الشارع المغاربي – البنوك الإسلاميّة... هل يطمئنّ لها قلبي ...؟ / بقلم نهلة عنان *

البنوك الإسلاميّة… هل يطمئنّ لها قلبي …؟ / بقلم نهلة عنان *

قسم الأخبار

7 ديسمبر، 2020

الشارع المغاربي: عندما يطمئنّ القلب يبلغ الإنسان الرضا والسكينة النفسية فينشرح صدره ويتيسّر أمره، وهل نجد ما يضمن لنا ذلك خارج طاعة الله مالك الملك الذي بيده مقاليد الحكم ؟  طبعا وقطعا لا.  فهل تحقق المعاملات المالية للبنوك “الإسلامية” ذلك الاطمئنان مثلما يروّج  لها أصحابها والمتعاملون معها في كامل أرجاء المعمورة من الشرق إلى الغرب ومن المحيط إلى الخليج ؟

أي – وبصيغة أخرى للاستفهام- هل البنوك التي تطلق على نفسها صفة “إسلامية” تطبّق شروط الإقراض مثلما يريد الله المشرّع الأعظم الذي حرّم الربا من أجل حماية المحتاجين من الاستغلال من طرف من يقتنص فرص الاغتناء بلا ضوابط أخلاقية…؟ 

فلنتحرّ الأمر من خلال النصّ التشريعي بهذا الخصوص. يقول الله تعالى في سورة البقرة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿278﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ  وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿279﴾ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ  وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ  إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٢٨٠﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ  ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿281﴾.

نصّ قرآني واضح لا لبس فيه وهو من أجل التخفيف عن المتورّطين بدين لم يستطيعوا قضاءه لضيق ذات اليد. تدعو الآيات الكريمة المقرضين المرابين إلى التخلّي عن مخلّفات الديون المستحقّة لفائدة المدينين واسترجاع أصل الدين دون زيادة، مع التساهل في استخلاصه في انتظار تيسّر حال المدين. بل وأكثر من ذلك، يحثّ الخالق الرحيم من خلال هذه الآيات على التصدّق بأصل الدّين مبيّنا الخير من وراء تلك الصدقة لمن يرجو لقاء الله ويعلم أنّه سيجزى بعمله في الآخرة واختار أن يتقي سوء العاقبة. 

مع وضوح النصوص القرآنية التشريعية نجد أنّ كتب الفقه تعجّ بالتفاسير العجيبة والغريبة، بل وبالترّهات. تفاسير تعجب المنافقين الذين لا تشغلهم تقوى الله ولا يهمّهم رضوانه، بل يشغلهم ما سيرى الناس عليهم من مظاهر التديّن التي يحرصون على الظهور بها  وما سيجنون من المكاسب السريعة تحت عناوين براقة فارغة من المحتوى. للأسف الشديد كثير من تلك العناوين مستخرج من آيات القرآن الكريم. أسفي ليس بسبب اعتماد القرآن كمرجع سلوكي (بل حبّذا لو يكون ذلك عندما تصدق النيّة لله) إنّما الأسف بسبب الاستعمال الخبيث للنصّ القرآني حيث  يكون كلام حقّ ولكن يراد به باطل، إذ يحرّف القول الحقّ عن معناه بالتطويع، وذلك بزيادة أحاديث ينسبونها للرسول الكريم فيقولون على لسانه ما يرغبون في إنفاذه. ذلك أنّه لا سلطة لهم في إنفاذ رغباتهم إلّا بقوّة الدين وبسلطان القرآن: كلام الله الملزم للمؤمنين…

إنّ الله يخاطب العقول والضمائر والقلوب من خلال القرآن، لذلك يكون سبيلنا هو التفكّر في أوامر الله من خلال طرح الأسئلة المنطقية وتحرّي الإجابات عنها:

سؤال عدد 1 : لماذا حرّم الله سبحانه بعض الأشياء؟ أليس من أجل دفع ضرر وجلب نفع … أم أنّ تحريم الربا استثناء لا يخضع لمنطق إحلال الطيّبات وتحريم الخبائث كما سائر المحرّمات حيث يقول الله تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ)… (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)…  ﴿157﴾(الأعراف)؟

سؤال عدد 2 : ماذا انتفع الفقراء وما هو نصيبهم من كلّ هذه المنظومة “الإسلامية” ؟ أولئك الفقراء الذين لا ضمان لهم في إرجاع المبالغ المطلوبة والذين هم في الأصل سبب تحريم الربا في التعامل عند التداين…؟  هل تتعامل هذه المؤسسات البنكية “الإسلامية” معهم، أم أنّها حكر على “الأغنياء” من المسلمين …لأننا لم نر أبدا بنكا “إسلاميّا” فتح أبوابه يقرض المحتاجين الذين لا موارد لهم تضمن إرجاع الدين ؟  وإذن فما هو الضرر الذي حرّم الله الرحيم بسببه الربا، ومن المتضرّر إن كان الفقير غير معني بالمسألة لا من قريب ولا من بعيد ؟ فإن قيل : يخصص البنك “الإسلامي” جزءا من مداخيله للصدقات، قلنا: ولكنّ الآية الكريمة تنصّ على تحريم الزيادة على دين استدانه صاحب حاجة لقضاء حاجته المتأكّدة…

سؤال عدد 3 : هل هناك معادلة تقنية  تضبط  هامش الربح بالنسبة للتجّار الذين تتعامل معهم البنوك “الإسلامية” في عمليّة البيع والشراء (على غرار المعمول به خارج المنظومة “الإسلامية”، أم أنّ المسألة مفتوحة بلا سقف ما دام العنوان تجارة؟ وقد سبق لنا مقال يفصّل المسألة بعنوان “وأحلّ الله البيع…”

سؤال عدد 4 : ما هي الفائدة التي يجنيها المتعامل مع البنك “الإسلامي” على مستوى المبالغ التي سيدفعها خلال عملية تسديد ثمن “المشتريات” مقارنة بالبنك غير الإسلامي؟ أم أنّها مجرّد شعارات لا تترجمها الأرقام خلال الدفع والقبض؟  أي هل أن المسألة مجرّد اسم يُحتال به على البسطاء حيث يشتري لهم البنك ما يرغبون في شرائه بدل أن يشتروه بأنفسهم فيكون بذلك باعهم ذلك الشيء (أحلّ الله البيع) ولم يعطهم مالا سائلا يتصرّفون فيه بحرّيّة فيختارون ممن يشترون وبأيّ ثمن ؟  أي هل أنّ معنى الآية بالنسبة للمقرض (البنك الإسلامي) أنه يحلّ له طلب نفس الكلفة الماليّة (وربما أكثر) التي تترتّب عن معاملات البنوك الأخرى، فقط يجب أن يكون ذلك عبر البيع والشراء وليس بصيغة إقراض مال ؟

سؤال عدد 5 : هل تغطّي المؤسسة البنكيّة “الإسلامية” كلّ القطاعات بالتجارة بحيث يستطيع المقترض أن يشتري ما يريد ممن يختار دون قيد في التعامل مع قائمة محدّدة من التجّار المعيّنين من طرفها؟ أي ما مدى توفّر الخيارات في الأنواع  والأثمان بالنسبة للسلع وما مدى ترك باب الرزق مفتوحا أمام كلّ التجّار في منافسة يكون الشاري فيها هو الحكم وليس الجهة المقرضة للمال؟

وغير ذلك من الأسئلة التي لا يتسع المجال لطرحها جميعا …..

إنّ المدقّق في تفاصيل الإجراءات المتّبعة خلال التعامل يجد أنه لا علاقة لما يُسمى بـ «البنك الاسلامي» بتعاليم الإسلام في باب المعاملات المالية بالإقراض والاقتراض في مفهوم الربا. فهو –كمؤسسة مالية- لا يقاوم الربا  إنّما يكرّسه تحت عناوين أخرى، بل ويدخل إخلالات إضافية على مستوى حقوق الأطراف المتعاملة معه إذا قارنّاه بالمنظومات المالية التي لا تحمل عناوين دينية. لا نقدّم صكوكا على بياض للنزاهة والنقاوة والعفاف لجملة البنوك والمؤسسات المالية من غير التي تطلق على نفسها الصفة الإسلامية، ولكنّنا نقول أنّ إطلاق الصفات والعناوين ليس هو الضامن لحسن التسيير والالتزام بالضوابط الأخلاقية في ضمان حقوق الأفراد والجماعات من المتعاملين معها والعاملين فيها، إنّما الضامن الوحيد هو كرّاس الشروط الذي ينظّم تلك المعاملات بكلّ دقّة دون أن يحيف على أحد الأطراف بحيث “تزدهر” العناوين البرّاقة  بينما لا مصداق لها في الواقع بما يصنع الفارق الإيجابي مع غيرها مما لا يطلق عليه ذلك العنوان المغري… 

خلاصة القول: لا تعدو البنوك “الإسلاميّة” أن تكون إلّا مؤسسات مالية مستحدثة لا صلة لها بمفهوم الربا الذي كان شائعا عند سكّان الجزيرة العربية قبل الإسلام. حيث كان المرابون يستغلّون حاجات الناس للمال فيقرضونهم بشروط مجحفة فيه توريط  قد يصل لامتلاك رقبة المقترض بسبب دين تراكم وعجز صاحبه عن قضائه.

إنّ حكم التحريم -الذي يضعه الخالق العظيم لمنع البشر من استغلال بعضهم البعض وظلمهم بعضهم البعض- هو مطيّة مغرية للمرائين الذين لا تعنيهم تقوى الله المحكومة بإشاعة العدل والإحسان ودرء الفحشاء والمنكر والبغي، بل يعنيهم الكسب المادّي والظهور بمظهر التقوى والورع. ولنا مثال بيّن من خلال بلدان الخليج العربي التي تنشئ بنوكا في بلاد غير المسلمين وتضخّ فيها أموالا كالسيول، بينما تمتنع عن ذلك  في البلدان العربية (و إن فعلوا فبتحفّظ واحتشام ودون نوايا جدّيّة في الدعم المالي لاقتصادات تلك البلدان) بدعوى أنّ مجتمعاتها لا تلتزم بالنظام المالي “الإسلامي”… يبدو حسب ما يفهم من موقف هؤلاء أنّ أمريكا وبريطانيا وأوروبّا عامّة هي أقرب إلى “إسلامهم”  والتزامهم “الديني” في باب المعاملات المالية من الدول العربية المارقة عن “إسلامهم”… !!!

* كاتبة وناشطة بالمجتمع المدني


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING