الشارع المغاربي-حاورته:عوطف البلدي: هو كاتب وقاصّ يبني عوالم مغايرة بطريقته الخاصّة لا بطريقة الأسلاف. يكتب القصة القصيرة وأدب الطفل بعمق وباقتدار. في السنوات الأخيرة لفت انتباه النقّاد ولجان إسناد الجوائز فأهّلته كتاباته للفوز بـ 4 جوائز مهمّة منها جائزة مصطفى عزوز العربية لأدب الطفل التي حازها منذ أيام عن روايته “أجنحة الياسمين” .. هو الكاتب عيسى الجابلي الذي يستلهم كتاباته وقصصه من حكّائي وحكّاءات قريته بئر الحفي.
يراه المقرّبون كاتبا جيّدا ونراه كذلك مع إضافة بعض الصفات منها صفة “الناقد اللاذع” الذي يكتب بحدّة المشرط وبحنكة الاكاديمي. ورغم تمكنه من هذا المجال إلا أنه مقلّ فيه. حول الجائزة وتجربته وكتاباته في أدب الطفل كان هذا الحوار.
ترشّحت مؤخرًا مع ما يناهز 150 مشاركًا من 20 دولة وحزت على الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل عن روايتك الأولى لليافعين «أجنحة الياسمين»، لو تحدثنا أولاً عن طقوس وأسباب كتابة تلك الرواية؟
هي رواية كتبتها لولديّ. كانا حينها في عطلة، وكانا مزعجيْن. عقدنا معاهدة يمكن أن نسمّيها «الهدوء مقابل الحكي»، أي أن يهدآ ويمارسا ألعابًا لا تثير الزوابع في المنزل مقابل تسليمهما رواية خلال أسبوع أو عشرة أيام على أقصى تقدير. لمّا جلست إلى طاولة الكتابة أحسست بأنّني في ورطة لأنّ ذهني خالٍ من أيّ فكرة. وسرعان ما خطرت في ذهني أوّل جملة. حينها تورّطت فعلاً، وأصبح الموضوع جدّيًّا. لمّا أنهيت الفصل الأوّل خرقا المعاهدة وعاد القصف على أشدّه في المنزل: صياح ومقابلات كرة قدم بالوسائد ومطاردات وخصام وهراش بالأيدي وزوابع عنيفة ما إن تهدأ حتّى تندلع من جديد. ولكنّني جعلت إنهاءها تحدّيًا شخصيًّا إلى أن انتهيت منها في مدّة وجيزة. طبعتها على الورق وسلمتها إليهما، فأقبلا عليها يقرآنها بنهم. كنت جالسًا قريبًا منهما أراقب ردود أفعالهما. بكى نبراس في موقف ما. وبعد أن انتهيا من قراءتها أثنيا على الأحداث والشخصيّات، لأنّهما كانا بطلَيْ الرواية، فقد جعلتهما بطلين وذكرتهما بالاسم فيها. احسّا بسعادة بالغة، سرعان ما انتقلت إليّ فملأت قلبي فرحًا.
إنتاج غزير وجائزة وحيدة مختصة تقريبًا في أدب الطفل إن لم نقل الأهمّ قيمة ومصداقية ولجنةً.. فيمَ تكمن قيمتها؟
قيمة الجائزة المعنوية أكثر من قيمتها الماديّة مقارنة بجوائز عربية أخرى تخصّص مئات الملايين لجوائز أدب الأطفال واليافعين، ذلك أنّها معروفة بنزاهتها العائدة إلى اللجنة المشرفة ولجنة التحكيم وطريقة التحكيم في حدّ ذاتها إذ أن اللجنة تصلها نصوص دون أسماء ولا تعلم اللجنة بالأسماء إلاّ يوم إعلان النتيجة، حتّى أنّ الأستاذة سعدية بن سالم كانت تسألني قبل الإعلان عن النتائج بعشر دقائق عن عنوان روايتي، لأنها تعرف العنوان الفائز ولكنها لا تعرف صاحبه.
الجائزة اعتراف من لجنة ما بقيمة عمل أدبيّ فنيًّا ودلاليًّا. وقد سعدت سعادة بالغة لإحساسي بنزاهة اللجنة أولاً، ولأنّني لم أكتب الرواية من أجل الجائزة ثانيًا. إذ كتبتها للولدين لإسعادهما وتخفيف الضّغط عليهما، ولم أفكّر حتّى في نشرها.
أمّا عن غزارة إنتاج أدب الأطفال، فهي مسألة إيجابيّة تعكس اهتمام النّاس بأدب الأطفال واليافعين، ولكنّها سلبيّة لأنها تعكس استسهالاً لهذا الجنس الأدبيّ وتسيّبًا وانفلاتًا في قطاع يفترض فيه أن يكون أكثر تنظيمًا وتأطيرًا. ولكن مع الأسف لدينا فكرة تسيطر على أذهان الأغلبية الساحقة من الكتاب وهي أن الكتابة للطفل مسألة سهلة، فيكفي أن تكون معلمًا أو أستاذًا أو مربّي طفولة أو حتى موظفًا في وزارة الشؤون الاجتماعية أو المرأة والأسرة لتكتب للأطفال، بل إنّ كثيرين يدخلون هذا المجال لأنّهم لم يستطيعوا أن يكتبوا للكبار أو لأنهم لم يستطيعوا أن يكونوا شيئًا يذكر، فاقتحموا هذا المجال اقتحامًا وراحوا يُمطرون الأطفال والناشئة بكوارث وجرائم في شكل «كتب» لو كانت في بلد يحترم نفسه لحاكم أصحابها جزائيًّا بتهمة الاعتداء على الطفولة.
لماذا تكتب لليافعين وماهي نظرتك للطفل؟
أكتب للأطفال واليافعين لأنني من خلال تجربتي مع ولديّ لاحظت النقص الذي تعانيه المكتبة التونسية في هذا المجال، فلو حذفنا ما أشرت إليه سابقًا وسحبناه من المكتبات لوجدنا أن عدد الكتب المقبولة أو الجيدة قليل جداً ونادر، بل إن الكتاب المتخصصين في أدب الأطفال قليلون جدًّا وإنتاجهم لا يغطّي احتياجات هذه الفئة وهي الفئة الأكثر إقبالا على القراءة. أما السبب الثاني فهو مطالعتي لمئات القصص والروايات المتنوعة منذ أن كنت طفلاً، ولا شكّ في أنّ ذلك التراكم القرائيّ قد دفعني عن وعي أو عن غيره إلى الكتابة. ولنظف إلى ذلك الأسباب الذاتية التي ذكرتها سابقًا في علاقة بطفليّ نبراس وضياء.
تعتبر الكتابة للطفل ولليافعين من أصعب الكتابات.. كيف تجاوزت هذه الصعوبات؟
فعلاً هي من أصعب الكتابات وأخطرها من حيث قدرتها على التأثير في الأطفال واليافعين سلباً أو إيجاباً. وقد كان هذا سببًا في خوفي من هذا المجال والتردد في خوضه. أقصد خوف الإحساس بالمسؤولية الجسيمة التي يواجهها كاتب يقرر الكتابة للأطفال واليافعين. نحن الكبار أغبياء، أغبياء بمعنى أننا نقرأ كل شيء يقع بين أيدينا. أمّا الأطفال واليافعون فإنهم أكثر جرأة على التخلّي عن الكتب الرديئة، فلا يجدون حرجًا في التخلي عن كتاب إذا لم تشدهم صفحاتها الأولى، ولا يتردّدون، بجرأة الأطفال، في التعبير عن آرائهم وتقييم الكتب الرديئة بوضوح لأن المجتمع لم يعلمهم النفاق والتزلّف بعد. اما نحن الكبار فلنا القدرة على الكذب والمدح المخادع والثناء الزائف لأسباب عديدة.
أما عن كيفية تغلّبي على هذه المصاعب، فقد خضت في 2018 ورشة تدريبية لمدة عام تقريبًا نظمتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ضمن برنامج دبي الدولي للكتابة، وقد أشرفت علينا خبيرة في أدب الأطفال واليافعين أعتبرها من أبرز المتخصصين العرب في هذا الجنس، هي الأستاذة وفاء ثابت المزغني. خلال الورشة التي أدارتها بحنكة صحّحت لديّ كثيرًا من المفاهيم الخاطئة وتعلّمت كيفية بناء قصة للأطفال، ودربتنا على التعامل مع النصوص والرسوم والخطوط والألوان وأنواع الشخصيات والحبكات، وأطلعتنا على تجارب عالمية في أدب الأطفال واليافعين، وما تعلمته خلال تلك الورشة يعادل شهادة أستاذية من حيث المحتوى المعرفي الذي اكتسبته.
ولم أكتف بذلك بل عثرت على ورشة للكتابة أشرفت عليها الكاتبة المتميزة ماريا دعدوش على شبكة الانترنت، أما الورشة الثالثة فقد خضتها في رمضان الفارط وأشرفت عليها الكاتبة المتميزة والمدربة ريما كردي. أكسبتني هذه الورشات الثلاث معارف ومهارات كثيرة، وتكونت لديّ القدرة على تقييم النصوص والتعامل معها بعين ناقدة لا بمجرد الاحتكام إلى العاطفة، واكتشفت أن قصصاً كثيرة تسوّق للأطفال وهي في الحقيقة جرائم في حقهم. اكتفي هنا بمثال واحد: مثل القبّرة والفيل لأبن المقفع الذي لا يغرس في الطفل سوى مبدإ «العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم» الذي يعود إلى قرون بعيدة لم يكن فيها الاحتكام إلى القانون بل إلى «القوي يأكل الضعيف» ويغرس فيه مبدأ الانتقام من الآخرين إذا أساؤوا إلينا، والتغرير بهم للإيقاع بهم، ولنا أن نقيس على هذا عديد القصص الأخرى المستلهمة من «التراث» الذي كتب أساساً للكبار.
هل ثمة شروط معيّنة لنجاح هذا النوع من الكتابات؟
ليست هناك شروط واضحة. والسبب في تقديري عائد إلى التسمية نفسها، فنحن نقول «أدب الطفل»، والحال أن الطفل أطفال، والأسلم هو الجمع لأن عالم الأطفال عالم متنوع جداً، وبالتالي فنحن لا نكتب إلى طفل بعينه، لأنهم ليسوا صناديقَ متشابهة، بل إنهم العالم الأكثر ثراء وتنوعًا واختلافًا حد التناقض أحيانًا. ومن ناحية أخرى دأب نقاد أدب الأطفال إلى تقسيمه حسب الفئات العمرية، وهو في تقديري تقسيم محدود لأنه يتعامل مع الأطفال بنظرة تسطيحية وتبسيطية، ذلك أن من الأطفال من تبدأ مراهقته في الحادية عشرة في حين يدخلها آخرون في السادسة عشرة أو حتى في العشرين، بل إن فينا من يحافظ على نزعته الطفولية حتى وهو في الأربعين أو الخمسين، والدليل على ذلك أننا في عمر متقدم نستمتع أحيانًا بسلاسلَ وأفلامًا طفولية. فكيف نقسّم الفئات العمريّة ذاك التقسيم الصارم؟
إذن كل ما سبق وغيره كثير، يحول دون وضع خطاطة ناجعة أو وصفة جاهزة ومثالية لنجاح هذا اللون من الأدب، ولكنني من خلال تجربتي أحاول أن تكون أحداث القصة مشوقة، وشخصياتها حيوية وفاعلة ولها مواقفها ورؤاها الخاصة وآراؤها في ما يحصل حولها. كما أحرص على الكتابة بلغة رفيعة تحترم ذكاء الطفل وقدرته على الفهم. أما الطفل الذي أكتب له فهو الطفل الرقميّ الذي يقيم في عالم تتبدّل «حقائقه» كلّ ثانية أو ثانيتين، طفل يقطن واقعاً معقّدا وسريعاً جداً. ثم إنه طفل الألفية الثالثة، وأعتقد أن هذا الجيل الحالي من الأطفال يعيش الواقع الأصعب على مرّ التاريخ، الأصعب من حيث تعقيده وكثرة مشاكله حتى ليشعر الأطفال أنهم يتحركون فوق أرض ملغومة بالأمراض والأوبئة والكوارث الطبيعية والمخدرات والجريمة ومساوئ العالم الرقمي وخطورتها البالغة على تفكيرهم، ثم إنني أعتبر هذا الجيل الحالي الأذكى على الإطلاق لقدرته رغم ما سبق على التأقلم وإثبات الذات، وهو ما لم نفهمه إلى حد الآن، إذ كثيراً ما نحاول أن ننتصب أوصياء عليه في لباسه وتفكيره ونظرته إلى العالم، ونحاول أن نقدم له نماذج تُحتذى، والحال أنه جيل يكفر بالنماذج مهما كان نوعها دينياً وسياسياً وثقافياً، ويسعى لهدمها لأنها لا تمثله. وهذا أكبر خطإ يقع فيه كتاب الأطفال في نظري. إذ يقدمون دومًا (مسكونين بهاجس السلطة وامتلاك المعرفة والتجربة والخبرة) نماذج جاهزة لأطفال همّهم دفنها.
وكيف تنظر لنسق تطور هذا الادب ولرموزه من الكتّاب التونسيين والعرب ؟
هناك اهتمام متزايد بأدب الأطفال في تونس والعالم العربي، وهناك تراكم لأسباب يطول شرحها منها ما هو ماديّ بما أنّ الأطفال واليافعين هم الفئة الأكثر إقبالاً على المطالعة، بما أن الكبار الذين لا يقرؤون ويريدون أن يقرأ أطفالهم ويحبوا المطالعة، وبالتالي فإن كتب الأطفال تحقق نسب مبيعات وتدرّ أرباحاً على دور النّشر، بالإضافة إلى كثرة الجوائز عربياً، والاهتمام الكبير بأدب الأطفال في الغرب. هذه الأسباب وغيرها كثير وجهت اهتمامنا بأدب الأطفال فتحقق تراكم نسبي في كتب الأطفال واليافعين، ولكن ذلك سلبي أيضاً لأن كل من هب ودب صار يكتب للأطفال، رغم أن كثيراً من الكتب هي في الحقيقة جرائم شنيعة ترتكب ضدهم.
أيّة جرائم ومن المسؤول عنها؟
نعم هناك أخطاء كثيرة تصل حد الجرائم في تقديري، فقد قرأت قصصا مصوّرة موجهة للأطفال تحتوي على عنف وقطع رؤوس وانتحار وغيرها مما لا يتلاءم مع أي طفل، ومنها على سبيل المثال قصة «عليسة» التي كتبها متفقّد عام للتربية ويدرّسها المعلمون للتلاميذ في حصة المطالعة وهم في عمر الثامنة، وهي قصة جريمة في نظري لأنها تتضمن مشهدا يصور انتحار عليسة حرقاً في نهاية القصّة، وهذه خطيئة في حق الطّفل الذي سيقترن في ذهنه معنى البطولة والرمزية التاريخية والاعتبارية بمعنى آخر سلبي هو الانتحار، ثم نتساءل في ما بعد: لماذا يقدم كثير من الأطفال على الانتحار؟
كيف تنظر الهياكل المشرفة على الثقافة لهذا القطاع ؟
تمارس الدّولة وهياكلها الثقافية من وزارات وغيرها جريمة ضد الاطفال واليافعين مع سبق الإصرار والترصّد، ذلك أنها لا تفرض أية رقابة على هذه المنشورات، ولم تفكّر في بعث هيكل رقابي تخضع كل المنشورات المقروءة والمكتوبة والمسموعة والمرئية لموافقته المسبقة قبل إصدارها رسمياً. هذا معمول به في الدول التي تحترم نفسها في الغرب مثلاً. وحتى عربياً تعتبر الإمارات أنموذجا يحتذى في هذا المجال لأنّها أسست مجلسا وطنياً لأدب الأطفال واليافعين، وكثّفت من ورشات الكتابة وطورت مسابقاتها العديدة في هذا الشأن. أما نحن فهل سمعت يوما وزيرا أو رئيسا يتحدث عن أدب الطفل واليافعين؟ أين وزيرة المرأة؟ هل ترينها في نشاط مثلاً؟ جاءت لتملأ جيوبها نقوداً وترحل. وما الذي قدمته وزيرة الثقافة غير مجالس التأديب التي تذبح بها مثقفين وشعراء وكتاباً؟ هم غير معنيين بهذا الشأن الذي أعتبره مسألة سيادية أهم من وزارة الدفاع نفسها. هل يفكر رئيس الجمهورية في مجال كهذا؟ هو يخوض معركة أخرى من أجل السميد والزيت والمقرونة ويسب ويشتم ويزمجر ولا يجيد الابتسام إلاّ لمسؤولين من خارج تونس.
هل تعتبره قطاعا منظّما أم عشوائيا أم تجاريا بالأساس؟
هو أكثر القطاعات فوضوية يغلب عليه الجانب التجاري أساساً لأن كتب الأطفال تدرّ الأرباح على حساب جودة الكتب شكلاً ومضموناً. يتعامل الكتّاب معه باستسهال سخيف، وتتعامل معه دور النشر بوصفة فرصة لمزيد تكديس الأموال على حساب الجودة.
لماذا تنفر أغلب دور النشر من هذا الأدب؟ وهل ثمة محتكرون له؟
أعتقد أن السبب الرئيس هو الكلفة لأن كتب الأطفال تحتاج أولا إلى كاتب متمرس خضع لتكوين معرفي وخاض ورشة تدريبية كي يتجنب المآزق والمنزلقات، كما تحتاج رسامين متخصصين في الرسم للأطفال، وهذا الاختصاص نادر في تونس إن لم يكن معدوماً، كما يحتاج إلى مصممين للكتب والأغلفة، ومحررين أدبيين متخصصين في أدب الأطفال، وكل ذلك يجعل من كتاب الطفل مرتفع السعر، وقصة مصورة من ثلاثين صفحة قد يبلغ سعرها 50 ديناراً أو حتى أكثر إذا ما احترمت ضوابط النشر حرفياً، لهذا السبب يقبل الناشرون عادة على صناعة كتب تافهة ورديئة لا روح فيها.
ولماذا يترفّع النقّاد عن التعاطي مع أدب الطفل واليافعين ويعتبرونه من الدرجة الثانية علما انه أنتج أعمالا عظيمة مثل ”أليس في بلاد العجائب“ و”بينوكيو” و”جزيرة الكنز”؟
النقّاد لم يلحقوا بعد بركب أدب الكبار المتسارع. تجاوزتهم الأحداث والنصوص وغلبهم التيار، فما بالك باهتمامهم بأدب الأطفال واليافعين الذي يقتضي تخصصاً لا وجود له في الجامعات التونسية إلى حد الآن (تصوري!!!)
شاركت بورشات تكوينية في أدب الطفل.. فيم تكمن أهميتها بالنسبة إليك؟
ما تعلمته في ورشات الكتابة للطفل سدّ نقصاً كبيراً في تكويني، فنحن لم نتعرض إلى هذا الجنس الأدبي مطلقا لا في المعهد ولا في الجامعة. لذلك أضاءت الورشات الطريق أمامي وعلمتني كيفية التعامل مع أدب الأطفال وخصوصياته شكلا ومضمونا. ولو أتيحت لي فرصة المشاركة في مزيد من الورشات فلن أتردد لأنني واع بمسؤوليتي تجاه الأطفال، وأكتب كي أسدّ فراغاً وأمنع ما فيه من كوارث، ولست مستعداً لأن أرتكب كوارث في حق أطفال تونس وبناتها.
ثمّة خلط أو ربّما جهل متعلّق بأدب الطفل والناشئة واليافعين.. كيف نعالج هذا الخلط؟
هو جهل. ناتج عن ذهنية كارثية لدى المبدع العربي عموماً، وهي ادعاء امتلاك المعرفة. يتصور أنه يعرف كل شيء، فهو قادر على الكتابة وبناء الجسور وتعبيد الطرقات وقيادة الطائرة وطبخ المقرونة الإيطالية والتجارة وزراعة الأسماك في أحواض.. إنه محيط بكل شيء، ولذلك كلما لمته على استسهاله جنساً أدبياً بادرك بالقول ساخراً: «هذا سهل. هذا بسيط». هذا الجهل النرجسي المقيت هو الذي يمنعه من البحث على شبكة الأنترنيت عن ورشة تدريبية أو مقال أو حتى قراءة قصة بالفرنسية أو الأنقليزية ليجمع منسوبا قرائيا محترما يمكنه من الكتابة بأقل أخطاء للأطفال واليافعين. وهي إعاقة مستديمة لا ينجو منها إلاّ الذين يتعاملون مع هذا الجنس الأدبي بذهنية احترافية وعقل مسؤول.
خضت تجربة الكتابة للكبار ولليافعين ما الفرق بينهما؟
كلاهما لعب. ولكن اللعب مع الكبار أسهل بكثير من اللعب مع الصغار. الصغار أخطر وأسمى وأرفع وأذكى بمراحل وأشواط مما نتصور. هم أذكى منا بكل المقاييس. اتحدّث عن الأطفال الرقميين في زمن المعرفة المفتوحة. لقد مكنتهم الأجهزة الرقمية من كسر أحادية المعرفة التي تأتي من الوالدين والأستاذ والمعلم سابقا. وتمكنوا من أدوات المعرفة، فحطموا كل النماذج وراحو يبنون أنفسهم بأنفسهم. هذا ما لم يفهمه سياسيونا البؤساء الذين ما زالوا مقيمين في حقبة الزعيم القائد الذي يملي على الشباب اختياراته ليتبعوه ويصبحوا «أنصاره». الأجيال الحالية لا قادة لها، لا زعيم لها، لا تيار لها. إنهم ليسوا أنصار أحد سوى أنفسهم أي أنصار قناعاتهم وأفكاره التي بنَوْا.
نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 جوان 2023