الشارع المغاربي – فلّوجاتنا‭ ‬وفلّوجتهم‭...‬/بقلم علي بن عبد الله (كاتب) 

فلّوجاتنا‭ ‬وفلّوجتهم‭…‬/بقلم علي بن عبد الله (كاتب) 

قسم الأخبار

6 أبريل، 2023

الشارع المغاربي: فلوجة‭ ‬عنوان‭ ‬مسلسل‭ ‬سامي‭ ‬الفهري‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬إطار‭ ‬أحداثه‭ ‬معهدا‭ ‬ثانويا‭ ‬عموميا‭ ‬وشخصياته‭ ‬تلاميذ‭ ‬ذلك‭ ‬المعهد‭ ‬وجعل‭ ‬الوقائع‭ ‬عنفا‭ ‬وجنسا‭ ‬وجريمة‭ ‬وفوضى،‭ ‬وعلى‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬دلالة‭ ‬استعارة‭ ‬اسم‭ ‬المدينة‭ ‬العراقية‭ ‬فلوجة‭ ‬لتسمية‭ ‬معهد‭ ‬ثانوي‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬إثبات‭ ‬التشابه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬العنف‭ ‬والفوضى‭ ‬واللاقانون‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الاستعارة‭ ‬تثير‭ ‬مسألتين‭ ‬تجتمعان‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬واحدة‭ ‬عند‭ ‬النظر‭ ‬والتحقيق.

أولى‭ ‬المسألتين‭ ‬أن‭ ‬إطلاق‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬بكل‭ ‬دلالاته‭ ‬على‭ ‬المعهد‭ ‬الثانوي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صادقا‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬حقيقة‭ ‬المدرك‭ ‬المعين‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬المعهد‭ ‬الثانوي‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬منطقة‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬الوطن‭ ‬لأن‭ ‬فيه‭ ‬ادعاء‭ ‬بشيوع‭ ‬الفوضى‭ ‬العارمة‭ ‬وليست‭ ‬هذه‭ ‬حال‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬التونسية‭ ‬وإن‭ ‬وجدت‭ ‬فيها‭ ‬ظواهر‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬السنوات‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬القديمة‭ ‬جدا.

الخروج‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬التربوية‭ ‬العمومية‭ ‬ممكن‭ ‬الوقوع‭ ‬نعم‭ ‬ولكنه‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬يجرمون‭ ‬آنيا‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬تلاميذ‭ ‬أو‭ ‬إداريين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الجسم‭ ‬الأستاذي‭ ‬ويبقون‭ ‬في‭ ‬مطلق‭ ‬الأحوال‭ ‬منبوذين‭ ‬ويطردون‭ ‬ويحاسبون‭ ‬في‭ ‬أطر‭ ‬قانونية‭ ‬معلومة‭ ‬تميل‭ ‬المنظومة‭ ‬العمومية‭ ‬إلى‭ ‬تشديدها‭ ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬المتسبب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬والخارج‭ ‬عن‭ ‬القانون.

عندنا‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬العمومية‭ ‬مجالس‭ ‬التربية‭ ‬ومجالس‭ ‬الأقسام‭ ‬ومجالس‭ ‬المؤسسة‭ ‬وفيها‭ ‬يطرح‭ ‬كل‭ ‬انزلاق‭ ‬أخلاقي‭ ‬وسلوكي‭ ‬وتتخذ‭ ‬القرارات‭ ‬الردعية‭ ‬الملائمة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المراقبة‭ ‬الجهوية‭ ‬وتدخل‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬العليا.

ثم‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬مدونات‭ ‬سلوك‭ ‬مكتوبة‭ ‬وحتى‭ ‬عملية‭ ‬ثاوية‭ ‬في‭ ‬الوجدانات‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تؤطر‭ ‬السلوك‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬وتقمع‭ ‬كل‭ ‬الانفلاتات.‭ ‬

وإذن‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬المسلسل‭ ‬سيء‭ ‬الذكر‭ ‬مضخم‭ ‬بل‭ ‬فائق‭ ‬التضخيم‭ ‬ولا‭ ‬يمت‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬بصلة‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصنفه‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الفن‭ ‬الواقعي‭ ‬لأنه‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬برنامجا‭ ‬مقصديا‭ ‬هدفه‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬العمومية‭ ‬ومحاولة‭ ‬إسقاطها‭ ‬كأن‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬الإهمال‭ ‬لا‭ ‬يكفيها.

المسألة‭ ‬الثانية‭ ‬هي‭ ‬طبيعة‭ ‬العنف‭ ‬والفوضى‭ ‬واللا‭ ‬قانون‭ ‬واللا‭ ‬أخلاق‭ ‬مما‭ ‬يقدمه‭ ‬المسلسل‭ ‬بما‭ ‬يشفع‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬يشبه‭ ‬المعهد‭ ‬الثانوي‭ ‬إطار‭ ‬الوقائع‭ ‬بفلوجة‭ ‬المدينة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬هيمنة‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬أمريكا‭ ‬للعراق‭. ‬

نكاد‭ ‬نزعم‭ ‬أن‭ ‬فوضى‭ ‬مسلسل‭ ‬فلوجة‭ ‬فوضى‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬العنف‭ ‬الواقع‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬شخصيات‭ ‬المعهد‭ ‬عنف‭ ‬خاص‭ ‬وأن‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬فيه‭ ‬خروج‭ ‬خاص‭ ‬كذلك؛‭ ‬ففي‭ ‬المسلسل‭ ‬ مخدرات‭ ‬تتناول‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬التربوي‭ ‬وجنس‭ ‬مفضوح‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬واعتداء‭ ‬سافر‭ ‬على‭ ‬الأساتذة‭ ‬وتلامذة‭ ‬بأخراص‭ ‬في‭ ‬آذانهم‭ ‬ولديهم‭ ‬دراجات‭ ‬نارية‭ ‬كبيرة‭ ‬يراودون‭ ‬بها‭ ‬الأستاذات‭ ‬وحوادث‭ ‬قتل‭ ‬أو‭ ‬خطف‭ …‬

أين‭ ‬نحن‭ ‬يا‭ ‬منتجي‭ ‬المسلسل‭ ‬ومخرجيه‭ ‬وكتابه؟

إنها‭ ‬صورة‭ ‬تتجاوز‭ ‬بأشواط‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬أفلام‭ ‬العنف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬المغرق‭ ‬في‭ ‬التوحش‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬العلائقي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والقيمي.

ليست‭ ‬هذه‭ ‬مؤسستنا‭ ‬العمومية‭ ‬وليست‭ ‬هذه‭ ‬صورة‭ ‬معاهدنا‭ ‬وقد‭ ‬درسنا‭ ‬في‭ ‬كبراها‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬مختلفة‭ ‬وفي‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الوطن.

وحتى‭ ‬عنف‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬الافتراضي‭ ‬الذي‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬جعله‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬عاكسة‭ ‬لسقوطه‭ ‬وانحطاطه‭ ‬بما‭ ‬يخالف‭ ‬كل‭ ‬تصور‭ ‬للفن‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬وجدناه‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬العمومية،‭ ‬وإذا‭ ‬عن‭ ‬لنا‭ ‬تسمية‭  ‬معهد‭ ‬عمومي‭ ‬ما‭ ‬بفلوجة‭ ‬فليست‭ ‬فلوجتنا‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬فلوجة‭ ‬سامي‭ ‬الفهري.

في‭ ‬فلوجاتنا‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬معاهدنا‭ ‬العمومية‭ ‬عنف‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬عنف‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬وأولئك‭ ‬الشباب‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الاستثناءات‭ ‬طبعا.

في‭ ‬فلوجاتنا‭ ‬تلميذ‭ ‬يتطاول‭ ‬على‭ ‬أستاذه‭ ‬ربما‭ ‬فيطرد‭ ‬وتلميذة‭ ‬تتبرج‭ ‬فيستدعى‭ ‬وليها‭ ‬ومعركة‭ ‬بين‭ ‬تلميذين‭ ‬فيعاقبا‭ ‬معا‭ ‬وتقاعس‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأساتذة‭ ‬وربما‭ ‬تلاسن‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬أستاذ‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬المدير‭ ‬فيحل‭ ‬الإشكال‭ ‬قانونيا‭ ‬ووديا‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬قصوى‭ ‬قضية‭ ‬مخدرات‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬وهذه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬طامة‭ ‬كبرى‭ ‬تتجند‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حفظ‭ ‬بقية‭ ‬التلاميذ‭ ‬من‭ ‬آثارها‭ ‬المدمرة‭ ‬بالبتر‭ ‬فالبتر‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬العمومية‭ ‬هو‭ ‬الدواء‭ ‬لكل‭ ‬داء‭ ‬خبيث.

وليس‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬العمومية‭ ‬أستاذة‭ ‬تراود‭ ‬تلميذا‭ ‬أو‭ ‬العكس‭ ‬وليس‭ ‬لدينا‭ ‬تلميذ‭ ‬يتعالى‭ ‬على‭ ‬أستاذه‭ ‬بالقول‭ ‬‮”‬قداش‭ ‬تخلص‭ ‬انت‮”وإن‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬فهو‭ ‬منكر‭ ‬مجرم‭ ‬كما‭ ‬قلنا.

هذه‭ ‬مظاهر‭ ‬عنف‭ ‬في‭ ‬فلوجتهم‭ ‬التي‭ ‬يقدمونها‭ ‬نموذجا‭ ‬صادق‭ ‬الانطباق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الواقع‭ ‬التونسي‭ ‬وهو‭ ‬كذب‭ ‬وافتراء. هذه‭ ‬فوضى‭ ‬فلوجتهم‭ ‬التي‭ ‬أصابتها‭ ‬جراثيم‭ ‬المال‭ ‬والتسلط‭ ‬به‭ ‬والتعالي‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬العمومية .هذه‭ ‬فوضى‭ ‬فلوجتهم‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬أبناء‭ ‬فئة‭ ‬ضالة‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬بالمال‭ ‬تستعبد‭ ‬الناس‭ ‬وتطوع‭ ‬القوانين‭ ‬للهوها‭ ‬وعربدتها‭ ‬أما‭ ‬فلوجاتنا‭ ‬فمعاهد‭ ‬عمومية‭ ‬ككل‭ ‬المعاهد‭ ‬فيها‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والقانون‭ ‬وفيها‭ ‬خروقات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنفي‭ ‬دورها‭ ‬التربوي‭ ‬وإن‭ ‬ادعى‭ ‬عليها‭ ‬المدعون‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬لواء‭ ‬الخوصصة‭ ‬مثل‭ ‬سامي‭ ‬الفهري‭ ‬والمتهيؤون‭ ‬نفسانيا‭ ‬إلى‭ ‬خوصصة‭ ‬التعليم‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬عليها‭ ‬فهم‭ ‬موزعون‭ ‬بين‭ ‬ضرورة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬العمومية‭ ‬وحلم‭ ‬تدريس‭ ‬أبنائهم‭ ‬بالمعاهد‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬صفة‭ ‬التعليم‭ ‬إلا‭ ‬الشكل‭ ‬والبهرج‭ ‬وكل‭ ‬الباقي‭ ‬امتصاص‭ ‬لدماء‭ ‬الأولياء‭ ‬وهؤلاء‭ ‬أكثر‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬العمومية‭ ‬لأنهم‭ ‬كالطابور‭ ‬الخامس‭ ‬هدامون‭ ‬لحصون‭ ‬مدائنهم‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وكان‭ ‬أولى‭ ‬بهم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المؤسسة‭ ‬العمومية‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬الملجأ‭ ‬عندما‭ ‬يستكلب‭ ‬علينا‭ ‬تجار‭ ‬المواد‭ ‬والإنسان‭ ‬وباعة‭ ‬القيم‭ ‬بأموالهم‭ ‬وبقيمهم‭ ‬المنحطة‭ ‬وبسلوكات‭ ‬أبنائهم‭ ‬المرضية‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 افريل 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING