الشارع المغاربي-كوثر زنطور:لا شك أن الموقف الصادر عن الهيئة الادارية للاتحاد العام التونسي للشغل حول صيغة الحوار المضمّنة في المرسوم 30 سيشكل المنعرج في مسار ما بعد 25 جويلية وسيفتح الباب أمام تشكل جبهة قوية معارضة لرئيس الجمهورية قيس سعيد قبل شهرين من موعد استفتاء حاسم بالنسبة لساكن قصر قرطاج.
لم يترك اتحاد الشغل للرئيس سعيد اكثر من خيارين احلاهما مرّ : الاول المرور بقوة وتنظيم حوار حول “منظومة الجمهورية الجديدة” دون تشريك المنظمة وفتح الباب بالتالي امام تشكل جبهة تقودها المركزية النقابية والثاني القبول بتنازلات لا تعني شيئا سوى تغيير عميق وجوهري للمسار برمته بما يعني الاجهاز على مشروع “البناء الجديد” او الديمقراطية القاعدية .
اجتماع فاشل
الاجتماع الذي عقد يوم اول امس الاحد في قصر قرطاج لم يدم اكثر من 40 دقيقة كشفت اختلافات جوهرية في وجهات النظر بين سعيد وضيفه الطبوبي . الأول ماض في خارطة طريقه غير مستعد للقبول ياية تسويات تمثل بالنسبة اليه ” عودة الى الوراء” والثاني رافض لاي دور شكلي يعتبر انه لا يليق بأعرق المنظمات الوطنية ورافض خاصة لتوريطها في مغامرة محفوفة بالمخاطر ومن تبعاتها إنهاء تام لدور الأجسام الوسيطة وعلى رأسها الاتحاد. .
يقول نقابيون ان الاتحاد يخوض منذ بداية مرحلة “التدابير الاستثنائية” معركة قديمة جديدة عنوانها ” استقلالية المنظمة” وهذا الامر طرح بوضوح خلال اشغال مؤتمره الاخير المثير للجدل. خلاله وجهت اصابع الاتهام لوزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بدعم ودفع مجموعة مساندة الى درجة الموالاة لمسار 25 جويلية وكونت انذاك ما يشبه التيار المعارض الرافض للتمديد للقيادة المتخلية تمهيدا لخلافة تخدم اجندة تطويع الاتحاد وجره للخنوع والقبول بدور شكلي عبر قيادة نقابية على شاكلة ” التيجاني عبيد”.
فشلت الاجندة واسدل الستار على مؤتمر الاتحاد دون المسّ إجمالا بوحدة صفه ودون اصطفاف نهائي في المعسكر المعارض للرئاسة. علاوة على ذلك تجاوبت المنظمة مع كل الدعوات الموجهة اليها من قرطاج رغم شحها ورغم حدة التصريحات من الجانبين بين الفينة والاخرى. وكانت الحصيلة خلال الاشهر الـ10 التالية لما بعد 25 جويلية بعض المكالمات الهاتفية بين سعيد وامين عام الاتحاد ولقاءات لا تكاد تعد حتى على اصابع اليد الواحدة (الاول يوم 26 جويلية 2021 والثاني يوم 15 جانفي 2022 والثالث يوم 22 ماي 2022 ولقاء مع المكتب التنفيذي يوم 1 افريل 2022).
وبالعودة الى اجتماع يوم أول امس، تؤكد الأصداء انه ساده “برود من الجانبين” وان قيس سعيد مثله مثل الطبوبي كان حاسما في رؤيته حول كيفية وآليات ادارة المرحلة القادمة عنوانها بالنسبة للاتحاد الانقاذ والاصلاح المؤسساتي بـ “شراكة” وتلازم في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقوم حسب فلسفة سعيد على “مشروعية” واحدة هي لحظة 25 جويلية التي تختزل لديه في القطع التام مع الماضي والمرور نحو ” جمهورية جديدة” .
انتهى اللقاء وانطلق اخر بعده بأقل بـ24 ساعة في الحمامات اين قدم الطبوبي لأعضاء الهيئة الوطنية تفاصيل اجتماعه الذي تجاهلته الرئاسة ولم تمنحه اي طابع رسمي ولم تشر اليه بأية اشارة كانت. الهيئة اقرت رفض المشاركة في الحوار في صيغته المقدمة مرسوم الهيئة الاستشارية لبناء الجمهورية الجديدة مرفوقا برسالة من الطبوبي تدعو سعيد للتنازل الذي قال انه من شيم الكبار وطالبه بمراجعات من اجل مصلحة الوطن.
المراجعات تتلخص في القبول بحوار شامل لا تكون مخرجاته مسبقة ومسقطة وبمثابة تنزيل لمشروع البناء القاعدي الذي كان الاتحاد قد اعلن صراحة عن رفضه القاطع له. ويرفض الاتحاد اقصاء الاحزاب من المشاركة في هذا الحوار ويتمسك في الآن ذاته بموقف واضح ايضا وبات من منظومة ما قبل 25 جويلية التي يحملها مسؤولية ما الت اليه الاوضاع في البلاد من تدهور خطير .
مواجهة ؟
موقف الاتحاد الرافض للمشاركة في” الحوار بشكله الحالي “يعتبر بمثابة اعلان نهاية ووأد للحوار في المهد. فرغم ان بقية المنظمات الوطنية التي كانت شريكة للاتحاد في حوار 2013 والذي نالت بفضله جائزة نوبل للسلام (منظمة الاعراف وعمادة المحامين ورابطة حقوق الانسان) تبدو اليوم غير متماهية معه وقد تشارك في الحوار، فان ذلك لا يبدو كافيا بالمرة لإكساب هذا الحوار ” الشرعية” التي يبحث عنها سعيّد لانهاء اتهامه بالتفرد في ادارة المرحلة ولإضفاء صبغة تشاركية على مسار بناء ما يسميه بالجمهورية الجديدة.
الأمر لا يتعلق فقط بالنسبة للاتحاد برفض تهميشه وانكار دوره وبإعداد العدة والاستباق للتصدي لمشروع شخصي للرئيس ستكون المنظمة كبقية الاجسام الوسيطة أحد أهم ضحاياه اذ ان المركزية النقابية على اطلاع عبر مختلف هياكلها على دقة الوضع وخطورته وامينها العام يعد احد اكثر المطلعين من خلال لقاءاته بمختلف الفاعلين الداخليين والخارجيين على المخاطر المحدقة بالبلاد والتي يلخّصها البعض بـ “مجاعة” ولن يستوي الحال الا بحل جماعي يقول الطبوبي انه لن يكون الا “تونسيا تونسيا” في رد ضمني على من يعملون على تدويل الازمة .
تطورات الـ24 ساعة الاخيرة بعثرت أوراق قيس سعيد والسؤال المطروح اليوم ماذا تراه فاعلا وكيف سيكون رده على رفض الاتحاد الحوار المنتظر المعد على المقاس؟ هل سيواصل سياسة الامر الواقع مثلما فعل ويفعل ؟ ام ان ثقل الاتحاد ، خصمه الجديد الذي لا يشبه خصومه السابقين سيفرض عليه مراجعات مثلما دعاه الى ذلك الطبوبي بلهجة هادئة ؟ . المراجعات هي انتحار سياسي بالنسبة لسعيّد يرى نفسه على بعد امتار قليلة من قبر الجمهورية الثانية والمرور لإرساء منظومة جديدة يعتبرها الحل الامثل والوحيد للبلاد وربما للعالم اجمع .
طبيعة الرجل لا تشي بأنه قد يقبل بالتنازل حتى وان كان هذا التنازل في الواقع عملية انقاذ له لاسيما ان احتكاره كل السلطات جعله مسؤولا اول عن مزيد تدهور الاوضاع على جميع المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. والفشل يفرض عليه بالتالي البحث عن صيغ للتوصل الى قاعدة اتفاق على اصلاحات تمثل قاطرة انقاذ بعيدا عن حسابات “قيسية” لتأبيد الحكم والسلطة وبعيدة ايضا عن تسويات على شاكلة ما حصل سابقا وبيّنت النتائج قصورها وفشلها.
الارجح ان قيس سعيد لن يتنازل وسيواصل غير آبه بموقف الاتحاد ولا بالانتقادات الموجهة اليه من قبل طيف واسع من الفاعلين اتسعت رقعته لتشمل ما تبقى له من مؤيدين بعد ان وجدوا انفسهم مقصيّين بدورهم من حوار بناء الجمهورية الجديدة. واتسعت بذلك جبهة التصدي لمشروع قيس سعيد وبات لها ثقلها مع انضمام اتحاد الشغل لها وان كان بدوره متهما بالمشاركة في حصيلة العشرية السابقة التي كان من بين اهم الفاعلين فيها ونجح في توسيع امتيازاته والمحافظة في نفس الوقت على موقع بارز في المعارضة دون القيام اية مراجعات لدوره الخفي في المنظومة السابقة .
رد سعيد على موقف الاتحاد سيتبين قريبا وتبينت قبلها اتساع جبهة التصدي لمشروعه الشخصي التي وان كانت مكوناتها تتنافر في جلها فانها تلتقي موضوعيا في معارضة سعيد واتسعت لتشمل لأول مرة بشكل صريح اكاديميين طالبوا في عريضة حملت توقيع 72 من عمداء واساتذة جامعيين وعمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية برفض الانخراط في لجنة الحوار وهي لجنة فرعية عن الهيئة الاستشارية من اجل جمهورية جديدة وطالبوا بالنأي بالجامعة عن “المشاريع السياسية”. وهو موقف سيضع العمداء المعينون بالصفة في اللجنة دون استشارتهم في حرج حقيقي .
وتضم الجبهة جل الأحزاب واهمها جهة الحزب الدستوري الحر وزعيمته عبير موسي التي تتحرك على الارض وفي وسائل الاتصال الاجتماعي وعبر شكايات في الداخل والخارج لمواجهة ما تسميه عملية اختطاف الدولة ومحاولة تمرير “ربيع الخراب 2” والنسخة الجديدة من “الاسلام السياسي” التي تقول ان سعيّد يمثله تقابلها النهضة وفروعها اي جبهة الخلاص الوطني و” مواطنون ضد الانقلاب” .
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 ماي 2022