الشارع المغاربي – أبواب‭ ‬موصدة‭ ‬وآذان‭ ‬صمّاء‭: ‬ من‭ ‬المسؤول؟/ بقلم: الصادق بلعيد

أبواب‭ ‬موصدة‭ ‬وآذان‭ ‬صمّاء‭: ‬ من‭ ‬المسؤول؟/ بقلم: الصادق بلعيد

قسم الأخبار

8 يونيو، 2023

الشارع المغاربي: لقد‭ ‬طرقنا‭ ‬أبوابا‭ ‬كثيرة‭ ‬وأبلغنا‭ ‬صوتَنا‭ ‬إلى‭ ‬آذان‭ ‬عديدة،‭ ‬ولم‭ ‬نجد‭ ‬الا‭ ‬أبوابا‭ ‬موصدة‭ ‬وآذانا‭ ‬صمّاء‭. ‬

1-‬لنبدأ‭ ‬بذلك‭ ‬الباب‭ ‬الأكثر‭ ‬صيتا‭ ‬والأعظم‭ ‬وزنا‭ ‬والأشد‭ ‬عقلانية‭ ‬وصرامة‭ ‬وشفافية‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يقصد‭ ‬بابه‭ ‬ويلتمس‭ ‬سخاءه‭: ‬نعني‭ “‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭”. ‬في‭ ‬كنف‭ ‬تلك‭ ‬النواميس،‭ ‬يشهد‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬العالمية‭ ‬تجتهد‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬ملفات‭ ‬الدول‭ ‬المقترضة‭ ‬بل‭ ‬وتساعد‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬والزيارات‭ ‬المحلية‭ ‬والتشاورات‭ ‬اليومية‭ ‬حول‭ ‬تقديم‭ ‬ملفاتها‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الأفضل‭ ‬مثلما‭ ‬دلّت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ملفات‭ ‬قروض‭ ‬قدّمتها‭ ‬حديثا‭ ‬دول‭ ‬على‭ ‬يمين‭ ‬بلادنا‭ ‬وعلى‭ ‬يسارها‭. ‬

فما‭ ‬السرّ‭ ‬في‭ ‬تعطّل‭ ‬الملف‭ ‬التونسي؟‭ – ‬هل‭ ‬المسؤول‭ ‬فيه‭ ‬الصندوق‭ “‬الدائن‭” ‬ام‭… ‬الدولة‭ ‘‬المدينة‭’‬؟‭ – ‬الحقيقة‭ ‬القاهرة‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬لـ‭”‬الصندوق‭” ‬ضوابط‭ ‬وشروط‭ ‬يطبقها‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬بينها‭ ‬ويحترم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬كونه‭ ‬كلّية‭ ‬سياسية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬واحترامية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يملي‭ ‬عليه‭ ‬الامتناع‭ “‬المطلق‭” ‬عن‭ ‬اختراق‭ ‬تلك‭ ‬النواميس‭ ‬لخوفه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬مصداقيته‭ ‬وثقة‭ ‬الجميع‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬صفقة‭ ‬واحدة؛‭ ‬لهذا،‭ ‬فإن‭ ‬سبب‭ ‬الافتراض‭ ‬الوحيد‭ ‬للرفض‭ ‬أو‭ ‬للتسويف‭ ‬هو‭ “‬المدين‭” ‬طالب‭ ‬القرض،‭ ‬بنفسه،‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين‭ ‬متكاملين‭ ‬وواضحين‭: ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ “‬المدين‭” ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تحصّل‭ ‬على‭ ‬قروض‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ “‬الصندوق‭” ‬وأنه‭ ‬أساء‭ ‬استعمالها‭ ‬بتحويلها‭ ‬لغير‭ ‬مقاصدها‭. ‬وهذه،‭ ‬لوَحدها،‭ ‬غلطة‭ ‬لا‭ ‬تغتفر‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الثاني‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬أشنع‭ ‬من‭ ‬الأول‭: ‬العنصر‭ ‬الأول‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬دائن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬ضمانات‭ ‬موثقة‭ ‬لتأمين‭ ‬القرض،‭ ‬و‭”‬الصندوق‭” ‬كمثله‭ ‬من‭ ‬سائر‭ ‬الدائنين،‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬التونسية‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬صالحا‭ ‬وضروريا‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬وتعهدات،‭ ‬وأمهل‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭ ‬لاستكمال‭ ‬تلك‭ ‬الشروط؛‭ ‬فحصل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المتوقع،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ “‬المدين‭” ‬رفض‭ ‬تلك‭ ‬الشروط‭ ‬بتعلة‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نقاش‭ ‬فيها‭ “‬على‭ ‬الاطلاق‭”. ‬والعنصر‭ ‬الثاني،‭ ‬وهو‭ ‬اغرب‭ ‬من‭ ‬السابق،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬التناقض‭ ‬الفادح‭ ‬بين‭ ‬موقف‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬الرافض،‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭ ‬موقف‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مواصلة‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ “‬الصندوق‭” ‬على‭ ‬أساس‭ ‬شروطه،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اخرى‭.‬

وإن‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬طالع‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬وسياساته‭ ‬المتذبذبة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬هو‭ ‬انه،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬المآل‭ ‬النهائي‭ ‬لهذا‭ ‬القرض،‭ ‬فإن‭ ‬الزمن‭ ‬يجري‭ ‬ضد‭ ‬مصالح‭ ‬البلاد‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬خنَاق‭ ‬الديون‭ ‬والاستحقاقات‭ ‬المالية‭ ‬العالقة‭ ‬ببلادنا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الحالية‭ ‬والسنة‭ ‬القادمة،‭ ‬سيزداد‭ ‬ضغطا‭ ‬على‭ ‬المالية‭ ‬التونسية‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬وانه،‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشاكلة،‭ ‬فإن‭ ‬تونس‭ ‬ستخسر‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ “‬الصندوق‭” ‬ومع‭ ‬من‭ ‬وراءه‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية،‭ ‬وقد‭ ‬ينزلق‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الى‭ ‬مواجهة‭ ‬بلادنا‭ ‬للمُرّ‭ ‬الذي‭ ‬أّكرهَت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬غير‭ ‬بعيد،‭ ‬أي‭ ‬اللجوء‭ ‬الاجباري‭ ‬الى‭ “‬نادي‭ ‬باريس‭ ‬للرهانات‭”‬،‭ ‬وما‭ ‬ادراك‭ ‬ما‭ “‬نادي‭ ‬باريس‭ ‬للرهانات‭”. ‬وليعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أننا‭ ‬غير‭ ‬معصومين‭ ‬ولا‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭ ‬السوداء‭.‬

2-‬إذا‭ ‬تبين‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬مسدودا‭ ‬أو‭ ‬صعب‭ ‬فتحه،‭ ‬فهل‭ ‬سنجد‭ ‬مخرجا‭ ‬آخر‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬الأخوة‭ ‬والتضامن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التشارك‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬والتاريخ‭ ‬والقيم‭ ‬الحضارية‭ ‬؟‭  – ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الاجابة‭ ‬بدقة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬صعبة،‭ ‬ولكن‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تداوله‭ ‬من‭ ‬اخبار‭ ‬وتسريبات‭ ‬وتكهنات‭ ‬صحفية‭ ‬متواترة،‭ ‬فإنه‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬ساستنا‭ ‬حوّلوا‭ ‬اتجاههم‭ ‬من‭ ‬اقصى‭ ‬الغرب‭ ‬الى‭ ‬اقصى‭ ‬الشرق‭ ‬وذكروا‭ ‬أن‭ ‬بلدنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬الى‭ ‬اعانة‭ ‬استثنائية‭ ‬وعاجلة‭ ‬تساعد‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬سيادتها‭ ‬وحرمتها‭ ‬وسمعتها‭ ‬بين‭ ‬الدول‭. ‬لكن،‭ ‬فإنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المفاجئ‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الردّ‭ ‬إما‭ ‬بالتسويف‭ ‬واما‭ ‬بالاعتذار‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المعهودَين،‭ ‬وذلك‭ ‬بتعلّة‭ ‬وجوب‭ ‬الحصول‭ ‬المسبق‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬من‭ “‬الصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭”‬،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ “‬رد‭ ‬الراعي‭ ‬للراعية‭”‬،‭ ‬مثلما‭ ‬يقال؛‭ ‬ولا‭ ‬تأمل‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأقرب‭ ‬من‭ ‬الأقرباء،‭ ‬فإن‭ ‬ثمن‭ ‬مساعدته‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬كغيره‭ ‬اغلى‭ ‬بكثير‭ ‬كمّا‭ ‬وكيفا‭ ‬بحكم‭ ‬ان‭ ‬لكلّ‭ ‬مصالحه‭ ‬وحساباته‭.‬

3-‬إذا‭ ‬انقطع‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬بالقروض‭ ‬او‭ ‬بالإعانات‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬حظوظنا‭ ‬في‭ ‬الاستنجاد‭ ‬بالمجهود‭ ‬الداخلي؟‭ – ‬هنا،‭ ‬جاء‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يشفي‭ ‬الغليل‭ ‬حين‭ ‬قال‭: “‬لم‭ ‬يبق‭ ‬لنا‭ ‬الا‭ ‬الاتكال‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬وعلى‭ ‬قدراتنا‭ ‬الوطنية؛‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الجواب‭ ‬لا‭ ‬يفي‭ ‬بالمطلوب‭ ‬على‭ ‬الاطلاق‭ ‬‭” ‬لأسباب‭ ‬عديدة‭: ‬أولا،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬الداخلية‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬كاف‭ ‬لسد‭ ‬الحاجة،‭ ‬فلماذا‭ ‬توجهنا‭ ‬الى‭ ‬المعونة‭ ‬الخارجية‭ ‬والى‭ ‬التعرض‭ ‬الى‭ ‬أجوبة‭ ‬ومعاملات‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بسيادتنا‭ ‬وبحرمتنا‭ ‬الدولية؟‭ – ‬ثانيا‭: ‬ألا‭ ‬يعلم‭ ‬ساستنا‭ ‬ان‭ ‬عجزنا‭ ‬المالي‭ ‬يعد‭ ‬بآلاف‭ ‬المليارات‭ ‬وان‭ ‬إمكانات‭ ‬البلاد‭ ‬الداخلية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ “‬على‭ ‬الاطلاق‭” ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬العبء؟‭ ‬ثالثا‭: ‬لقد‭ ‬لجأت‭ ‬الدولة‭ ‬الى‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬الوطنية‭ ‬وبالخصوص،‭ ‬الى‭ ‬رصيد‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬المودعة‭ ‬لديها‭ (‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬ما‭ ‬بين‭  ‬5‭ ‬و7‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭). ‬لكن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحال،‭ ‬ربما‭ ‬سيكون‭ ‬الدواء‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬الداء‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‘‬الوديعة‭’ ‬المؤمّنة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أصحابها‭ ‬لدى‭ ‬البنوك‭ ‬التونسية‭ ‬يتصرفون‭ ‬فيها‭ ‬حسب‭ ‬ارادتهم‭ ‬حصرا،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬ودون‭ ‬سابق‭ ‬انذار‭ .‬رابعا‭: ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬عند‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬مكبّلة‭ ‬بقروض‭ ‬أخرى‭ ‬ثقيلة‭ ‬جدا،‭ ‬منها‭ “‬سندات‭ ‬الخزينة‭” ‬والقروض‭ ‬على‭ ‬حسابات‭ ‬الخواص‭ ‬وان‭ ‬مجموع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القروض‭ ‬والالتزامات‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬فقط‭ ‬عبئا‭ ‬ثقيلا‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬يرجع‭ ‬أساسها‭ ‬الى‭ ‬سوء‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الحكومات‭ ‬المتتالية‭ ‬وإنما‭ ‬يمثل‭ ‬أيضا‭ ‬إضعَافا‭ ‬للادخار‭ ‬الخاص‭ ‬وبالتالي‭ ‬إضعافا‭ ‬للاستثمار‭ ‬الداخلي‭ ‬وللاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بصفة‭ ‬اعم‭. ‬فهذه‭ ‬التصرفات‭ ‬البهلوانية‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬التدابير‭ ‬التلفيقية‭ ‬اليائسة‭ ‬ولا‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬لحل‭ ‬هذا‭ ‬المشكل‭ ‬المالي‭ ‬الشائك‭. ‬وبذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الادعاء‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬رئيس‭  ‬الدولة‭ ‬والداعي‭ ‬الى‭ “‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭” ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الا‭ ‬ضربة‭ ‬سيف‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬وهو‭ ‬مجرد‭ ‬استخفاف‭ ‬بالمواطنين‭.‬

4-‬ومن‭ ‬سوء‭ ‬الطالع‭ ‬ان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬فكّر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬ما‭ ‬اعتبرها‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬تُعدّ‭ ‬بالمليارات‭ ‬من‭ ‬الدنانير‭ ‬وهي‭ ‬أموال‭ ‬شبه‭ ‬جاهزة‭ ‬للاستعمال‭ ‬الآني‭ ‬والسريع‭  ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬الخطة‭ ‬التي‭ ‬تفضّل‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬النهوض‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬وإنقاذ‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الورطة‭ ‬التي‭ ‬طال‭ ‬مداها‭ ‬ستحصل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬سوى‭ ‬أموال‭ ‬فاسدة‭ ‬ومسروقة‭ ‬كدّست‭ ‬بفعل‭ ‬من‭ ‬ارتكب‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬وطنه‭ ‬وخانه‭ ‬بلا‭ ‬مبالاة‭ ‬وبلا‭ ‬حساب‭ ‬ولا‭ ‬عقاب‭. ‬خامسا‭: ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنه،‭ ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬الفاسدة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬صعبة‭ ‬المنال‭ ‬مثلما‭ ‬تبيّن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬الرئاسية‭ ‬اليائسة‭ ‬القريبة‭ ‬العهد‭. ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬التخمينات‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬أضغاث‭ ‬أحلام‭ ‬لا‭ ‬يأمل‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬السقيم‭ ‬المشرف‭ ‬على‭ ‬الهلاك‭ ‬أي‭ ‬خير‭ ‬ولا‭ ‬أية‭ ‬جدوى‭ ‬ملموسة‭.‬

5-  ‬ولقائل‭ ‬ان‭ ‬يسأل‭: “‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التعثرات‭ ‬والإخفاقات‭” ‬؟‭ – ‬قد‭ ‬يجيب‭ ‬البعض‭ “‬إنما‭ ‬ترجع‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الى‭ ‬عجز‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬والسياسية‭ ‬الحالية‭ ‬وقصورها‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬الشؤون‭ ‬الوطنية،‭ ‬والى‭ ‬انعدام‭ ‬تجربتهم‭ ‬الحكمية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬المصيري،‭ ‬فكما‭ ‬قيل‭ ‬سابقا،‭ ‘‬ليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يركب‭ ‬الخَيل‭ ‬فارسا‭”. ‬ربما‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الرد‭ ‬بعض‭ ‬الصواب؛‭ ‬لكن‭ ‬نسبة‭ ‬الصواب‭ ‬فيه‭ ‬ضئيلة‭ ‬لسبب‭ ‬بديهي‭ ‬ولا‭ ‬هروب‭ ‬منه‭: “‬من‭ ‬الذي‭ ‬عيّن‭ ‬تلك‭ ‬السلط‭ ‬وانتدب‭ ‬أصحابها‭” ‬؟‭ – ‬فنقول‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬على‭ ‬التونسيين‭ ‬الاقتداء‭ ‬بتلك‭ ‬التجربة‭ ‬الفاشلة‭ ‬وان‭ ‬يأخذوا‭ “‬الديمقراطية‭”- ‬التي‭ ‬يقال‭ ‬إنهم‭ ‬اختاروها‭ ‬أساسا‭ ‬لإدارة‭ ‬شؤونهم‭ -‬،‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭ ‬وان‭ ‬يستبصروا‭ ‬أمرهم‭ ‬بكل‭ ‬وعي‭ ‬ومسؤولية‭ ‬وان‭ ‬يستفيقوا‭ ‬من‭ ‬غفوتهم‭ ‬ويستيقظوا‭ ‬من‭ ‬سباتهم‭. ‬فلا‭ ‬نجاة‭ ‬ولا‭ ‬خلاص‭ ‬الا‭ ‬بالمبادرات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬الضمير‭ ‬الوطني‭ ‬ومن‭ ‬حكمة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الأبي‭

‬*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 جوان 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING