الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أكد البنك الدولي في – تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر عنه يوم أمس الثلاثاء 7 جوان 2022 ان غزو روسيا اوكرانيا سيؤدي إلى جانب الأضرار الناجمة عن جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) – إلى تفاقم التباطئ في وتيرة الاقتصاد العالمي، مشيرا الى انه بدأ يدخل فترة يمكن أن تصبح طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع. وبينت المؤسسة المالية الدولية ان هذا بدوره يزيد من مخاطر الركود التضخمي، مع التسبب في عواقب محتملة الضرر على الاقتصادات متوسطة ومنخفضة الدخل على حد سواء.
وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط قال البنك في تقريره ان الانتعاش الهش خرج عن مساره بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وزيادة تكاليف الاقتراض، وضعف الطلب الخارجي. اما في ما يهم تونس، فقد أوضح تقرير المؤسسة المالية الدولية ان البلاد لم تحقق سوى تعاف طفيف في عام 2021 وانها تواجه صدمات اقتصادية متعددة مع عدم قدرتها على الحصول على تمويل من الأسواق الدولية وانها تمر بعملية تحول سياسي معقدة. ولا تزال نسبة البطالة في تونس، وفق تقييم البنك الدولي، مرتفعة عند 16.1 بالمائة مع عدم وجود حيز متاح لتطبيق سياسات تحفيزية للنمو. وشدد البنك الدولي في تقريره “الآفاق الاقتصادية العالمية” على ان النمو يعد متواضعا في تونس وعلى انه اقل بكثير من الإمكانيات المتاحة في البلاد وذلك بالنظر خاصة لمستوى البطالة وقدرت المؤسسة المالية الدولية نسبة النمو في تونس للعام الحالي في حدود 3 بالمائة.
ومن المتوقع وفق البنك أن يتراجع النمو العالمي من 5.7 بالمائة في عام 2021 إلى 2.9 بالمائة في عام 2022 – وهي نسبة أقل بكثير من النسبة التي كانت متوقعة في شهر جانفي والبالغة 4.1 بالمائة. كما يتوقع أن يتابع النمو العالمي تأرجحه حول تلك الوتيرة بين 2023 و2024، في وقت تتسبب الحرب في أوكرانيا في تعطيل النشاط الاقتصادي والاستثمار والتجارة على المدى القريب، ويضعف فيه الطلب المعطل، فضلاً عن إنهاء العمل بالسياسات المالية والنقدية التيسيرية. وسيظل مستوى نصيب الفرد من الدخل في الاقتصادات النامية هذا العام منخفضاً بنحو 5 بالمائة عما كان عليه قبل تفشي الجائحة نتيجة للأضرار التي نجمت عن الجائحة والحرب.
وتعقيباً على هذه الأوضاع، قال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس: “توجه الحرب الدائرة في أوكرانيا، وحالات الإغلاق في الصين، وما تشهد مسالك الإمداد من اضطرابات، ومخاطر الركود التضخمي ضرباتٍ شديدةً إلى النمو العالمي؛ ومن ثم سيصعب على كثير من البلدان تجنب مخاطر الركود. وتتطلع الأسواق إلى استئناف العمل من جديد، وبالتالي من الضروري تشجيع الإنتاج وتجنب فرض القيود التجارية، وثمة حاجة إلى إجراء تغييرات في السياسات المالية والنقدية والمناخية وسياسة الديون وذلك لمجابهة سوء تخصيص رأس المال وعدم المساواة”.
وفي ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أكد البنك الدولي أن متوسط معدل النمو في المنطقة رغم تسجيله 5.3 بالمائة في عام 2022 يظهر تفاوتًا كبيرًا بين الدول المستوردة والمصدرة للنفط. وأوضح البنك أنه نتيجة لذلك سيتباطأ تفاوت معدل النمو بشكل مفاجئ في عامي 2023 و2024 بمختلف دول المنطقة؛ حيث يُعزى الانتعاش الحالي بالأساس إلى النمو القوي في البلدان المصدرة للنفط مدفوعاً بارتفاع المداخيل النفطية وحدوث انحسار عام للآثار السلبية لجائحة كورونا في الدول التي حققت نسبا مرتفعة في عملية تقديم اللقاحات. ورُغم تباين آثاره الاقتصادية على دول المنطقة مع تحقيق الدول المصدرة للنفط منفعة تامة، فان الدول المستوردة للنفط تلقت صدمة مزدوجة بارتفاع أسعار الغذاء والوقود معاً.
وبلغ المتوسط السنوي لمعدل التضخم في أسعار المستهلكين أعلى مستوى له منذ الأزمة العالمية في عام 2009، وبما يقارب ضعف معدل الزيادة التي شهدها في العقد السابق لتفشي الجائحة. وفي البلدان المصدرة للنفط، ساعد ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج في الحفاظ على تحقيق انتعاش قوي قابله جزئياً ارتفاع أسعار الغذاء وتكاليف الاقتراض.
يذكر ان الحكومة كانت قد كشفت، نهاية الأسبوع الفارط، عن وثيقة متابعة مدى تنفيذ “البرنامج الوطني للإصلاحات”، الذي انطلق منذ أكتوبر 2021، حيث جرى التأكيد على انه تمّ في إطار هذا البرنامج اتخاذ 43 إجراء لتنشيط الاقتصاد شملت، أساسا 4 محاور تعلّقت بدعم السيولة وتيسير نفاذ المؤسّسات إلى التمويل واعادة تنشيط الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وتبسيط الاجراءات لدفع التصدير بهدف استعادة ثقة الفاعلين الاقتصاديين ندريجيا حماية النسيج المؤسساتي لتونس .
وابرزت رئاسة الحكومة انها تسعى أيضا، من خلال برنامجها للاستقرار الاقتصادي، الذي يقوم على مقاربة شمولية، حسب تقديرها، إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير ووضع اسس نمو ادماجي ومستديم حيث أعلنت، في هذا السياق، رسمها أهدافا تتعلّق باستعادة الثقة واستحثاث نسق الاستثمار الخاص ومساندة النشاط الاقتصادي فضلا عن تكريس نجاعة الادارة والمؤسسات العمومية خدمة للمواطن وللاقتصاد وتحقيق تنمية اجتماعية واقتصاد قادر على مواجهة الصدمات.
ويشمل البرنامج الحكومي علاوة عن ذلك ما وصف بـ “الإصلاحات الهيكلية” الذي وقع في إطارها تحديد الاصلاحات الأوليّة إلى جانب الانطلاق في وضع مخطط التنمية الاقتصادي والاجتماعي للفترة 2023 / 2025 والرؤية الاستشرافية في أفق سنة 2035.
وتشير عدة معطيات ان جل اهداف البرنامج الحكومي غير واقعية وغير قابلة للتحقيق بسبب نقص التمويلات والظرف المؤسساتي غير المستقر والوضع الاقتصادي والاجتماعي الحرج الذي تمر به البلاد في ظل غياب افاق لتجاوزه وهو ما يؤكده بوضوح التقييم الأخير للبنك الدولي حول واقع النمو والافاق الاقتصادية في تونس.