الشارع المغاربي – "إذا جاء نصر الله والفتح......" - قرآن كريم 110 "النصر"1 / بقلم: الصادق بلعيد

“إذا جاء نصر الله والفتح……” – قرآن كريم 110 “النصر”1 / بقلم: الصادق بلعيد

قسم الأخبار

1 مايو، 2024

الشارع المغاربي: جاء في القرآن العزيز آية كريمة تقول: “… من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا…(5 المائدة 34) [1]. هذه الآية الكريمة دليل على ان بني إسرائيل هم من أول من تلقوا انذارا إلهيا من عاقبة الاعتداء على النفس “…بغير نفس أو  فساد في الأرض”. كما نزّل عز وجل حكم الرحمة الثوري الذي حرّم منذ ذلك العهد الثأر المفرط فيه فقال بكل شدّة: ” وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين ….فمن تصدّق به فهو كفارة له”.  ثم ختم حكمه بالتذكير  بإنذاره فقال: ” ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون” (5 المائدة 47).

بعد هذ التشريع الإلهي جاء ما شرّع العباد في ما يسمى اليوم “القانون الجنائي” فاستلهموا منه مبدأ الرحمة والمسامحة كأساس لأحكامهم ووضعوا المجلات القانونية وألّفوا المدونات ونصبوا لتطبيقها ولردع الجرائم العديد من المحاكم العامة والمتخصصة الوطنية والدولية منها وكأن البشرية بذلك دخلت عصر الحضارة والإنسانية…

إلا أن الإجرام والإجرامية انتشرا مؤخرا وكأنهما أصبحا جزءا من حضارتنا بوحشية تجاوزت وحشية ملك الغاب الذي لا يفترس الا إذا جاع وإن  شبع اكتفى بذلك وقَالَ. لكن تختلف الحال مع  البشرية وبالخصوص اذا تحضرت: فهم من اخترعوا وسائل القتل وأدوات الإبادة كلّها بدقّة فائقة وبسرعة مذهلة… وفي أغلب الحالات يصبح اكثرهم تقدّما اكثرهم توحشا لاستسهالهم القتل والتدمير والإفساد. فالعميد “بول تيبت” والنقيب “كرميت بيتران” اللذان امرا بألقاء القنابل الذرية على “هيروشيما” و”ناغازاكي” رجعا الى وطنهما “‘فرحَين مسرورَين” بعد قتلهما اكثر من مئاتي ألف ياباني… وأجرم الأمريكان في كوريا وفي فيتنام وما راود الندم ضمائرهم عمّا فعلوا… كما أجرمت فرنسا في الهند الصينية وفي مدغشقر وفي الجزائر وفي رواندا وكذلك إنقلترا في الهند وهولندا في إندونيسيا واليابان في الصين وألمانيا في أوروبا وفي افريقيا وروسيا في القارتين الآسيوية والأوروبية… ولا تعجب اذا اعطيت وسائل القتل والتدمير “المتقدمة” هذه الى كيان سياسي فاسق أن يأتي بما هو اكثر فسادا فيسعى  الى توسيع ترابه “من البحر الى النهر” بكل المعايير الزمنية والعسكرية والإنسانية ويرتكب اجراما شنيعا .

*- لقد قام الجيش الصهيوني بهدم وتدمير أكثر من ستين في المائة مما بني لإيواء أكثر من مليوني ونصف المليون غزاوي وقتل وأباد عشرات آلاف الضحايا شيوخا وكهولا ونساء واطفالا قتلا ودفنا ورَدمًا تحت الرُكام وتجويعا وحرمانا من العلاج والتداوي ومن الإسعاف الطبي بما في ذلك اغتيال المئات من الموظفين والأطباء والطواقم العلاجية والصحافيين.

*- والقى الطيران الإسرائيلي على رقعة أرض لا تتجاوز مساحتها الـ 360 كيلومتر مربّع ما يفوق ما اُلقي على “هيروشيما” و”ناغازاكي” من القنابل النووية وأكثر مما اُلقي من المدمرات والقنابل على كامل المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. كل ذلك زعما بمطاردة ناشطي “حماس” و”الجهاد”. ونالت كل القرى والمدن في غزة ما يفوق نسبيا ما تسببت فيه “المحرقة الأكبر” خلال الحرب العالمية الثانية التي دامت خمس سنوات….

