الشارع المغاربي: هل تحتاج الثورة التونسية مع انتهاء عشريتها الاولى الى تصحيح مسارها ام الى استكماله ؟ يبدو ان مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل حول الحوار الوطني والتي تمت صياغتها بخلفية استكمال المسار في جانبيه الاقتصادي والاجتماعي وتعديله في جانبه السياسي تواجه محاولة تحويل وجهة من طرف رئاسة الجمهورية بعد تردد في القبول بها وذلك في اتجاه تصحيح مسار الثورة الذي انحرف عن الحرية والكرامة والشغل كاستحقاقات اساسية للثورة اضافة الى الشروط المسبقة حول المشاركة في اتجاهين رفض الجلوس مع الفاسدين وتشريك الشباب وفق معايير تحدد لاحقا.
وحتى نضع النقاط على الحروف فقد كان ولا يزال مسار الثورة التونسية تمييزه السلمية والحوار كآليتين اساسيتين لادارته بدل الاقصاء والفوضى وقد مرت البلاد بمحطات حوارية مهمة مكنت من تجاوز مطبات عويصة طيلة العشرية الماضية واهمها الحوار الوطني سنة 2013 سبقته حوارات في السنة الاولى في اطار هيئة تحقيق اهداف الثورة ماعرف بهيئة بن عاشور ثم في المجلس التاسيسي اثناء كتابة الدستور ثم بين مكونات الحكم والمعارضة منتصف 2013 ثم في نفس الفترة بدعوة من اتحاد الشغل .
كما تلت الحوار الوطني حوارات متعددة في عهدة 19/14 نظمتها رئاسة الجمهورية فيما عرف بقرطاج 1 وقرطاج 2. فما الذي تغير حتى يخرج الحوارعن اطاره ويصبح مشروطا؟ ومع الاقرار بضغط الواقع و تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية بسبب غياب المنوال التنموي وثقل ارث منظومة ما قبل الثورة و مزيد استشراء الفساد وتوسعه وضعف المنظومة الجديدة للحكم فان ذلك يحتاج الى سياسات اصلاحية واضحة وارادة قوية قادرة على انفاذها .
فتونس الديمقراطية اليوم ليست في حاجة الى العودة الى منطق الاقصاء الفوقي الذي لم يجد في الماضي ولن يجدي في المستقبل فالحوار الجاد والمسؤول بين كل من فوضهم الشعب للحكم باسمه مبدأ لا يجب التراجع عنه ولا التهاون في التمسك به والقبول باشتراطات لن تزيد الامر الا تعقيدا بل ستؤبد الازمة وتعمق اليأس لدي الرأي العام الذي سيحمل المسؤولية للجميع دون استثناء ولا يسعد احد بشعبية في وضع مهدد بالانهيار .
فلا احد طلب من رئيس الجمهورية الجلوس مع الفاسدين ولكن من يحدد فسادهم من عدمه أليس القضاء؟ ثم كيف يتم اقصاء اطراف انتخبها الشعب من حوار وطني نراهن من خلاله على انقاذ اوضاعنا بعيدا عن المزايدات الشعبوية والانتخابوية ان دور السيد رئيس الجمهورية مهم في هذه المرحلة لتجميع التونسيين وتوحيدهم حول المحافظة على البناء الديمقراطي وتطويره نحو تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي .
اما الجهة الداعية الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يمثل المدرسة الاولى للديمقراطية في بلادنا فعليه تجنب الانسياق في الاقصاء والقبول بمشاركة الاطراف الممثلة في البرلمان دون استثناء الا من اقصى نفسه ومهما كانت خلفياته وهذا من شانه ان يدعم موقع الاتحاد ودوره الوطني ودور قيادته وخاصة الاخ الامين العام الذي يهمه كما يهم كل معني بالشأن الوطني وبنجاح مسار البناء الديمقراطي نجاح مبادرة الحوار فلا حل للخصومات الا بالحوار بدل الرهان على الاحتراب والفوضى .
فنجاح المبادرة نجاح للامين العام ولقيادة الاتحاد مرة اخرى في المساهمة في انقاذ الثورة والديمقراطية . اما مشاركة الشباب والجهات في الحوار التي تطرحها الرئاسة فمن حيث المبدأ لاحد يرفضها لكن من حيث تنزيلها تكاد تكون مستحيلة وستعقد الموضوع وتدخله في دوامة يصعب الخروج منها فمن سيمثل الشباب واي شباب التلمذي ام الجامعي ام العاطلين ام الموظفين ؟ام شباب الاحزاب ام المنظمات ام الجمعيات ؟؟ووفق اية معايير ؟؟ وكذلك الجهات فمن سيمثلها ؟وعلى اي أساس؟ لقد قيل ان المعايير ستحدد لاحقا فمن سيحددها ؟هل ستحددها الرئاسة؟ وبأي حق؟ وهل الرئاسة طرف في الحوار ام جهة مؤطرة له وعلى نفس المسافة من الجميع؟ هذا الشرط الصادر عن الرئاسة لا يتنزل الا بوضوح تام من الرئاسة بانها ستختار من يمثلها في الحوار كطرف تريده ان يكون من الشباب او من غيره من الفئات ووفق مزاجها دون معايير الا الولاء الذي يبدو انه متوفر في ما يسمي بالتنسقيات وهذا نسف للمبادرة من جذورها وقد تكون الصيغة التوفيقية الامثل لتجاوز هذا العائق في تحديد نسبة مشاركة للشباب في وفود أطراف الحوار .
اما الحديث عن تصحيح مسار الثورة بعد ان انحرف فلا معنى له في بلد نظامه السياسي ديمقراطي معترف به دوليا ويحظى بدعم رغم مروره بصعوبات سياسية في علاقة بمنظومة الحكم خاصة في علاقة بالقانون الانتخابي وتعديل بعض القوانين واستكمال بناء المؤسسات ثم في علاقة بالمنوال التنموي والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى وارادة انفاذها .
فما الداعي للتصحيح الذي يوحي بتخطئة كل المنتظم السياسي دون استثناء ويذكرنا بحركات التصحيح في حقبة ستينيات القرن الماضي والتي كانت ولازالت عناوين استبداد ودموية .
ان ثورتنا وهي تحتفل بذكراها العاشرة ستستمر وتحقق اهدافها في الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي والاجتماعي بدماء شهدائها وتضحيات أبنائها ويقظة شعبها ووعيه وصبره ومثابرته واصراه على النجاح على طريق الديمقراطية بدل اوهام الفوضى المغلفة بنزعات التحكم والتسلط والاستبداد. سنحتفل بالذكرى العاشرة الثورة وستتواصل احتفالاتنا مرددين ما شدى به فنان الحرية والثورة الشيخ امام عيسى: /فرحانين فرحانين فرحانين**كل ثورة واحنا دايما فرحانين.
محسن النويشي : عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة