الشارع المغاربي: ندد المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين اليوم الاثنين 23 سبتمبر 2024 بما جاء في مشروع تنقيح القانون الانتخابي معتبرا ذلك ” محاولة لتوريط مؤسسات القضاء العدلي بتكليفه بمهمات خارج اختصاصه واستهداف واضح ومقصود لكل من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات بسحب الاختصاصات الأصلية والتقليدية الموكولة إليهما دون أي موجب رغم ما برهنتا عليه من حياد وكفاءة خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة ومنها الاستحقاق الرئاسي لسنة 2019″ مذكرا بان ذلك ما شهد به الجميع داخل تونس وخارجها.
وطالب المكتب في بيان صادر عنه نشرته الجمعية على صفحتها بموقع فايسبوك السلطة السياسية بسحب مشروع القانون داعيا أعضاء مجلس نواب الشعب لـ”التصدي له وعدم المصادقة عليه لمخالفته مبادئ دولة القانون ومبادئ الديمقراطية وأسس النظام الجمهوري ومساسه الفادح بالاختصاصات الأصلية والتقليدية الموكولة لكل من القضاء الإداري والقضاء المالي ولما له من تداعيات خطيرة على سلامة المسار الانتخابي وعلى موقع القضاء وهيبته وفاعليته في دولة القانون كحكم محايد في فض النزاعات بالطرق السلمية بين الفرقاء وفي إقرار السلم المجتمعي.”
كما دعا كافة مكونات المجتمع إلى” اليقظة والتنبه إلى خطورة مشروع تنقيح القانون الانتخابي المعروض على مجلس نواب الشعب وتداعياته والعمل بكافة الوسائل السلمية والمشروعة للتصدي له والحيلولة دون تمريره والمصادقة عليه. ”
وشدّد على أن” مقترح التنقيح يمثل تدخلا فادحا في سير عمل القضاء وتلاعبا باختصاصاته” وعلى انه “لا يمكن أن يكون على علاقة بضمان سلامة المناخ الانتخابي وحمايته من المنزلقات والمخاطر مثلما ورد بوثيقة شرح أسبابه وإنما سيؤدي حتما إلى التشكيك في المسار الانتخابي وفي شرعيته ونزاهته وشفافيته وفي نتائجه.”
ونبّه إلى “أن خطورة هذه المبادرة التشريعية تكمن في التأسيس مستقبلا للتدخل التشريعي لإلغاء أحكام القضاء للأقضية الثلاثة والتحلل من تنفيذها كلما لم توافق أغراض السلطة السياسية” والى ان ذلك “يفتح الباب على مصراعيه للاعتباط والتعسف ويزيد في تقويض أسس دولة القانون التي تقوم على التزام الدولة بتنفيذ أحكام القضاء لتلزم كل المؤسسات وكل الأفراد بها وبعلوية القانون الذي تفصل فيه المحاكم عند النزاع بالنطق بالأحكام وليس بالتدخل التشريعي من السلطة السياسية.”
واعرب عن ادانته الشديدة ” ما ورد بوثيقة شرح الأسباب المرافقة لمقترح تنقيح القانون الانتخابي من اتهامات مغلوطة وعارية عن الصحة موجهة إلى قضاة المحكمة الإدارية بخرق مبدأ الحياد وواجب التحفظ والافصاح عن قرارات مستقبلية في اتجاه معين قبل التعهد أصلا بأية قضية” معبرا عن” دهشته من التجاء أصحاب المبادرة التشريعية لأسلوب التشويه وتزييف الواقع من أجل التسويق لمبادرتهم.”
واوضح ان “ما قامت به المحكمة الإدارية بعد اصدار قراراتها في طعون الترشحات للانتخابات الرئاسية بنشر تلك القرارات وما ترتب عليها من شرح ومن بلاغات إعلامية إنما يندرج في إطار الإعلام القضائي والممارسات الفضلى للشفافية التي استقر عليها عمل المحكمة بتوضيح كل ما يتطلب التوضيح في أعمالها للرأي العام خاصة بشأن استحقاق وطني بمثل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي درءا لكل التباسات” مؤكدا أن ذلك” يدخل ضمن واجبها إزاء الرأي العام في دولة القانون والنظام الديمقراطي ولا يمس بأي شكل من الأشكال من حيادها بل يقوي الثقة العامة في القضاء وفي نزاهة أعماله.”
وبيّن أن” التوجه نحو سحب الاختصاصات المعقودة أصلا لكل من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات واسنادها إلى القضاء العدلي يأتي بعد أن عمدت السلطة السياسية إلى رفع كل الضمانات المؤسساتية على القضاة العدليين بحل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي وإعفاء 57 قاضيا وقاضية وتجميد أعمال المجلس المؤقت للقضاء العدلي وفي ظرف استأثرت فيه وزارة العدل بإدارة المسارات المهنية للقضاة العدليين باستعمال آلية مذكرات العمل يوميا بشكل تعسفي وانتقامي في النقل المكثفة وتشكيل الدوائر وتوزيع العمل داخل المحاكم في استهداف وترهيب للقضاء العدلي مما سيؤدي في كثير من الحالات إلى خضوعه لإرادة السلطة التنفيذية وإلى تحكمها فيه وفي قراراته وأحكامه وتوجيهها حسب برامجها وأهدافها السياسية واستغلال جميع ذلك للتأثير في المسار الانتخابي وفي الرقابة عليه وفي نتائجه.”
وابرز المكتب التنفذي أن” التعلل بضمان وحدة الإطار القضائي الذي يتعهد بالنظر والبت في النزاعات الانتخابية للتسويق للمبادرة التشريعية لا يُخفي الغاية الحقيقية منها نظرا إلى الاختلاف في الاختصاصات الموكولة لكل من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات اختلافا جوهريا وعدم وجود أي ترابط بينها يبرر اسنادها لجهة قضائية واحدة فضلا على عدم وجود أي علاقة للقضاء العدلي بالنزاعات الانتخابية يبرر سحبها من القضاء الإداري المختص بحكم طبيعته بالنظر في النزاعات الانتخابية ومن القضاء المالي المختص بحكم تكوين قضاته في النظر في تمويل الحملات الانتخابية واسنادها إليه.”
واعتبر أن” المبادرة إنما تهدف إلى إلغاء أية نجاعة للرقابة القضائية على نزاعات الترشح ونزاعات النتائج وعلى تمويل الحملات الانتخابية بسحبها من الجهات القضائية المختصة فيها طبيعيا ومن القضاة المختصين والمشهود بكفاءتهم فيها واسنادها لقضاة غير مختصين “وانها “ترمي بالنتيجة لتوظيف القضاء العدلي لأهداف وتوجهات السلطة السياسية.”
وذكر بان من أهم المبادئ التي تحكم القانون الانتخابي وتسيّره مبدأ الاستقرار وبانه يقتضي عدم المساس بقواعد تطبيقه إلا لمصلحة عليا أو لحاجة ملحة تقتضيها الضرورة وأن يكون ذلك وجوبا بعيدا عن المواعيد الانتخابية بمدة لا تقل، طبق المعايير الدولية، عن عام كامل ضمانا للمساواة بين حقوق المترشحين وواجباتهم وعدم التأثير على إرادة الناخبين أو المساس بحرية اختيارهم.
يشار الى ان حوالي 34 نائبا كانوا قد اودعوا يوم 20 سبتمبر الجاري بمكتب البرلمان مشروعا لتنقيح القانون الانتخابي الصادر سنة 2014 يهدف بالخصوص الى تحويل اختصاص القضاء الاداري في النزاعات الانتخابية الى القضاء العدلي.
وتفاعل مكتب البرلمان بسرعة مع هذه المبادرة خاصة ان النواب ارفقوها بطلب استعجال النظر وقرر احالتها على لجنة التشريع العام التي ستعقد اليوم جلسة للنظر فيها.