*- واستهدفت إسرائيل شبكات المستشفيات والمؤسسات الطبية والإسعافية وكل المعدّات الجراحية والعلاجية وآلات الانقاذ كلها دُمّرت قصدا وبكل دراية. كما عمد الإسرائيليون الى اجلاء المرضى والمصابين من المستشفيات والى تهجيرهم وكأنهم قطعان من البعير…. وإن استقرّ الغزاويون في أي ملجأ كان أو اجبروا عل الرحيل فهم يلاقون الموت او التشريد المضني فُقتل منهم 35.000 نسمة وأُصيب منهم ما يقارب الـ80.000 اخرين. زد الى ذلك ما لا يقل عن 10.000 نسمة رُدموا تحت الأنقاض.

*- ولننظر بالخصوص الى وضعية النساء والأطفال لنتبيّن جحم المأساة التي يعانون منها حاليا: فالقتلى من النساء والمصابات والأرامل بعشرات الآلاف. أما الحوامل فمنهن من أجهضت أو قتلت ومن بينهن من قتلن بحملهن. وأما الأطفال فالناجون منهم من الموت والتشويه حرموا من حقهم في التعليم والتكوين وحتى من الماء والغذاء وحكم على عشرات الآلاف منهم باليُتم والتشريد والتعذيب فسجل الجيش الصهيوني رقما قياسيا في قتل الأطفال حتى ان السيد غوتيراس الأمين العام للأمم المتحدة شبّه “غزة” بـ”مقبرة الأطفال”…. وفي هذا السياق ليُسمح لنا بالترحم على روح الشهيدة “هند رجب” تلك الطفلة الفلسطينية بنت الست سنوات التي اودَى بحياتها الجنود الصهاينة في ظروف جدّ مؤلمة فباتت  رمزا لآلاف الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا في سبيل الوطن وذهبوا ضحية ظلم الصهاينة ووحشتيهم.

*- لكن بعد استشهاد “هند رجب” حدثت ضجّة كبيرة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية وحتى الصهيونية حول ظروف استشهادها فطالب العديد بفتح تحقيق محايد حولها. لكن الحكومة الصهيونية زعمت ان التحقيق الداخلي – أي الاداري – لم يفض الى أية نتيجة وآل الى دفن الملف. لكن في 24 فيفري الفارط طالب الرئيس الأمريكي إسرائيل باجراء تحقيق رسمي وموثق حول هذه المأساة. والغريب هنا ان الرئيس “بايدن” الذي لم يحرّك ساكنا بعد اغتيال الآلاف من الأطفال الفلسطينيين خوفا من إغضاب الصهاينة الأمريكان تفطّن بعد شهر ونصف من الحادثة الى ان من مصلحته مغازلة المسلمين من الأمريكان أيضا فسارع بهذا التحرك الغريب سعيا منه لكسب المزيد من الأصوات الانتخابية لا غير.

*-*-*-

رغم كل هذه الجرائم والبشاعات فإننا نقول لإخواننا الفلسطينيين ولإخواننا في جميع البلاد العربية “اصبروا صبرا جميلا” فإن “مع العسر يسرا” وإن موعده قريب ان شاء الله.

/*/* سيفاجأ الصهاينة قريبا بأنه “…سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون” (قرآن كريم 26 الشعراء 226). فرغم بعض التردد قامت المحكمة الجنائية الدولية بإعداد ملف مقاضاة جزائية ضد رئيس الحكومة ووزير الحرب ورئيس اركان الجيش الصهيوني بتهمة ارتكابهم جرائم حرب في غزة. وبمجرد نشر هذا المعلومة هرع الصهاينة لطلب المساندة من أصدقائهم وهم قليل. ولكن ومهما يكن من أمر فان اقل ما ينتظر هؤلاء المجرمون هو امكانية ملاحقتهم ولو طال الزمن والحكم عليهم بالسجن المؤبد في بلادهم…

/*/* من جهة أخرى حدث انقسام عميق داخل الكيان الصهيوني وتنامى الغضب الشعبي على الحكومة الحالية ونادى الكثير منهم بإسقاطها وطالبوا بإجراء انتخابات سابقة لأوانها.

*- لقد انتبهت الأكثرية الصهيونية الى ان دأب رئيس الوزراء الحالي على التمديد اللانهائي للحرب في غزة انما هو مناورة للإفلات من محاكمة لا مفر منها إما في المحاكم الوطنية او امام المحاكم الدولية او في جميعها. وإن المثير للغضب في المجتمع الصهيوني هو ادراكهم ان رئيس حكومتهم هو رهينة الشق السياسي اليميني المتطرف من الأحزاب الذي يبتزه لبلوغ أقصى مطالبه وحتى الجنونية منها.

*- وحتى الحليف و”الشريك” لإسرائيل في جرائم غزة أي الولايات المتحدة الأمريكية فقد بات يرتاب ويتوقّى منه لأسباب سياسية وحتى عدلية فـ”قلب الطاولة” عليه وأصبح يتوسّل الإعانة شمالا ويمينا لفرض حلّ نهائي للمأساة الفلسطينية. بل وأكثر من ذلك فها هي الولايات المتحدة تتوسل للصين التدخل لدى إيران لتضغط هذه الأخيرة على وكلائها في الشرق العربي حتى يقلّصوا من شدة ضغطهم على إسرائيل…   

*- كما تحول الرأي العام العالمي من التعاطف مع إسرائيل – ضحية “المحرقة الكبرى”… – الى التعاطف مع الشعب الفلسطيني ضحية المجزرة الإسرائيلية الشنيعة وضحية الاستهتار الصهيوني بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وبالمؤسسات الدولية بأنواعها. ولقد بلغ اقتناع الكثير من أمم العالم بعدالة القضية الفلسطينية الى اندلاع حركات الاضراب والاعتصام في العديد من البلاد الغربية التي أفرطت في مساندتها لإسرائيل مما تسبب في رد فعل معاكس من طرف النخبة الطلابية في العديد من العواصم والمدن الغربية ومساندتهم الوثيقة للقضية الفلسطينية. وليتذكر الجميع ان التاريخ يشهد على ان تمرّد الفئة الطلابية غالبا ما يكون علامةً واشارةً قويّةً على حلحلة الأزمات السياسية وغيرها: كان ذلك شأن الحركات التحرّرية في بلاد العالم الثالث مثل البلاد الإفريقية كأفريقيا الجنوبية وكينيا والكونغو والبلاد الآسيوية مثل الصين الهندية وكوريا والهند وكذلك البلاد العربية من بينها المغرب وتونس والجزائر والقارة الامريكية ومنها الولايات المتحدة مثلما شاهدنا ذلك مؤخرا.

لقد تطور ميزان العلاقات الدولية في الأيام الأخيرة لصالح القضية الفلسطينية: استفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة لم يعد لصالحها مما سينجر عنه تقلّص سيطرتها وحلفائها ورعاياها بما يعني ان من استفاد من ذلك التوازن مثل إسرائيل سيفقده الشيء الذي سيتسبب عاجلا او آجلا في تغيير كبير في المنطقة التي كانت لمدة طويلة تحت سيطرة الولايات المتحدة وطفلها المدلّل. وبالتالي فإنّا نرى ان على فلسطين ان تخطط لمستقبلها على اساس هذه المعطيات الجديدة والثورية. وانّا نرى ان المستقبل الفلسطيني ليس مرهونا في أي من التجمعات السياسية الحالية بل في ما يفرض نداء المستقبل الجديد. وبكل صراحة نقول إنه على الطاقم الذي ناضل وضحّى في سبيل تحرير وطنه ان يتخلى عن السلطة وان يفسح المجال لطاقم جديد مهمّته النظر الى المستقبل وابتكار الأهداف المستقبلية لبناء البلد على أسس جديدة ووضع المنهجية والطرق والمراحل المناسبة لخلق مجتمع جديد وطموحات متناسبة وظروف ومعطيات جديدة.

“والله ولي التوفيق…”.


.[1] – انظر الكتاب المقدس، الخروج، الأصحاح 21، الآية 23-25: “وان حصلت أذية فتعطي نفسا بنفس وعينا بعين وسنا بسن”. 

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 30 افريل 2024


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING