الشارع المغاربي – على وقع الجدل حول تقرير الحريات: كيف مرّر بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية ؟

على وقع الجدل حول تقرير الحريات: كيف مرّر بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية ؟

قسم الأخبار

12 أغسطس، 2018

الشارع المغاربي-السيدة سالمية تحتفل تونس يوم غد الاثنين 13 أوت بعيد المرأة وبمرور 62 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية ، المجلة التي تُعد مفخرة لتونس ، ونقطة مُضيئة في مسيرة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ، وخطوة ثورية غير مسبوقة ليس عربيا فقط وانما أيضا على مستوى أوسع في العالم.

وتلك المجلة ما كانت لترى النور في تلك الفترة وفي تونس الناشئة في محيط عربي واقليمي هش ومحافظ ، لولا وجود بورقيبة على رأس الدولة ، وعلى وقع ما تعيشه البلاد من حالة تجييش على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة ، وسط استقالة السلطة السياسية وتحولها الى مجرد متابع لانحراف خطير قد يعيد تونس الى مربع العنف، تطرح مقارنات بين السلطة السياسية وقتها وحكام اليوم.

هذه الاستقالة قد تنتفي يوم غد في صورة تقديم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي موقفا واضحا من التقرير ، من خلال تحويل جزء من مضامينه الى مبادرة تشريعية يتم تمريرها للنقاش في مجلس نواب الشعب ، لذلك وجد الرئيس قائد السبسي نفسه في مقارنة بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ، وهناك من يرى انه بعيد عن شجاعة وحزم أول رئيس لتونس بالنظر الى الاختلاف الجوهري في طريقة طرح مجلة الاحوال الشخصية شكلا ومضمونا وتركيبة من صاغها وادار النقاش حولها من جهة وتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة .

ويذهب البعض الى حد تحميل قائد السبسي مسؤولية حالة الانقسام الحاصلة ، لعدة أسباب منها تركيبة لجنة توصف بغير المتوازنة ، وطرح تقريرها دون سند سياسي واضح مما جعلها تواجه رافضيها وحيدة .

ونُعيد اليوم نشر مقتطفات من كتاب احمد المستيري  “شهادة للتاريخ”، ونذكر بأنه كان وقت اصدار مجلسة الاحوال الشخصية وزير العدل .وفي شهادته يكشف ،رغم خصومته المعروفة مع بورقيبة، كيفية ظهور المجلة والمراحل التي مرت بها من نقاش ومشاورات وحتى مفاوضات حول مضامينها ، وكيف كان بورقيبة حاسما في فرض فصول منها على غرار منع تعدد الزوجات وكيف قبل باسقاط فصول اخرى على غرار المساواة في الارث في اطار سياسة المراحل المعروف به وتسبيق الأهم على المهم ، لتكون النتيجة الغاء المحاكم الشرعية ومنع تعدد الزوجات وغيرها من مكاسب تُعتبر الى اليوم غير مسبوقة.

وفي ما يلي شهادة المستيري :

«لا شك أننا لم نتمكن من اجتياز كل هذه المراحل والوصول إلى هذه النتيجة ,لولا الظروف السياسية الملائمة في الدّاخل والخارجوإقدامنا على إصلاح التشريع والنظام القضائي,وكانت الغاية الأساسية للإصلاح,الاستجابة لمقتضيات العصر ولحاجات المجتمع التونسي نفسه,ورغبة الاجيال الصاعدة.

وبالإضافة إلى ذلك فقد ساعدنا هذا التمشي إلى حد كبير في سعينا الحثيث لإزالة القضاء الأجنبي وجعل المواطنينعلى اختلاف أديانهموالمتساكنين على اختلاف أجناسهميخضعون للقضاء الوطني الموحّد.

هذا ومن المعلوم ان النظام القضائي القائم حتى سنة 1956، كان يشتمل على خمسة أصناف من المحاكم:المحاكم الفرنسيّة– المحاكم التونسية المدنية– المحاكم الشرعية الإسلامية (بفرعيها المالكي والحنفي)- والمحاكم اليهودية مجلس الأحبار ).

وصار من الضروريمع توحيد القضاءتوحيد التشريعلاسيما أنّ المحاكم الدينيةلا تحكم بمقتضى فصول قانونية مضبوطة ومعروفة من المتقاضينإنما تستند إلى مراجع فقهيّةوكان الأمر موكولابقدر كبيرإلى اجتهاد القاضي في اختيار النصّ المنطبق على الصورة المعروضة عليه.

والجدير بالذكرفي هذا الصددأن فكرة التقنين (codificationالمكتوب الموحّدبالنسبة إلى المحاكم الشرعيةخصوصا في مادة الأحوال الشخصيةفرضت نفسها منذ زمنولقد سبق أن تبنّاها قطب من أقطاب الفقه المالكي في تونس,وأحد المشايخ الأجلاء بالجامع الأعظم «الزيتونة» ألا وهو المرحوم الشيخ عبد العزيز جعيط

ومع فكرة التقنين المكتوب الموحّدالتي ليست من ابتكارنا كما قلتخامرتنا فكرة اغتنام فرصة التقنينلإدخال إصلاحات هامّة على التشريع في مادة الأحوال الشخصية (منع تعدد الزوجاتوجوب عرض الطلاق على القاضي..تحديد سن أدنى للزواج..وجوب موافقة المرأة على الزواج,إلخ..) وهي إصلاحاتفي نظرنالا تتنافى مع أحكام القرآن والسنّةويفرضها تطور المجتمع التونسي …

وعرضت الفكرة على بورقيبة مع مشروع القضاء الشرعي في القضاء المدني الموحدفقبلها بحماسه المعهودوألّح بالخصوص على مسألة منع تعدد الزوجاتوكنت شخصيا (مع مستشاريميالافي هذه النقطةإلى حل وسطوهو إبقاء إمكانية التعدد مع فرض شروط صعبة التحقيق,إلا أن بورقيبة أصّر على موقفه في المنع الباتّوبعد ذلككوّنت لجنة لإعداد مشروع «مجلة الأحوال الشخصية»كان من بين أعضائها السادة محمد بن سلامة والشيخ محمد القروي ومحمود العنابي، وهم قضاة سامون ألحقتهم بديواني,فشرعوا في تحرير النصوصبالتعاون مع الشيخ الفاضل بن عاشوروهو على اتصال مستمر بوالده ,المصلح الكبير الذائع الصيت,الشيخ الطاهر بن عاشور والشيخ عبد العزيز جعيطوقد اتصل بهما بورقيبة واستشارهما مباشرة

ثم شرعت اللجنة في أعمالهاوأخذت تدرس لائحة «المجلة الشرعية» (التي أعدتها لجنة سابقة كوّنها الشيخ عبد العزيز جعيط سنة 1947). فتبين لنا أن اللائحة لا تستجيب للشروط المطلوبة,شكلا ومضمونا:أولا من حيث الشكل,فهي عبارة عن مجموعة أحكام فقهّية صالحة لتكون مادّة للتعليم والدروس الدينية والبحوث الجامعية,وليست محررة في صيغة بنود قانونية ,ثانيا من حيث المضمون,فهي تحتوي على أحكام بعيدةكلّ البعدعن واقع المجتمع التونسي المعاصر؛ وقد تكون أداة صالحة للشرخ في حلقات الدروسلكنها غير قابلة للتطبيق من طرف القضاة في أغلب الحالات المعروضة عليهم في عصرنا الحاضروبالإضافة إلى ذلك – وهذا الأهم– لم نجد في اللائحة المذكورةمن الأحكام الجديدة ,ما يستجيب لأغراض الإصلاح كما نتصورهإلا النّزر القليل.

لذلك رأينا من الضروري إدخال تحوير شامل على اللائحة وإعادة تحرير العديد من أحكامها في شكل بنود قانونية,باستثناء «باب الإرث» المحرّر طبق المذهب المالكيفإننا أبقيناه كما هو,في الجملةلأنه نظام متكامل مستمد من آيات قرآنية صريحة.

هذادون الدخول في التفاصيل ,أتعرض في ما يلي إلى ثلاث مسائل أثارت الجدل والنقاش,وأحيانا «التفاوض» بيني انا وبورقيبة من جهة، والمشائخ الطاهر بن عاشور وابنه الفاضل وعبد العزيز جعيط,من جهة أخرى.وكان الشيخ الفاضلفي الغالب,يقوم بدور الوسيط والموفّق.

أولامنع تعدد الزوجات.كان موقفنا يستند إلى آيات قرآنية صريحة: « إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامىفانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع,وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أ لا تعولوا» النساء:الآية 4), ثمّ«ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم..» ( النساءالآية 129)… ومع ذلك امتنعنا,في تحرير النص,عن أي عبارة تشير إلى تحريم الزواج بثانية دينياأو اعتباره باطلابالنسبة للقانون المدني

إنما اقتصرنا على منع هذا الزّواج واعتباره جنحة يعاقب مرتكبها جزائيّا.

ثانياوجوب عرض الطلاق على القاضي في كلّ الصّوروتمكين الزوجة من ذلك على غرار الزوجومنح الغرامة للزوجة في حالة الضرر… مما لا يتنافى مع روح الأحكام الشرعية.

ثالثامساهمة الزّوجة في نفقات العائلة إن كان لها مال.»

مقتطفات من كتاب«شهادة للتاريخ» (من ص 104 إلى ص107)


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING