الشارع المغاربي – أصبحت عاجزة عن شراء قطع الغيار: توقيع اتفاقية السماوات المفتوحة سيفضي لنهاية الخطوط التونسية

أصبحت عاجزة عن شراء قطع الغيار: توقيع اتفاقية السماوات المفتوحة سيفضي لنهاية الخطوط التونسية

قسم الأخبار

28 فبراير، 2020

الشارع المغاربي-جنات بن عبد الله: أكد وزير السياحة والنقل بالنيابة روني الطرابلسي يوم الاثنين 17 فيفري 2020 خلال جلسة استماع عقدتها لجنة شؤون التونسيين بالخارج في البرلمان خصصت لاستعدادات كل من شركة الخطوط التونسية والشركة التونسية للملاحة لعودة التونسيين بالخارج، أن الاتحاد الأوروبي قد يوقع اتفاقا بخصوص السماوات المفتوحة مع تونس خلال شهر مارس المقبل. وأضاف، بكل بساطة وبطريقة تخفي حقيقة المخاطر التي تهدد الناقلة الوطنية الوحيدة والتي كانت مفخرة البلاد في يوم من الأيام قبل التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995، أن تونس جاهزة لذلك وانه مانع لدى الخطوط التونسية لتوقيع الاتفاقية.

لم يتوقف روني الطرابلسي عند هذا الحد للتسويق لهذه الاتفاقية بل أضاف بالقول إنها ستسمح للناقلة الوطنية بتحسين جودة خدماتها، وكأنه أراد أن يقنع السادة النواب والشعب أن الناقلة الوطنية قادرة على منافسة شركات الطيران الأوروبية العملاقة لنقل الركاب والبضائع.
اتفاقية السماوات المفتوحة هي في حقيقة الأمر أحد بنود مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق المتعلق بتحرير خدمات النقل الجوي. الطريقة التي أعلن بها وزير النقل بالنيابة موعد توقيع الاتحاد الأوروبي الاتفاقية مع تونس، والحال أن البروتوكول يفرض تقديم تونس على الاتحاد الأوروبي، توحي بأن السلطات التونسية قد استكملت كل الإجراءات ووفرت كل الشروط المالية والبشرية للناقلة الوطنية لمواجهة المنافسة مع شركات طيران دول الاتحاد الأوروبي للمرور لمرحلة التوقيع.
من سياسة التعتيم…الى سياسة المغالطة
انطلقت المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي حول تحرير النقل الجوي في إطار ما يسمى باتفاقية السماوات المفتوحة منذ سنة 2002 وذلك ضمن مسار الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي الذي انطلق في سنة 1969 وأخذ شكله النهائي في سنة 1995 بالتوقيع على اتفاقية الشراكة، التي تتعلق في مرحلة أولى، بتحرير المبادلات التجارية للمنتوجات الصناعية بعد بعث المنظمة العالمية للتجارة المنظمة للعلاقات التجارية متعددة الأطراف بمراكش في سنة 1994.
وقد عرفت المفاوضات الثنائية في مجال تحرير خدمات النقل الجوي منذ ذلك التاريخ تعثرا بسبب الانتقادات التي وجهتها أطراف نقابية تونسية تتعلق بتأثيرات الاتفاقية المباشرة على الناقلة الجوية الوطنية التي تعاني من صعوبات مالية لتنطلق المفاوضات من جديد في سنة 2008 ولكن بشأن تفعيل الاتفاقية باعتبار أن السلطات التونسية قد شرعت بعد في تحرير خدمات النقل الجوي مع شركات فرنسية.
مباشرة بعد 14 جانفي 2011 ومع حكومة حمادي الجبالي انطلق التفاوض من جديد بين الطرفين التونسي والأوروبي ليتم في شهر ديسمبر 2017 وفي غياب الإفصاح عن فحوى نتائج المفاوضات، التوقيع على محضر اختتام المفاوضات بحضور المفوضة الأوروبية للنقل فيولتا بولك ووزير النقل أنذاك رضوان عيارة وسفير البعثة الأوروبية بتونس برغميني. واقتصر الاعلان على بيان مقتضب يشير الى أن هذه الاتفاقية تتضمن تحرير النقل الجوي، مسافرين وبضائع، بما يعني فتح المجال الجوي التونسي أمام شركات الطيران الأوروبية ورفع كل القيود على سعة الطائرات، وعدد الرحلات، وجدول الخطوط الجوية ومطارات الانطلاق والوصول وتحرير تعريفات النقل.
وباعتبار أن هذه الاتفاقية تأتي في إطار منطقة التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي (ALECA)، عكس اتفاقية شيكاغو 1944 التي تقر بسيادة الدولة الوطنية على الفضاء الجوي تتجه هذه الاتفاقية نحو سحب الدولة التونسية سيادتها الشاملة والمطلقة على فضائها الجوي وسحب حقها في أن تكون لها شركة طيران وطنية وذلك من منطلق أن السيادة الوطنية تقتضي وضع تنظيم مقيد للمجال الجوي، وان التحرير يلغي كل القيود، كما تقتضي السيادة الوطنية أيضا وجود شركة طيران وطنية تحمل اسم البلد وعلمها، ومع شركة مثل الخطوط التونسية ضعيفة فان احتمال بقائها يبقى وهما.
الهرولة المفخخة

ولئن تقوم اتفاقية السماوات المفتوحة على مبدأ التبادلية، بمعنى أن البلدان الأوروبية سترفع من جهتها القيود أمام نفاذ الناقلة التونسية الى الفضاء الجوي الأوروبي، باعتبار أن هذا المبدأ هو أحد المبادئ الأساسية لأحكام اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة بما في ذلك الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات التي تشمل خدمات النقل الجوي، فإن حالة عدم التكافئ بين بلد معزول مثل تونس وتكتل اقتصادي قوي مثل الاتحاد الأوروبي، تفرض طرح تساؤلات حول أسباب هرولة الحكومة التونسية نحو التوقيع على الاتفاقية في مارس المقبل لتدخل حيز التنفيذ الفعلي، وحول أسباب اقتصارها على استثناء وحيد يتمثل في استثناء مطار تونس قرطاج من فتحه أمام الشركات الأوروبية لمدة محدودة، على خلفية إعطاء الناقلة الوقت الكافي لاستكمال مخطط إصلاحها واستعادة توازناتها المالية والحال أنه بإمكان الحكومة طلب مزيد من التريث وإعطاء الوقت للنواب الجدد لدراسة الملف.
وفي هذا السياق نتساءل بخصوص التقدم الذي حققته وزارة النقل من أجل انقاذ الناقلة الوطنية المهددة اليوم بالإفلاس خاصة أنه حسب احصائيات المعهد الوطني للإحصاء سجل عدد مسافري الناقلة الوطنية خلال الثلاثي الرابع من سنة 2019 تراجعا ب 7.7 بالمائة بما يوحي بتعمق الأزمة المالية للشركة الوطنية التي بلغت درجة العجز عن اقتناء قطع الغيار لعدم توفر العملة الصعبة.
اتفاقيات على مقاس الشركات العملاقة
تستند اتفاقية السماوات المفتوحة الى اتفاقية شيكاغو الرئيسية للنقل الجوي التي تم إقرارها في سنة 1944، والاتفاقية المكملة لها المتعلقة بمجموعة من الحقوق أطلق عليها الحريات الجوية الخمسة لتشكل أرضية للقانون الجوي الدولي.
وبإرساء النظام التجاري متعدد الأطراف ببعث المنظمة العالمية للتجارة جاءت الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات التي تشمل خدمات النقل الجوي وإخضاع سوق النقل الجوي الى أحكام هذه الاتفاقية التي تتسم بإلزامية التنفيذ والاعتماد على التحكيم الدولي لفض النزاعات بين الدول والشركات الأجنبية. وفي ظل التقدم الصاروخي الذي حققته حكومة الشاهد في إرساء الإطار التشريعي والقانوني لمشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق من خلال تمرير الاطار القانوني لتحرير القطاع الفلاحي ممثلا في قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات، وتحرير قطاع الخدمات ممثلا في القانون الافقي للاستثمار وتحسين مناخ الاعمال، نفهم اليوم خفايا تصريح وزير النقل بالنيابة الذي يؤكد استعداد تونس للتوقيع على اتفاقية السماوات المفتوحة وعدم الإشارة الى انعكاسات ذلك على الناقلة الوطنية التي تبقى أحد رموز السيادة في المجال الجوي وجب حمايتها، ودون الإشارة الى مستقبل تموقع تونس في السوق العالمية للنقل الجوي.
في انتظار تحرك القوى الوطنية في البرلمان
فقبل تحرير خدمات النقل الجوي في اطار الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات، أي في اطار اتفاقية شيكاغو 1944، تمارس الدول سيادتها الشاملة والمطلقة على فضائها الجوي بمعنى أنه بإمكانها تطبيق سياسات حمائية لناقلتها الوطنية عبر فرض قيود على أنشطة وعمليات شركات الطيران غير الوطنية العاملة على أراضيها ووضع بعض العقبات أمامها للنفاذ الى السوق المحلية في اطار اتفاقيات ثنائية تحدد مثلا عدد الرحلات… أو ضبط مطارات الإقلاع أو النزول …حيث تتجسد حماية الناقلة الوطنية من المنافسة من خلال عدم منح دولة الناقلة بعض حريات النقل الجوي الستة للشركات الأجنبية، ومن خلال تحديد عدد رحلات الناقلة غير الوطنية وضبط أوقات هبوطها في مطاراتها.
وبتطبيق اتفاقية السماوات المفتوحة تفقد الناقلة الوطنية احتكارها للخدمات المباشرة وغير المباشرة في مجال النقل الجوي كما أنها تفقد كل أشكال الدعم من الدولة لمساعدتها على مواجهة المنافسة. ولئن تروج السلط التونسية مزايا عدة لاتفاقية السماوات المفتوحة مثل تحسين جودة خدمات الناقلة الوطنية وتنمية حركة السياحة …فان ذلك يبقى مردودا عليها باعتبار ضعف الموقف التنافسي لشركة الخطوط التونسية، ليس فقط على المستوى الأوروبي، بل على المستوى الافريقي حيث نجد الخطوط الجوية الاثيوبية في المرتبة الأولى ثم الخطوط المصرية فالخطوط المغربية، ولا على المستوى العربي حيث نجد الخطوط الخليجية وفي مقدمتها الاماراتية التي دخلت في مواجهة مع شركات الطيران الأوروبية التي اتهمتها بالاستحواذ على نسب أكبر من المسافرين بفضل جودة خدماتها مما تسبب لها في خسائر كبيرة ونذكر في هذا السياق رفض ألمانيا منح «طيران الامارات» حقوق نقل جوي الى مطارات داخلية في مدينة برلين مثلا.
وفي ظل التحديات والتهديدات التي سيفرزها تطبيق اتفاقية السماوات المفتوحة بين تونس والاتحاد الأوروبي، وباعتبار هشاشة الوضع المالي لشركة الخطوط التونسية فان البرلمان مطالب اليوم بالاحتكام الى دراسات حقيقية حول تداعيات هذه الاتفاقية على الناقلة الوطنية وعلى سيادتنا على الفضاء الجوي والبحث عن صيغ أفضل للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي في إطار تكتل عربي أو افريقي أو مغاربي بما يمنح تونس قدرات تفاوضية أفضل.
الحريات السماوية
وضعت اتفاقية شيكاغو 1944 للنقل الجوي حريات ستة في مجال النقل الجوي الدولي وهي كما يلي:
– الحرية الأولى: حق الطيران فوق دولة أجنبية دون الهبوط،
– الحرية الثانية: حق التوقف بالبلد للتزود بالوقود أو للصيانة في الطريق الى جهة أخرى دون تحميل أو تنزيل المسافرين أو الشحن،
– الحرية الثالثة: حق نقل المسافرين من دولة الناقلة الى دولة أخرى،
– الحرية الرابعة: حق حمل المسافرين أو الشحن من دولة أجنبية الى دولة الناقلة،
– الحرية الخامسة، حق نقل المسافرين والشحن بين دولة أجنبية ودولة ثالثة، – الحرية السادسة: حق نقل المسافرين والشحن من دولة أجنبية وعبر دولة الناقلة الى دولة ثالثة.
ملاحظة: لا بد من التعامل بكل حذر مع مفهوم «الحرية» و»منح حق» لشركة طيران أجنبية من قبل الدول النامية مثل تونس، فهذه المفاهيم وضعتها الدول المتقدمة لشركاتها العملاقة للطيران لفرض تنازل البلدان النامية عن سيادتها تحت مفاهيم ملغمة.
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في العدد الصادر بتاريخ الثلاثاء 25 فيفري 2020

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING