركيا شرقًا.
وكان ذلك سيحدث فعلا، حتى ولو بعد حين… فهذه جيناتهم السّياسية، مهما كان عرقهم، وهم لا يؤمنون بالعرق ولا بالوطن ولا الحدود، فبلال الحبشي مؤذنهم، وسليمان الفارسي راويتهم وحافظ عنعناتهم، ولا فرق بين أبيض عندهم ولا أسود ولا أصفر… كلهم حطب جيد للسواد واحتلال الكرة الأرضية وتركيعها وترهيبها وخرابها، ومحاصرة الفن والألوان والنساء خصوصًا، وضرب أسباب أي أنواع البهجة أو الزندقة، بكلّ أشكالها، بداية من الخمر وصولا للسجائر العادية وحتى اللباس والتحايا، ومقاطعة البضائع التي لا يرون ولا يشمّون فيها رائحة السّنّة والقِدم وفيافي يثرب… ويا ويل من سيمسكونه بعدها، وهو ليس في المسجد وقت صلاة الجماعة، ويا ويله ويا طول ليله، من سيجاهر بفكرة أو قولة فيها بعض الاجتهاد والعمق، أو التشبّه بالغرب الكافر.

هم ــ وحقّ الله ربّنا النّور البديع كانوا، وسيبقون هكذا…
كلّ الأحزاب السياسية الإسلامية هكذا…
لا علاقة لها بالإسلام….
ولن يخرجوا من جلدتهم… لأنّهم هكذا…وطبيعتهم هكذا ولا يمكن أن تتغيّر.
ولا إسلام إلا إذا أسلم العالم كلّه وتنقّب وتحجّب والتحى ولبس البُرنس ثمّ الجلباب. ثمّ العودة لسنّة العصا التي يُتوكأ عليها والتي لهم فيها مآرب أخرى، وللخناجر والحناجر والتعبئة والجهاد ورباط الخيل والسيوف والخلافة… حلمهم الأبدي ..
ولكن، ولأنّ الطّينة فاسدة، ولأنّ الذّباب يُغريهِ البريق ورائحة العطانة، فقد أعماهم الطّمع بما نالوا من هبات وقروض وصناديق وما غمرهم من عطايا من دول نفطيّة مشبوهة النّوايا، ودول غربيّة نواياها أكثر عطانة، وغرّهم توهّمهم بأنّهم تمركزوا فعلا، وبأنّ أقدامهم أصبحت راسخة وضاربة في رحم الأرض، بما سبق أن ثبّتوا من الإستحواذ على مراكز السّيادة والقوّة، بتعيين الموالين لهم بالمراكز الحسّاسة والمفصليّة بالمؤسّسات الماليّة والإجتماعيّة وحتى تغلغلهم في مؤسًسات نافذة وحاسمة، مثل القضاء والداخلية والتجارة والخارجيّة.
ولكن ولأنّ الله يريد بهذا البلد خيرا، فقد أعمى بصيرتهم وأجهض مُخططهم بعد عشر سنوات من التّمكّن… والسّببُ كان بسيطا وعميقا وواضحا:  وهو ما لم يفهمه الإخوان النّهضويّون في تونس. ويتلخّص في كلمتين: (سيكولوجيّة التونسي)… هذا ما لم يحسب الإخوان من جماعة النّهضة في تونس حسابه: طبيعة تركيبة التّونسي السّيكولوجيّة والرّوحيّة والنّفسيّة / أنّه قد “يرقد في الخطّ” سنوات وسنوات… ولكن حين يستشعر الخطر  والفساد ووجود من يستخفّ به ويستغلّ طيبته ويركبه وهو يضحك من غفلته ظنا منه أنّ لجامه بين يديه فإنّه يحرن ويرمي بالرّاكب والبردعة…

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 مارس 2023