الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: من حين لآخر تتواتر تحركات عمال الحضائر واغلبهم يعيشون وضعيات اجتماعية هشة في سياق تشغيلي منعدم القيمة المضافة، عموما. وتتزامن هذه التحركات بالخصوص مع مسارات توتر علاقة الحكومة بالاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعمل باستمرار على الضغط عبر هذا الملف رغم علمه الدقيق بأن الوضعية برمتها ترتبط بوظائف وهمية وجدت أساسا منذ مدة سيما انطلاقا من سنة 2011 لامتصاص الاحتقان الاجتماعي الناتج عن البطالة في جل الجهات والتي يبدو أنها تتجه نحو التحول إلى ظاهرة هيكلية ومتجذرة في تونس.
وينفّذ ابتداء من اليوم الثلاثاء 2 جوان 2020 عمال الحضائر بمختلف القطاعات تحركات على المستوى الوطني للمطالبة، حسب تقديرهم، بتسوية وضعياتعهم تسوية نهائية والقطع مع كافة أشكال التشغيل الهش وتطبيق محضر اتفاق الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل الموقع بتاريخ 28 ديسمبر 2018 حول هذا الملف.
ويؤكد أعضاء تنسيقيات عمال الحضائر أن التحركات ستكون مفتوحة ولوّح بعضهم بإمكانية “تدويل” المسألة، مبرزين انه سيتم مغادرة المؤسسات وتنظيم مسيرات تجوب مختلف شوارع البلاد بمختلف الجهات وانها ستنتهي بوقفات احتجاجية، إضافة إلى الدخول في تحركات دورية يومية بكافة المعتمديات والولايات، إلى حين التسوية النهائية لوضعياتهم.كما يعتبر ممثلو العمال أن جلسات التفاوض بين الإتحاد العام التونسي للشغل والحكومة للبحث في بعض الملفات الاجتماعية، فاشلة بكل المقاييس، ولم ترتق لتطلعات عمال الحضائر باعتبار انه لم يتم التطرق لملف التشغيل الهش بالجدية المطلوبة، وانه لم يقع البحث في سبل التسوية العادلة والقانونية لجميع المباشرين قبل وبعد 2011.
وتتواصل احتجاجات عمال الحضائر بشكل حاد منذ عدة سنوات غير انها اتخذت طابعا تصاعديا مع نهاية العام الماضي، عندما قام يوم 2 ديسمبر 2019 عمال عدد من البلديات والمؤسسات العمومية بتعليق نشاطهم فيها وغلق البعض منها خصوصا في ولايات قفصة والقيروان وسيدي بوزيد. واندرجت هذه الاحتجاجات عقب ما شهدت معتمدية جلمة من ولاية سيدي بوزيد من تحركات تطورت إلى مواجهات مع قوات الأمن بعد غلق المحتجين الطريق تبعا لحادثة انتحار الشاب عبد الوهاب الحبلاني وهو عامل حضائر يطالب أسوة بزملائه بتسوية وضعيته وترسيمه.
ونفذ قبلها وبالتحديد في منتصف شهر نوفمبر المنقضي عمال حضائر اعتصاما في محيط القصر الرئاسي بقرطاج دام عدة أيام وهددوا بالانتحار. وعمت آنذاك حالة من الفوضى والاحتقان لدى المعتصمين الذين تمسكوا بتحقيق جملة من المطالب وتفعيلها بعد الاتفاق المبدئي بين اتحاد الشغل وسلط الإشراف. وتمثل الاتفاق المبدئي المؤرخ في 28 ديسمبر 2018 لتسوية وضعية عمال حضائر في تمكين الفئة التي تبلغ سنّ الـ60 سنة اَليا من منحة تساوي منحة العائلات المعوزة. أما الشريحة التي تتراوح أعمار أفرادها بين 55 و59 سنة فسيواصل أصحابها الانتفاع بمنحة الحضائر التي تساوي الأجر الأدنى المضمون وببطاقة العلاج المجاني وعندما يبلغون سنّ الـ60 سنة ينتقلون إلى الفئة الأولى.
كما تضمّن الاتفاق تنصيصا على تسوية وضعيّة العملة المباشرين بأعمال فعليّة قبل تاريخ 3 جانفي 2018 والذين أثبتت الوزارات المعنيّة مباشرتهم الفعلية في مواقع العمل من خلال إسناد منحة مغادرة للراغبين في ذلك قيمتها المادية تضاهي 36 أجرة شهريّة مع تمكين الراغبين في بعث مشاريع من قرض عبر البنك التونسي للتضامن مع اعتبار منحة المغادرة أو جزء منها تمويلا ذاتيّا.أما الباقين فسيقع اقتراح توزيعهم على مراكز عمل شاغرة في حدود المعتمديّة أو الولاية الراجعين لها بالنظر. لكن بقي الخلاف بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل منذ تاريخ 28 ديسمبر 2018 بخصوص موعد الشروع في التسوية والمراحل التي سيستغرقها تفعيل الإجراءات المتفق عليها، حيث كان اقتراح الاتحاد الانطلاق الفوري في التسوية في حين اقترح الطرف الحكومي سنة 2021 كموعد للشروع في تسوية وضعية العمال، مما حال دون طيّ ملفّ عمال الحضائر .
ويتواجد قسم من عمال الحضائر في مجالات مختلفة منها الأشغال العامة والحراسة والتنظيف وغيرها، وحسب دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد تزايد عددهم بعد الفوضى التي عمت البلاد غداة أحداث جانفي 2011. وفاق عدد المنخرطين في هذه الآلية حاجز الـ125 ألف شخص، مقارنة بنحو 62 ألف سنة 2010. وتضاعفت المخصصات المالية التي تعتمدها الدولة لعمال الحضائر لترتفع من نحو 82 مليارا عام 2010 إلى أكثر من 370 مليار حاليا باحتساب أجور عمال شركات الغراسة والبستنة التي تبلغ 110 مليارات سنويا أي أنها تضاعفت أكثر من أربع مرات علما أن 65% من العمال ينتمون إلى الحضائر الجهوية فيما تعود بقية النسب إلى الحضائر الفلاحية .ويتركز عمال الحضائر في عدد من الولايات، حسب الدراسة، وتحكتر 8 منها نحو 67% من هذه الشريحة.
واعتمدت مختلف الحكومات طيلة السنوات الأخيرة على آلية عمل الحضائر كبديل لغياب مواطن شغل قارة وثابتة في اغلب الولايات الداخلية التي ترتفع فيها اليد العاملة غير المؤهلة، وقامت بفتح شركات منعدمة الجدوى الاقتصادية والمالية وهي شركات البيئة والغراسات لاستيعاب عدد اكبر من طالبي الشغل أو بالأحرى المحتجين والمعتصمين في ست ولايات. لكن هذه الشركات عرفت إشكالا في التصرف في عدد العاملين الذين تناهز أجورهم سنويا 110 مليارات، في ظل انعدام المردودية الشغلية، وكون الأجور التي تم إقرارها كانت مرتفعة مقابل الممنوحة لعمال الحضائر التقليديين، والتي بلغت نحو 1100 دينار شهريا كدخل متوسط للعامل.
وتأتي هذه الوضعية في إطار انهيار تشهده المالية العمومية وتعيشها كذلك وبحدة بالغة مؤسسات الدولة (خسائر بقيمة 6200 مليار) والمطالبة، حسب توصيات البنك الدولي، بالتخفيض في كتلة الأجور وتجميد الانتدابات، وهي كلها مؤشرات لا تدل على إمكانية انفراج أزمة عمال الحضائر ووصول الاتحاد العام التونسي للشغل لمبتغاه على هذا الصعيد.