الشارع المغاربي: ملف تونس أمام صندوق النقد الدولي يراوح مكانه منذ أكثر من سنتين. لماذا وما الذي يحصل وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق الخطير.
تقدّمت السلط التونسية بطلب قرض إلى صندوق النقد الدولي وكما هو معمول به مع كلّ الدول التي تتعامل مع صندوق النقد الدولي يجب أن يكون مطلب القرض مرفوقا ببرنامج إصلاحات يمكّن الدولة المعنية من الحصول على قرض صندوق النقد الدولي وعلى قروض إضافية أو مساعدات مالية من أطراف مانحة أخرى على المستوى الثنائي وعلى مستوى المؤسسات المالية الدولية الأخرى. كما يجب أن يمكّن برنامج الإصلاحات الدولة المعنية من الخروج من أزمتها الاقتصادية والمالية بحيث لن تكون في حاجة الى تمويلات أخرى من صندوق النقد الدولي بعد تنفيذ برنامج الإصلاحات.
الاتفاق المبدئي
تونس توصّلت في 15 أكتوبر 2022 بعد حوالي سنتين من النقاش التقني والمفاوضات إلى ما يسمى باتفاق على مستوى الخبراء أو اتفاق مبدئي للحصول على قرض بمبلغ 1,9 مليار دولار أو حوالي 6 مليارات دينار يصرف على ثمانية أقساط على مدى أربع سنوات وكان ذلك على أساس برنامج إصلاحات تقدمت به السلط التونسية. وقد صرّح أعضاء الوفد المفاوض الثلاثة وهم وزير الاقتصاد والتخطيط ووزيرة المالية ومحافظ البنك المركزي أن برنامج الإصلاحات الذي تم التفاوض على أساسه هو برنامج تونسي بحت وأنه اشتغل عليه حوالي 400 خبير في الإدارة التونسية وأنه نال إعجاب خبراء صندوق النقد الدولي. هذا يدل بوضوح كامل على أنه ليس هناك ما يسمى بإملاءات صندوق النقد الدولي. فلماذا يرفض رئيس الجمهورية القبول ببرنامج الإصلاحات قصد عرض الاتفاق المبدئي على أنظار الهيئة التنفيذية لصندوق النقد الدولي وتحويله عند الموافقة الى اتفاق نهائي يمكّن من صرف القسط الأول وتعبئة بقية الموارد المالية اللازمة من المصادر الأخرى؟
هل تجاوز الفريق المفاوض صلاحياته؟
يجب أن نفهم لماذا يراوح ملف تونس مكانه أمام صندوق النقد الدولي منذ سنتين بينما المعروف أن العملية برمتها لا تتجاوز عادة ثلاثة أشهر أي منذ بداية المحادثات التقنية إلى التوصل إلى اتفاق نهائي وصرف القسط الأول.
هل تجاوز الفريق المفاوض صلاحياته؟ هل تقدم الفريق المفاوض بإصلاحات لم يكن لرئيس الجمهورية أن يقبل بها وبالتالي هل ورّط الفريق المفاوض رئيس الجمهورية ببرنامج إصلاحات يعتبره غير قابل للتطبيق. أما هل أن رئيس الجمهورية وافق على برنامج الإصلاحات المقدم من طرف الفريق المفاوض ولكنه غيّر رأيه في الأثناء خوفا من تبعات إنجاز هذا البرنامج على المستوى الاجتماعي وربما السياسي أيضا؟. ملف تونس في مأزق منذ زمن تجاوز حده وأصبح يشكل خطرا كبيرا على أوضاع تونس الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية. حتى اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي انتهت يوم الأحد الفارط 16 أفريل لم تأت بالحل.
اجتماعات الربيع
في اختتام اجتماعات الربيع صرّحت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي أنه لم يبق لتونس إلا خطوة واحدة قصد تمكين صندوق النقد الدولي من عرض ملفها تونس على أنظار الهيئة التنفيذية والوصول به إلى إتفاق نهائي. هذه الخطوة هي موافقة رئيس الجمهورية على برنامج الإصلاحات والشروع في التطبيق الفعلي. فهل سيوافق رئيس الجمهورية على برنامج الإصلاحات بعد رفضه جملة وتفصيلا في عديد المناسبات وخاصة منها مناسبة إحياء ذكرى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة في 6 أفريل 2023؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال ولكن الأقرب إلى الظن أن القبول ببرنامج الإصلاحات في تركيبته الحالية غير مضمون.
يجب التذكير هنا بأن وفدا تونسيا مكونا من وزير الاقتصاد والتخطيط ومحافظ البنك المركزي شارك في اجتماعات الربيع في واشنطن من 10 إلى 16 أفريل 2023. وهناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح نذكر منها :
1 – لماذا لم تكن وزيرة المالية ضمن الوفد الذي تحوّل إلى واشنطن وهي الأولى المعنية بملف القرض؟
2 – هل وضع هدف أو أهداف لمشاركة الوفد التو نسي في اجتماعات الربيع. وإن لم يكن هناك هدف واضح من المشاركة فلماذا تحول الوفد إلى واشنطن؟ أم أن العبرة بالمشاركة كما يقال عند الفشل؟
3 – هل أدت هذه المشاركة الى نتيجة تذكر. تصريح المديرة العامة لصندوق النقد الدولي خير دليل على أنه لم يتم احراز أي تقدم يذكر.
4 – ماذا فعل الوفد التونسي المشارك على مدى سبعة أيام في واشنطن ؟ رأينا وزير الاقتصاد يقوم ببعض اللقاءات والاتصالات ولكننا لا نعلم فحواها ولا نتائجها. ولم تصلنا أية معلومة عن نشاط محافظ البنك المركزي في واشنطن على مدى سبعة أيام.
ولكن السؤال الأهم يبقى كيف يمكن اخراج الملف التونسي من المأزق الذي تردى فيه؟
إخراج الملف التونسي من المأزق
كل التحاليل تبين أنه أمام التردي الخطير للأوضاع الاقتصادية والمالية في تونس وأمام إمكانية تعثر تونس في تسديد ديونها الخارجية ليس هناك بديلا للتوصل الى اتفاق نهائي والحصول على قرض صندوق النقد الدولي. رئيس الجمهورية صرح يوم 6 أفريل بأن البديل هو أن نعوّل على أنفسنا. التعويل على النفس ضروري ومطلوب مهما كانت الظروف والتحاليل تبين أيضا أن قرض صندوق النقد الدولي لن يكون كافيا وأن تونس تحتاج الى الإصلاحات العميقة سواء تحصلت على القرض أم لم تتحصل عليه. التعويل على النفس يجب أن يفهم بالضرورة القيام بالإصلاحات في أقرب وقت ممكن حتى نجنب تونس مزيدا من الصعوبات ومخاطر التعثر في تسديد الدين الخارجي والمرور ربما الى دوامة إعادة جدولة الدين الخارجي.
الحلّ
الحل يكمن في القيام بالإصلاحات في اطار خطة شاملة لإنقاذ الاقتصاد التونسي. والقيام بالإصلاحات يكون أسهل وأرحم مع التوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.
تونس أصبحت موضوع تصريحات العديد من الأطراف ومحط اهتمام وأنظار العديد من الدول والمؤسسات المالية الدولية. هذه الموجة من الاهتمام والتصريحات يجب أن تؤدي الى نتيجة إيجابية.
لابد من الاعتراف في الاثناء بأن الموقف التونسي يبدو متصلبا وأن موقف صندوق النقد الدولي يبدو أيضا متصلبا وأن ذلك أدى بنا الى هذا المأزق.
لابد من الاعتراف أيضا أن صندوق النقد الدولي كان متساهلا أكثر بكثير على مدى العشرية الأولى بعد 14 جانفي 2011.
لماذا لم يحرك صندوق النقد الدولي ساكنا لمّا كان الدين العمومي التونسي يتفاقم بنسق جنوني من 2012 إلى 2020 وخاصة لمّا تضاعف الدين العمومي في ظرف ثلاثة سنوات 2017 – 2019؟ لماذا لم نر أية ردة فعل لما توقف النمو الاقتصادي وارتفعت البطالة وارتفع كل من التضخم المالي وعجز ميزانية الدولة وعجز ميزان الدفوعات الجارية وانخفض مخزون العملات الأجنبية وتدهورت القدرة الشرائية للمواطن وتفككت الطبقة الوسطى والتي كانت على الدوام عامل استقرار اقتصادي واجتماعي وسياسي؟
المطلوب الآن هو شيء من المرونة من الطرفين. على صندوق النقد الدولي بالتعاون مع السلط التونسية مراجعة برنامج الإصلاحات قصد إضفاء مزيد من المرونة وتحسين شروط تطبيقه مع الحفاظ قدر الإمكان على السلم الاجتماعية وبهذه المراجعة تتكون لدى رئيس الجمهورية فرصة جديدة للقبول به والمرور الى الأهم وهو القيام بالإصلاحات وإنقاذ تونس من مزيد تدهور أوضاعها الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
افتتاحية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 18 أفريل 2023