الشارع المغاربي – اقتراحات‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬الدعم‭ ‬بين‭ ‬النظريات‭ ‬المثالية‭ ‬وعقبات‭ ‬البيروقراطية‭ ‬

اقتراحات‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬الدعم‭ ‬بين‭ ‬النظريات‭ ‬المثالية‭ ‬وعقبات‭ ‬البيروقراطية‭ ‬

قسم الأخبار

10 يونيو، 2023

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تواجه‭ ‬تونس‭ ‬أزمة‭ ‬شاملة‭ ‬تتعدد‭ ‬مظاهرها‭ ‬وتتعقد،‭ ‬مما‭ ‬يهدّد‭ ‬بتفجر‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬إجابات‭ ‬شاملة‭ ‬للأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬التحويرات‭ ‬الوزارية‭ ‬المتتالية‭ ‬وتغيير‭ ‬الحكومات‭ ‬المتواصل‭ ‬سعيا‭ ‬لإيجاد‭ ‬آليات‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭.‬

وتتزامن‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬مع‭ ‬إضرابات‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬شملت‭ ‬كافة‭ ‬القطاعات،‭ ‬وتعبّر‭ ‬عن‭ ‬مطالب‭ ‬قطاعية‭ ‬تفاقم‭ ‬تاثيراتها‭ ‬ظواهر‭ ‬أخرى‭ ‬اهمها‭ ‬تدهور‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للعائلات‭ ‬وانتشار‭ ‬العنف‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬والبطالة‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يزيد‭ ‬تدخل‭ ‬الجهات‭ ‬الخارجية،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السفارات‭ ‬أو‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية،‭ ‬أو‭ ‬الصناديق‭ ‬الدولية‭ ‬المقرضة‭ ‬من‭ ‬تعقيد‭ ‬الوضع‭ ‬ويشوش‭ ‬على‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يتوفقوا‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬جديدة‭ ‬فعالة‭ ‬وقابلة‭ ‬للتطبيق‭. ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المتأزم،‭ ‬تطفو‭ ‬إشكالية‭ ‬صندوق‭ ‬الدعم‭ ‬أو‭ ‬الصندوق‭ ‬العام‭ ‬للتعويض‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الأصعدة،‭ ‬حيث‭ ‬يؤثر‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العام‭ ‬ويحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬المقرضين‭ ‬الدوليين‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬مسألة‭ ‬الصندوق‭ ‬موضوعًا‭ ‬لا‭ ‬يخص‭ ‬تونس‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬تجاوز‭ ‬حدودها‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬للمزايدات‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الحزبية‭ ‬والمنظمات‭ ‬الوطنية‭ ‬والصناديق‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ “‬إصلاحه‭” ‬شرطا‭ ‬لتمويل‭ ‬البلاد‭. ‬ويشمل‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬دعم‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬والمحروقات‭ ‬والنقل‭ ‬العمومي‭.‬

أرقام‭ ‬ووقائع‭ ‬

تفيد‭ ‬الدراسات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للإحصاء‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬ينقسم‭ ‬حسب‭ ‬مستويات‭ ‬الدخل‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬فئات‭ ‬رئيسية‭ ‬هي‭ ‬الميسورون‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭ ‬المترفة،‭ ‬والطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬والطبقة‭ ‬الفقيرة‭. ‬وتنقسم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬والطبقة‭ ‬الفقيرة‭ ‬إلى‭ ‬فروع‭ ‬بسبب‭ ‬التفاوت‭ ‬في‭ ‬العناصر‭ ‬المكونة‭ ‬لهما‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬الدخل‭. ‬وتبرز‭ ‬النسب‭ ‬المئوية‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

الطبقة‭ ‬المترفة ‭ (‬10%‭)‬

الطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬وتنقسم‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬فئات‭:‬

الوسطى‭ (‬75%‭) ‬والوسطى‭ ‬العليا‭ (‬25%‭) ‬والوسطى‭ ‬السفلى‭ .(‬25%‭) ‬

الطبقة‭ ‬الفقيرة،‭ ‬وتنقسم‭ ‬إلى‭ ‬فئتين‭:‬

فئة‭ ‬فقيرة ‭ (‬12%‭)‬

فئة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع‭ (‬3%‭) ‬

وتستفيد‭ ‬الطبقات‭ ‬العليا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬70‭% ‬من‭ ‬الدعم‭. ‬وتشير‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬80‭%. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأهداف‭ ‬الكبرى‭ ‬لآليات‭ ‬الدعم‭ ‬تكون‭ ‬أساسًا‭ ‬موجهة‭ ‬للطبقات‭ ‬المحتاجة‭ ‬من‭ ‬الفقيرة‭ ‬والوسطى‭ ‬والوسطى‭ ‬السفلى،‭ ‬فإن‭ ‬الطبقات‭ ‬العليا،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬حوالي‭ ‬35‭% ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬تستنزف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭% ‬من‭ ‬موارد‭ ‬الدعم‭. ‬

وتتم‭ ‬هذه‭ ‬الاستفادة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر،‭ ‬حيث‭ ‬يحصل‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬دخلهم‭ ‬المرتفع‭. ‬فهم‭ ‬يستهلكون‭ ‬المواد‭ ‬المدعمة‭ ‬مثل‭ ‬والخبز‭ ‬والوقود‭ ‬والسكر‭ ‬والحبوب‭ ‬بأسعار‭ ‬تفاضلية‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يستفيدون‭ ‬كأصحاب‭ ‬مشاريع‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬مختلفة‭ ‬مثل‭ ‬المطاعم‭ ‬والسياحة‭ ‬والصناعة‭ ‬التحويلية‭ ‬اذ‭ ‬تستهلك‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬المواد‭ ‬المدعمة‭ ‬بكميات‭ ‬هائلة‭ ‬ويتم‭ ‬ضخ‭ ‬المنتجات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬تهريبها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬ذات‭ ‬صبغة‭ ‬ربحية‭ ‬عالية‭ ‬بما‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أرباح‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭. ‬ويستفيدون‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬المزايا‭ ‬التحفيزية‭ ‬للاستثمار‭ ‬مثل‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬والإعفاء‭ ‬الضريبي‭ ‬وأسعار‭ ‬تفاضلية‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬المياه‭ ‬والكهرباء‭ ‬والعقارات‭ ‬والمواد‭ ‬الأولية‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يعمق‭ ‬أزمة‭ ‬الصندوق‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الوافدين‭ ‬على‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬والسياح‭ ‬الأجانب‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬4‭ ‬و7‭ ‬ملايين‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يبلغ‭ ‬تعداد‭ ‬سكانه‭ ‬حوالي‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭. ‬وبالتالي‭ ‬تتراوح‭ ‬الزيادة‭ ‬بين‭ ‬40‭% ‬و70‭% ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬السنة،‭ ‬مما‭ ‬يسبب‭ ‬ضغطًا‭ ‬هائلاً‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬الصندوق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬احتسابها‭.‬

الرئيس‭ ‬وصندوق‭ ‬التعويض

أشرف‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬31‭ ‬ماي‭ ‬2023‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج،‭ ‬على‭ ‬اجتماع‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬الجامعيين‭ ‬تم‭ ‬خلاله‭ ‬تناول‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬بالأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬وتطرق‭ ‬اللقاء‭ ‬مطولا‭ ‬إلى‭ ‬ملف‭ ‬مقاومة‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مستشريا‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬القطاعات‭ ‬وضرورة‭ ‬محاسبة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أفسد‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الظل‭ ‬ليخدم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬دأب‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬افتعال‭ ‬الأزمات‭ ‬وتكديس‭ ‬الثروات‭ ‬والتنكيل‭ ‬بالشعب‭ ‬في‭ ‬قوته‭ ‬وفي‭ ‬معاشه‭. ‬وتناول‭ ‬اللقاء‭ ‬بالدرس،‭ ‬كذلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذها‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬المنشودة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التطرق‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬ملفات‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والطاقات‭ ‬البديلة‭ ‬وفتح‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة‭ ‬للتصدير‭ ‬وتخفيض‭ ‬الواردات‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬الدولة‭ ‬والمواطن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ثمة‭ ‬حاجة‭ ‬حقيقية‭ ‬إليها‭. ‬فالميزان‭ ‬التجاري‭ ‬مختل‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬نتيجة‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يجن‭ ‬منها‭ ‬المواطن‭ ‬إلا‭ ‬مزيد‭ ‬الفقر‭ ‬والإملاق‭. ‬وشدد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬مؤكدا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وخلق‭ ‬الثروة‭ ‬ومساهمة‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬مساهمة‭ ‬حقيقية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬المفعم‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬وبالانتماء‭ ‬للوطن‭ ‬وبحق‭ ‬كل‭ ‬التونسيين‭ ‬والتونسيات‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬محفوظي‭ ‬الكرامة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬محفوظة‭ ‬الكرامة‭ ‬ومحفوظة‭ ‬السيادة‭.‬

بعد‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬اتسم‭ ‬بحضور‭ ‬لافت‭ ‬لأساتذة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬طابع‭ ‬النقاش‭ ‬الدائر‭ ‬ونظرا‭ ‬إلى‭ ‬استفحال‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬استقبل‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬1‭ ‬جوان‭ ‬2023‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج،‭ ‬نجلاء‭ ‬بودن،‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬وتناول‭ ‬اللقاء‭ ‬سير‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬والتوازنات‭ ‬المالية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭.‬

وأعاد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ختم‭ ‬به‭ ‬اجتماعه‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬الجامعيين‭ ‬قول‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ “‬لو‭ ‬استقبلت‭ ‬من‭ ‬أمري‭ ‬ما‭ ‬استدبرت‭ ‬لأخذت‭ ‬من‭ ‬الأغنياء‭ ‬فضول‭ ‬أموالهم‭ ‬فرددتها‭ ‬إلى‭ ‬الفقراء‭”‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بدل‭ ‬رفع‭ ‬الدعم‭ ‬تحت‭ ‬مسمّى‭ ‬ترشيده‭ ‬يمكن‭ ‬توظيف‭ ‬أداءات‭ ‬إضافية‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يستفيدون‭ ‬منه‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حقّ‭ ‬ودون‭ ‬الخضوع‭ ‬لأية‭ ‬املاءات‭ ‬خارجية،‭ ‬ومذكّرا‭ ‬بأن‭ ‬تونس‭ ‬كانت‭ ‬عرفت‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬منذ‭ ‬السنوات‭ ‬الأربعين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عند‭ ‬إحداث‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭.‬

ضريبة‭ ‬الرئيس‭ ‬على‭ “‬الأغنياء‭” ‬ بين‭ ‬النظرية‭ ‬والتطبيق

حسب‭ ‬الدراسات‭ ‬المنجزة‭ ‬حول‭ ‬منظومة‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬الأثرياء‭ ‬بالدعم‭ ‬بسبب‭ ‬الافتقار‭ ‬إلى‭ ‬آليات‭ ‬الرقابة‭ ‬المناسبة‭.‬

وقد‭ ‬تبدو‭ ‬فكرة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بتعديل‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬تستفيد‭ ‬منه‭ ‬الطبقات‭ ‬الغنية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الضريبة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬توظف‭ ‬عليهم‭ ‬بمثابة‭ ‬حل‭ ‬منطقي‭ ‬لاستعادة‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬توازنها‭ ‬وضمان‭ ‬توزيع‭ ‬عادل‭ ‬للموارد‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المسامية‭ ‬Porosité‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬صعب‭ ‬التنفيذ‭.‬

وتكمن‭ ‬إحدى‭ ‬الصعوبات‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتصنيفها‭. ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬التحديد‭ ‬الدقيق‭ ‬لمن‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الطبقة‭ ‬الغنية‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬خاصة‭ ‬أنّه‭ ‬وحسب‭ ‬البيانات‭ ‬المتوفرة‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للإحصاء‭ ‬لعام‭ ‬2020‭ ‬قدر‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬الرسمي‭ ‬بتونس‭ ‬بنحو‭ ‬1‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬وهم‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬القطاعات‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬تحديد‭ ‬مداخيلهم‭ ‬وبالتالي‭ ‬يصعب‭ ‬تصنيفهم‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬للأثرياء‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬مختلفة‭ ‬للمواد‭ ‬المدعومة‭ ‬باستخدام‭ ‬الوسائل‭ ‬القانونية‭ ‬وأخرى‭ ‬ملتوية‭ ‬مثل‭ ‬التهريب‭. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬دخلهم‭ ‬أو‭ ‬إيجاد‭ ‬طرق‭ ‬للتحيل‭ ‬على‭ ‬القانون،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يضر‭ ‬بفاعلية‭ ‬الإجراء‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬يعد‭ ‬تطبيق‭ ‬ضريبة‭ ‬على‭ ‬الطبقات‭ ‬الثرية‭ ‬لتعويض‭ ‬الدعم‭ ‬تحديًا‭ ‬معقدًا‭ ‬يتطلب‭ ‬تفكيرًا‭ ‬دقيقًا‭ ‬وتخطيطًا‭ ‬مناسبًا‭ ‬ربما‭ ‬لن‭ ‬يجد‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬التطبيق‭ ‬البتّة‭ ‬لعجز‭ ‬الإدارة‭ ‬وتعقّد‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬مراعاة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬مثل‭ ‬الجدوى‭ ‬الإدارية‭ ‬والأثر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العام‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬التوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للدعم‭.‬

حلول‭ ‬أخرى

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬نهج‭ ‬آخر‭ ‬ممكن‭ ‬لضمان‭ ‬تخصيص‭ ‬أفضل‭ ‬للموارد،‭ ‬مثل‭ ‬تحسين‭ ‬آليات‭ ‬المراقبة،‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬سياسات‭ ‬تستهدف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬الفئات‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرًا،‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬والتثقيف‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬الحلول‭ ‬المقترحة‭ ‬إنشاء‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬مركزية‭ ‬ومشتركة‭ ‬بين‭ ‬المكاتب‭ ‬الموجهة‭ ‬للدعم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القباضات‭ ‬المالية‭ ‬المتواجدة‭ ‬بكافة‭ ‬أنحاء‭ ‬الجمهورية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تخضع‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬مستمر‭ ‬مع‭ ‬ربطها‭ ‬بالتطبيقات‭ ‬الوطنية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبيانات‭ ‬الشخصية‭ ‬للمستفيدين‭ (‬الضمان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬الداخلية،‭ ‬القباضة‭ ‬المالية،‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية،‭ ‬مكاتب‭ ‬الأداء،‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية‭…). ‬والغرض‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬التثبت‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬المعلومات‭ ‬المقدمة‭ ‬وإرساء‭ ‬نظام‭ ‬رقابة‭ ‬فعال‭ ‬ومحدث‭. ‬كما‭ ‬يعتبر‭ ‬إرساء‭ ‬منظومة‭ ‬أو‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬خاصة‭ ‬بالدعم‭ ‬أمرًا‭ ‬ضروريًا‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬وأن‭ ‬عدم‭ ‬وجودها‭ ‬يعوق‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الآلي‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬التسجيل‭ ‬الاختياري‭ ‬في‭ ‬التعويض‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 جوان 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING