الشارع المغاربي – مؤسساتنا العمومية: لقد هيئنا كل الظروف لكي يكون انهيارا كاملا/ بقلم: عز الدين سعيدان

مؤسساتنا العمومية: لقد هيئنا كل الظروف لكي يكون انهيارا كاملا/ بقلم: عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

19 أكتوبر، 2022

الشارع المغاربي: مؤسساتنا العمومیة كانت تمثل نصف حجم الاقتصاد التونسي وكانت بالتالي من أھم رافعاته. كما كانت مؤسساتنا العمومیة مربحة ممّا جعلھا تقدم موارد مالیة ھامة جدّا وغیر جبائیة لتمویل میزانیة الدولة. كانت ھذه المؤسسات العمومیة تستثمر وتساھم في خلق النمو والثروة ومواطن الشغل الحقیقیة.                           

ولكن الصراع السیاسي العقیم والانتقال الدیمقراطي المزیف جعلانا نھمل الإصلاحات الكبرى ونعوضھا بتدمیرات كبرى. جعلانا نھیئ كل الظروف لیكون انھیار مؤسساتنا العمومیة انھیارا كاملا.

ما الذي حصل فعلا :

1 – في اطار كارثة العفو التشریعي الخاص انطلقت عملیة تدمیر المؤسسات العمومیة بإجبارھا على القبول بانتدابات لا حاجة لھا بھا ولا تستجیب لمنطق ومعاییر حسن التصرف.

2 – ما سمي خطأ بشراء السلم الاجتماعیة أدى أیضا الى اجبار ھذه المؤسسات العمومیة على انتدابات إضافیة والى زیادات في الأجور تزامنت مع انھیار الإنتاج والإنتاجیة. السلم الاجتماعیة تبنى بالثقة وبالمصداقیة وبالاستثمار الذي یخلق التنمیة ویخلق الثروة ویخلق خاصة مواطن شغل حقیقیة. الانتدابات بلا موجب اقتصادي والزیادات في الأجور بلا مقابل على مستوى الإنتاج أثقلت كاھل مؤسساتنا العمومیة وجعلتھا غیر قادرة على القیام بدورھا الاقتصادي.

فلنأخذ كمثال شركة فسفاط قفصة : ھذه الشركة كانت تنتج في 2010 حوالي 2,8 ملایین طن من الفسفاط في السنة مما جعل تونس في ذلك الوقت من أكبر منتجي الفسفاط في العالم. عدد عمال وموظفي الشركة في ذلك الوقت كان في حدود سبعة آلاف.

كما كانت شركة فسفاط قفصة تساھم في تمویل میزانیة الدولة من أرباحھا بمبالغ تصل إلى 12 ملیار دینار سنویا. الآن انھار الإنتاج الى مستوى ثلاثة ملایین طن فقط بینما الشركة تتحمل أعباء أكثر من سبعة وعشرین ألف بین موظفین وعملة.

وأصبحت شركة قفصة مطالبة بتغطیة نفقات مواطن شغل مزیفة مثل التي تخصّ شركات البستنة والغراسات التي لا تبستن ولا تغرس أي شيء. كما أصبحت الشركة تشكّل عبئا ثقیلا على الاقتصاد التونسي وعلى المالیة العمومیة. شركة فسفاط قفصة أصبحت تحتاج إلى دعم من المیزانیة العمومیة لتغطیة نفقاتھا العامة. والأغرب من ھذا كله أن تونس احتاجت في وقت من الأوقات الى استیراد الفسفاط الخام من روسیا ومن الجزائر قصد تغطیة حاجات المؤسسات الأخرى التي تقوم بتحویل الفسفاط الخام إلى أسمدة ومنتوجات أخرى.

3 – المالیة العمومیة تعیش أزمة حادة وغیر مسبوقة منذ الاستقلال الى حد الآن. والأطماع السیاسیة لبعض المسؤولین السیاسیین جعلتھم یقدمون وعودا مزیفة تخص مثلا مستوى عجز میزانیة الدولة ممّا أدى إلى التلاعب بالأرقام الرسمیة التي تخص مستوى عجز میزانیة الدولة وتصدیر جزء من ھذا العجز الى المؤسسات العمومیة. قصد تغطیة جزء من میزانیة الدولة لم تسدد وزارة المالیة مستحقات المؤسسات العمومیة من صندوق التعویض على سبیل المثال.

وھكذا ساھمت الدولة نفسھا في انھیار المؤسسات العمومیة التي أصبحت تعاني من غیاب المزودین الأجانب. السیولة ومن تفاقم دیونھا لدى البنوك التونسیة والأجنبیة كما أدى بھا إلى عدم تسدید فواتیر دیوان الحبوب مثلا والذي یقوم بدور أساسي في تزوید السوق بالحبوب لم یتسلم مستحقاته من صندوق التعویض وأصبحت دیونھ لدى البنك الوطني الفلاحي تتجاوز مستوى 5,4 ملیارات دینار. وھذا المستوى من الدین یفرز فوائد (interêts (تصل الى 450 ملیون دینار سنویا. تصوروا تأثیرات مثل ھذا الدین على توازنات البنك القومي الفلاحي من جھة ودیوان الحبوب من جھة أخرى. من أساء التصرف في المالیة العمومیة وتلاعب بأرقام میزانیة الدولة یتحمل مسؤولیة جسیمة في انھیار المؤسسات العمومیة.

4 – بأوضاعھا المالیة والاجتماعیة الصعبة فقدت مؤسساتنا العمومیة ثقة مزودیھا الأجانب وثقة البنوك في الدّاخل والخارج.

وھكذا أصبحت بعض ھذه المؤسسات العمومیة التي تتمتع بوضع الاحتكار (Monopole) عاجزة تماما عن القیام حتى بالدور البسیط المتمثل في تورید المواد الأساسیة مثل الدواء والحبوب والزیت النباتي والمحروقات والسكر والقھوة والأرز وما الى ذلك. أصبح مزودو مؤسساتنا العمومیة یشترطون الدفع المسبق. وھذا یعني أنھم لا یثقون في مؤسساتنا العمومیة وبالتالي لا یثقون في الدولة التونسیة. مواد أساسیة مثل المحروقات والدواء والمواد الغذائیة الأساسیة أصبحت مفقودة من الأسواق التونسیة. وھذا فیھ إساءة كبیرة جدا لصورة تونس في الخارج ولثقة المواطن في مؤسساتھ الوطنیة.

لن ینقذ تونس إلاّ التونسیون ولن ننقذ تونس إلا بعزیمة صادقة وإصلاحات جریئة في اطار انقاذ مبنیة على إمكاناتنا الذاتیة قبل القروض الأجنبیة.تشخیص حقیقي لأوضاعنا الاقتصادیة والمالیة والاجتماعیة یفضي الى وضع استراتیجیة انقاذ مينية على امكاناتنا الذاتية قبل القروض الاجنبية.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 18 اكتوبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING