الشارع المغاربي- قسم الثقافة: صدرا مؤخرا عن “دار مسكلياني للنشر” كتاب “متلازمة بورقيبة ومسألة الصراع على السلطة في تونس – الجزء الأول 1927- 1987” للدكتور خليل بن عبد الله … تناول المؤلّف في فصول ثلاثة احدها تمهيديّ تفاصيل 60 سنة كاملة انطلقت من “الصراع على السلطة والمال والثروة في تونس قبل الاستقلال ” مرورا بـ”الصراع على السلطة في عهد الحماية وبناء جمهورية الاستقلال 1927 – 1957″ وانتهاء بـ “الصراع على السلطة في دولة الاستقلال 1957-1987”.

يبدو الكتاب وللوهلة الاولى بحثا أكاديميا في تاريخ الحركة الوطنية أو كتابا في التاريخ او تاريخ السلطة في دولة الاستقلال ولكن عند التمحّص والقراءة يتبيّن أنه اقرب الى الرواية او الى علم النفس السياسي منه إلى دولة التخصصات الاكاديمية الاخرى. في 255 صفحة طرح الكاتب رؤية خاصة حول اشكاليات الواقع السياسي التونسي انطلقت من ملاحظات وتفاصيل تاريخية واستنتاجات لإشكالية شديدة التعقيد واقعيّا ونفسيّا عند جزء كبير من التونسيين منذ الثلث الاول من القرن العشرين، وقد صارت تنذر بانهيار الدولة في حال استمرارها وهي اشكالية التعامل مع مفهوم “الدساترة” و”الدستوريين” خاصة رمزها الزعيم الحبيب بورقيبة حتى أصبحت أشبه بالمتلازمة .

وتعني المتلازمة (syndrome) اصطلاحا “مجموعة من الاعراض السلوكية أو العلامات، مرتبطة بحالة مرضية معينة تسمح من خلال تجميعها بتوجيه التشخيص نحو العلاج”. أما مجازيا فتعرف “المتلازمة” بأنها مجموعة من السلوكات الخاصة بفرد أو بمجموعة من الافراد عانت من نفس الحالة المؤلمة فقاومتها وناهضتها في مرحلة اولى قبل ان تفتتن بها لاحقا فتتحول الى البحث عن التماثل معها والسعي الى تلبّسها. وهنا يتناول الكتاب ما وصف الكاتب قياسيا بـ”متلازمة بورقيبة”. في محصّلة هذا الجزء يمكن الاستنتاج ان دولة الاستقلال بنيت على خيال الحبيب بورقيبة الذي حدد هويّتها في الفصل الاول من دستور 1959 ، دولة حديثة أعادت توزيع الثروة بين التونسيين وتمتّن بناؤها بأوجه من التطوّر والخدمات المجانية. في المقابل شهدت دولة بورقيبة معارضة وصلت في أحيان كثيرة حد مناهضة وجود الدولة ذاتها، وصفها الكاتب بمعارضة تداخل الغيرة بالاحقاد وزجّت بأجيال في صراعات غير مجدية على غرار المحاولة الانقلابية لسنة 1962 وأحداث 26 جانفي 1978 ، وأحداث قفصة 1980 وانتفاضة الخبز … كل هذه التفاصيل وأكثر تناولها الكاتب بالدرس والتمحيص في الجزء الأوّل من مؤَلَّفه.

الكتاب الجدير بالدرس لأهمية تفاصيله تعرّض الى الصراع على السلطة لخلافة بورقيبة .. الصراع الذي أحبط التونسين لا سيّما الاجيال التي أنجبتها دولة الاستقلال من امكان ارساء تعدّدية تسمح بمنافسة الزعيم على السلطة . أجيال هلّلت يوم 7 نوفمبر 1987 ظنّا منها انها تخلّصت من “متلازمة بورقيبة” وتعالت أصواتها للمطالبة باعادة كتابة تاريخ الحركة الوطنية لكن كل النتائج باءت بالفشل وزادت هذه المحاولات والشهادات من زعامة بورقيبة حتى صار “متلازمة” مثلما أشار الى ذلك الكاتب شكري المبخوت في كتابه أيضا “تاريخ التكفير في تونس – الجزء الثاني”.