الشارع المغاربي – بالأرقام: ملف تهريب الأموال الخطير والإفلات من المحاسبة دفع بالبلاد إلى الإفلاس / بقلم جمال الدين العويديدي

بالأرقام: ملف تهريب الأموال الخطير والإفلات من المحاسبة دفع بالبلاد إلى الإفلاس / بقلم جمال الدين العويديدي

قسم الأخبار

14 مايو، 2021

الشارع المغاربي: تداعيات زيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن رافعا الراية البيضاء في إطار مفاوضات «استسلام» مع صندوق النقد الدولي، لا يمكن أن يخفي مسؤولية كل الحكومات والأحزاب التي ساندتها في جر البلاد إلى الإفلاس نتيجة الإمعان في التستر على التجاوزات الجسيمة التي حصلت في حق البلاد قبل الثورة وبعدها. وتتمحور هذه المسؤولية في تكريس سياسة الإفلات من المحاسبة التي تمسكت بها أهم الوجوه السياسية والأحزاب التي حكمت البلاد منذ جانفي 2011 إلى اليوم.

إن الأزمة الخطيرة التي تعيشها البلاد اليوم تطرح مسائل جوهرية من الضروري أن تُحسم بكل قوة في إطار أي مبادرة قادمة سيفرضها الواقع إن آجلا أو عاجلا. وفي مقدمتها طرح مسألة دور الدولة بصفتها الضامن الوحيد للسيادة الوطنية والضامن الوحيد لضمان حقوق كل فئات الشعب في العيش الكريم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. بمعنى أوضح هل يحق اليوم لأي حكومة أن تتنصل من مسؤولياتها الجسيمة في الإخلال بالموازنات المالية الخارجية للبلاد بطريقة تتنافى مع كل المواصفات الدولية التي يحددها ميزان الدفوعات وتحديد الوضع الخارجي العام مع بلدان العالم. وأن تتستر على توريد فاق كل تجاوز معقول مترابط مع نزيف تهريب الأموال إلى الخارج ومع إُمعان في تمويل كل هذه التجاوزات المهلكة باللجوء المدمن للقروض الخارجية بعملات أجنبية تعتبر من أعتى العملات في العالم.

المنطق السليم يقول لا يمكن أن تتصرف دولة بهذه الطريقة خاصة إذا تعلق الأمر بدولة مثل تونس التي اكتوت في القرن التاسع عشر بنار المديونية التي تسببت في استعمار مباشر للبلاد بقوة السلاح. الواقع اليوم في تونس يؤكد بكل أسف أن ما جرى خاصة بعد الثورة هو نفس السيناريو القديم الجديد. نحن في دولة لا تنتج إلا القليل ولا تصدر إلا ما دأبت عليه منذ عدة قرون: زيت الزيتون والقوارص وبعض المواد الغذائية والفسفاط وقليل من مواد البناء التي يتم تسويقها بالأساس في البلدان الشقيقة المجاورة. بالمقابل تمعن في توريد كل الكماليات حتى قبل الضروريات.

هذا ما تثبت إحصائيات التجارة الخارجية المتعلقة بالثلاثي الأول لسنة 2021 التي أصدرها المعهد الوطني للإحصاء والتي أثبتت أن تونس استوردت بما قيمته 944 مليون دينار سيارات خاصة في الوقت التي أظهرت عجزا في توفير اللقاح المضاد لفيروس كورونا وتوفير التجهيزات الضرورية كأجهزة التنفس المتعلقة بهذه الجائحة العالمية التي تحصد في أرواح الشعب التونسي. كيف يتم الكيل بمكيالين عندما تصبح الدولة في خدمة اقتصاد الريع لسائل أن يسأل لماذا هذا التصرف غير المعقول. والجواب حول هذا المثال هو أن الدولة فقدت السيطرة على قراراتها السيادية. كيف ذلك: قامت بخصخصة كل نيابات توريد السيارات لمجموعات خاصة أغلبها يملك بنوك تابعة له ويقرر توريد السيارات عبر استنزاف رصيد الدولة من العملة الأجنبية التي توفرها عن طريق القروض الخارجية.

هذه القروض تتحصل عليها الدولة من ممولين معنيين بتصدير بضائعهم لضمان الدورة الاقتصادية لديهم أغلبهم من الاتحاد الأوروبي ومن بلدان أسيا الشرقية مثل اليابان بصفتهم أهم مصدر للسيارات. كما تعتمد الدولة للخروج للسوق المالية إذا ما استطاعت إليه سبيلا لتوفير العملة الأجنبية لتوريد الكماليات من المواد الاستهلاكية التي فُتحت لها فضاءات تجارية ذات علامات فرنسية بالأساس باهضة الكلفة. أحسن مثال على ذلك القرار الأخير لوزير التجارة ووزير الصناعة بالنيابة أيضا بتقديم ترخيص لجهة معينة بالطبع لفتح فضاء تجاري بمدينة صفاقس. هذا الفضاء سيسوق بضاعة استهلاكية أغلبيتها مستوردة.

يجري هذا التصرف في بلد في حالة إفلاس وعاجز على توفير سداد خدمة الدين الخارجي. بمعنى وزير تجارة على المقاس ليمكن اللوبيات من تحقيق برامجهم الريعية. تأكيدا عل ذلك، التراجع عن إغلاق الفضاءات الكبرى الذي اتُخذ بسرعة فائقة على أعلى مستوى عند إعلان إعادة الحجر هو دليل واضح على قدرة ثلاثة أطراف معنية بالموضوع متنفذة ولا ترد طلباتها. في نفس اليوم يتم غلق السوق المركزية بالقوة العامة والحال أنه فضاء عام تقتات منه عائلات كثيرة وبدون مراعاة إمكانية بضاعة قابلة للإتلاف.

هذا ما يحدث في تونس بكل بساطة في بلد شعبها يئن جوعا وحرمانا وشبابها يلوذ إلى الهجرة السرية الانتحارية من فرط اليأس في وجود عمل يمكنه من العيش الكريم. وحكومة تعمل لصالح مجموعات متنفذة وهي التي أوصلتها إلى السلطة بوساطة منظمة الأعراف التي هجرها كل صغار المهنيين والحرفيين وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة لأنها اختارت أن تكون نادي للمحافظة على مصالح الاقتصاد الريعي ولممثلي اللوبيات في خرق صارخ لقانونها الأساسي الذي يتعهد بحماية كل منخرطيها.

في نفس سياق الكيل بمكيالين نحن نعلم أن الحكومات المتتالية شيطنت إلى حد التشنيع صندوق الدعم (إذا ما وجد حقيقة وهذا موضوع ثان يدخل في خانة المغالطات الكبرى) الموجه للشعب التونسي وتعهدت برفعه كليا في مُوفى سنة 2024. ولكن وزير التجارة المحترم قرر مؤخرا إسناد دعم لتصدير الحليب ومصبر الطماطم ليتمتع به المستهلك الأجنبي والمصدر المحلي على حساب الفلاح التونسي والمستهلك التونسي. رفعوا 100 مليلم دعم على لتر الحليب للمستهلك التونسي ليستفيد المستهلك الأجنبي ب 405 مليمات دعم. إذا ما عرفنا السبب بطل العجب يكفي كشف أسماء مصدري الحليب والمصبرات. تعريف العلاقة بين صندوق النقد الدولي والدول المساهمة فيه تم تعريف صندوق النقد الدولي عند تكوينه بصفته «المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي – أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة.

ويستهدف الصندوق منع وقوع الأزمات في النظام عن طريق تشجيع البلدان المختلفة على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة، كما أنه بصفته صندوق مساهمة لكل الدول المنخرطة يمكن أن يستفيد من موارده الأعضاء الذين يحتاجون إلى التمويل المؤقت لمعالجة ما يتعرضون له من مشكلات في ميزان المدفوعات. تتضمن الأهداف القانونية لصندوق النقد الدولي تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، وإجراء تصحيح مُنظّم لاختلالات موازين المدفوعات التي تتعرض لها البلدان» من خلال هذا التقديم يتبين أن الكلمات المفتاحية تتلخص في: أنه يُشجّع على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة وذلك لتفادي الوصول إلى مشكلات في ميزان الدفوعات أنه يقوم بتدعيم الثقة لدى البلدان الأعضاء، ويتيح استخدام موارده العامة مؤقتاً بضمانات كافية، كي تتمكن من تصحيح الاختلالات في موازين دفوعاتها دون اللجوء إلى إجراءات مضرة بالرخاء الوطني أو الدولي. سياسة اقتصادية تونسية غير سليمة بكل المقاييس انطلاقا من هذه المعطيات يتبين بكل وضوح أن الدولة التونسية لا تعتمد سياسة اقتصادية سليمة كما بيناه سابقا. بما أنها لا تعتمد اقتصاد منتج يوفر حاجيات البلاد الداخلية وينشط في التصدير ليضمن التوازنات المالية الخارجية ويقلص من الاعتماد على التداين الخارجي إلا للاستثمارات التي تتبين جدواها في تطوير القيمة المضافة وخلق الثروة لضمان خلاص الديون الخارجية في آجالها.

من هذا المنطلق وبالرجوع لدور صندوق النقد الدولي فإن الحكومات التونسية أخلت بدورها والتجأت إلى الإدمان على القروض الخارجية بطريقة لا تنم عن روح المسؤولية الوطنية وجعلها محل نقد وإنذار من طرف المؤسسات المالية العالمية. كما أنها ارتكبت تجاوزات جسيمة عبر اعتماد ميزان دفوعات لا يتطابق مع المعايير الدولية عبر احتساب المبادلات التجارية الخارجية لبضائع ليست على ملك ذوات مقيمة مما يعتبر مخالفة كبرى.

وفي هذا الباب يتحمل البنك المركزي مسؤولية جسيمة في هذا الموضوع وفي مسألة الاموال المهربة للخارج لأنه يمثل الطرف المؤمن على التوازنات المالية الخارجية وعلى التصدي لكل التحويلات المشبوهة التي تعد ما يناهز 60 مليار دولار أمريكي مرصودة في الخارج أي ما يعادل تقريبا ضعف المديونية الخارجية للبلاد. وهو مدعو للتدارك ومصارحة الشعب التونسي حول هذا المواضيع المصيرية خاصة وأن البلاد في حالة إفلاس لا شك فيه.

وحول موضوع المصارحة نريد أن نشيد بكفاءات المعهد الوطني للإحصاء ونطالب بالمناسبة إلى تحييد هذه المؤسسة الرائدة بزادها البشري المتألق ومنحها الاستقلالية في شكل ديوان وطني مستقل ليتحمل مسؤولية أداء مهامه الوطنية لتوفير الإحصائيات بكل شفافية بعيدا عن كل الضغوطات التي يتعرض لها مثلما يجري حاليا. الحكومة مطالبة بكل إلحاح بمصارحة الشعب التونسي حول حقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في هذا الباب سوف نتعرض إلى موضوعين اثنين تفند ما يتم تداوله بطريقة منافية للواقع المثال الأول يتعلق بالوظيفة العمومية من ناحية العدد والكلفة نعرض جدولا تم نشره في سنة 2015 من طرف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE يثبت أن البلدان الأوروبية والولايات المتحدة لديها وظائف عمومية مقارنة بعدد السكان أعلى بكثير مما هو عليه الأمر في تونس حيث نسبة الوظائف في تونس سنة 2018 لا تتعدى 55 موظف لكل ألف شخص مقابل 159 في النرويج و89 في فرنسا و80 موظف في بريطانيا و75 موظف في بلجيكا و70 موظف في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا الجدول يفند كل المغالطات التي تصدر من الحكومات المتعاقبة وكذلك من طرف المؤسسات المالية العالمية ومن الاتحاد الأوروبي حول عدد الموظفين في القطاع العمومي والذي يتبين أنه أقل بكثير من كل النسب المعتمدة في الدول المتقدمة. أما عن كتلة الأجور فإننا نستغرب من ادعاء صندوق النقد الدولي بأنه أعلى كتلة في العالم والحال أن معدل الأجر الشهري في تونس حسب معهد الإحصاء الوطني لا يتجاوز 800 دينار أي ما يعادل 242 يورو شهريا.

كما أن اعتماد نسبة كتلة الأجور على الناتج الداخلي الإجمالي لا يستقيم بتاتا لأن هذا الأخير في حالة ركود منذ عشر سنوات بمعدل سنوي في حدود 1,7 بالمائة بينما العملة الوطنية شهدت انهيار بنسبة 74 بالمائة؟ المثال الثاني يتعلق بالمؤسسات العمومية مثال الشركة التونسية للكهرباء والغاز تطور الأعباء المالية والخسائر وأعباء الأجور بالمليون دينار بين سنة 2015 وسنة 2018 المصدر التقارير السنوية للشركة التونسية للكهرباء والغاز التي تبين فداحة دفع الشركة للتداين بالعملة الأجنبية مع تحميلها مخاطر الصرف بمعنى واضح يُمنع على المؤسسات العمومية الإستراتيجية القروض بالدينار التونسي وتُدفع للتداين بالعملة الأجنبية مع تحميلها لمخاطر الصرف مما جعل أعباء القروض ترتفع من 150 مليون دينار سنة 2015 إلى 534 1 مليون دينار سنة 2018 أي بزيادة بعشرة أضعاف مما انجر عليه مباشرة ارتفاع الخسائر من 23,8 مليون دينار سنة 2015 إلى 093 2 مليون دينار سنة 2018 أي 88 ضعف. بينما كتلة الأجور لم ترتفع إلا في حدود %13,7 فقط أي بمعدل سنوي بنسبة %4,5 وهي نسبة لا تغطي نسبة التضخم المعلنة رسميا التي جاوزت %7. وعدد الموظفين تقلص في نفس المدة. مما يفند شيطنة كتلة الأجور والحوكمة في المؤسسات العمومية.

هذا الجدول جدير بأن تفتح فيه النيابة العمومية المختصة تحقيقا من أجل سوء التصرف والخيانة العظمى في حق مؤسسة عمومية وطنية إستراتيجية تُوفّر الطاقة لعامة المواطنين وعامة المؤسسات والمرافق العمومية بما فيها ألأمن القومي العسكري والأمني الداخلي والأمن الصحي في وضع جائحة عالمية وكذلك التعليم والامن الاقتصادي عامة. هذه الامثلة الدقيقة تبين بوضوح وجود تجاوزات جسيمة بعضها يرتقي إلى تهم خطيرة في حق الوطن. لذلك نطالب من هذا الحكومة والبنك المركزي بالدرجة الأولى من هذا المنبر بضرورة مصارحة الشعب التونسي حول المؤشرات الحقيقية للوضع الاقتصادي في البلاد وهو بالمناسبة ما طالب به صندوق النقد الدولي في تصريحه الأخير. والتي تستدعي حتما الإسراع في اتخاذ قرار وطني للمطالبة بجدولة الديون الخارجية لاستحالة تسديدها. مع الإسراع في اتخاذ قرارات من أجل وقف نزيف التوريد الفوضوي والعمل على الرجوع التدريجي للتوازنات المالية الخارجية عبر تشجيع الإنتاج الوطني وهو السبيل الوحيد لخلق القيمة المضافة والتشغيل وتخليص البلاد من سطوة لوبيات التوريد الهدامة.

Aucune description disponible.
Aucune description disponible.

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING