الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: ابرزت مذكرة نشرها مؤخرا فيديريكا ألفاني وماريا يوجينيا جينوني ويوهانز هوجفين وهم خبراء بالبنك الدولي بعنوان “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التحويلات النقدية الشاملة أفضل من أنظمة الدعم” ان بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتميز بالتركيز الشديد على دعم السلع الاستهلاكية، لاسيما المياه والغذاء والطاقة.
ووفق المذكرة غالباً ما يكون القصد من تطبيق أنظمة الدعم هو حماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً لكن فعاليتها في الحد من الفقر محدودة. وشددت على ان الدعن الذي يهدف إلى حماية الفقراء يعود بالنفع على الطبقات المتوسطة والأغنى أكثر من غيرها حيث يتأكَّد ذلك بالخصوص بالنسبة لدعم الطاقة.
وتؤدي إعانات الدعم إلى تخفيض الأسعار بشكل مصطنع حسب البنك الدولي الأمر الذي يتسبب في اخلالات اقتصادية كبيرة. فرغم ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب على سبيل المثال فإن الأسعار المنخفضة بشكل مصطنع للخبز تؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك، إذ يزداد الطلب عليه عمَّا لو كان الحال خلاف ذلك.
ويؤدِّي دعم السلع الغذائية وفق المذكرة إلى إساءة توجيه الاستثمارات في جانب الإنتاج، ويُحفِّز على إنشاء أسواقٍ موازية، كما يؤدي دعم الوقود والمياه إلى الإسراف في استهلاكها، وذلك بعدم إعطاء المستهلكين وكذلك الشركات الإشارات الصحيحة لتقليص اعتمادهم على هذه المنتجات مما يُؤثِّر على تنافسية الاقتصاد، ويحد من اعتماد تكنولوجيات أكثر نظافة وكفاءة.
في جانب اخر، تم التأكيد على ان الدعم يفرض عبئاً ثقيلاً على المالية العمومية يزداد مع ارتفاع الأسعار العالمية، ويُوجِّه الموارد العامة الشحيحة بعيداً عن الأولويات مثل الاستثمارات في الصحة والتعليم. وذكر البنك الدولي بان الحكومة التونسية انفقت في عام 2021، نحو 1.7 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي على دعم السلع الغذائية و2.5 بالمائة على دعم منتجات الطاقة.
واوضح خبراء البنك الدولي انه رغم العيوب التي تنطوي عليها منظومات الدعم، فإن إصلاحها قلَّما يَلقى تأييداً لدى متخذي القرار، لأسباب عدة ليس أقلها الإخفاق في شرح مبررات الإصلاح للمواطنين والحجة التي طالما تتردد على الأسماع وهي أن إلغاء الدعم قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات وأعمال شغب. ولأن الأشخاص الميسورين هم الأكثر استفادةً من إعانات الدعم، ولهم صوت مسموع ولديهم القدرة على تنظيم احتجاجات، فإن هذا مبعث قلق مفهوم للقادة السياسيين، وفق البنك.
يذكر ان تصريحات ادلت بها مؤخرا وزيرة المالية سهام نمصية حول رفع الدعم عن المواد الاساسية وتعويضه بالتحويلات المالية المباشرة لفائدة 8 ملايين تونسي اثارت الكثير من الاستغراب وذلك نظرا لضخامة رقم المستفيدين، من ناحية ولعدم تقديم اية تفاصيل حول المواد والخدمات المشمولة برفع الدعم وكيفية تجسيم العملية، من ناحية اخرى.
ولا يقتصر دعم المواد الاساسية الذي اشارت الوزيرة الى إطلاق منظومة قصد توجيهه مباشرة الى مستحقيه، في الواقع، على الحبوب والعجين الغذائي والسكر والزيوت النباتية وانما يشمل مواد اخرى عديدة مثل الادوية والحليب والتبغ والاعلاف والاسمدة والالبان والحديد والفولاذ والورق والكتاب المدرسي فضلا عن خدمات عديدة اهمها النقل وتوزيع المياه الصالحة للشرب والمستخدمة للري والتطهير والبريد وطيف واسع من خدمات الادارة. ويصعب كثيرا تقييم كلفة الدعم في تونس باعتبار تشتت المعطيات الخاصة به ومحدودية دقتها نظرا لعدم احترام الهياكل الرسمية المعايير المحاسبية العالمية المعتمدة في تسجيل وجرد النفقات الحكومية، بشكل عام.