الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: يثير ارتفاع أسعار الفائدة التي تتقاضاها مؤسسات التمويل الصغير قلقًا متزايدًا وتُطرح في هذا الصدد العديد من الأسئلة: كيف تقوم مؤسسات التمويل الصغير التي تهدف إلى إدماج الفئات الأكثر ضعفًا إدماجا ماليا بفرض فوائد عالية جدا؟ كيف تتسامح السلطات العمومية مع هذه الممارسات؟ هل من المقبول أن تعاني الفئات الأكثر ضعفًا من تداعيات الممارسات التي تزيد من هشاشتها؟ ما هي آليات حماية الفئات الهشة من الحصول على قروض بأسعار فائدة مجحفة؟
من ناحية أخرى، تصف الدراسات التمويل الصغير بأنه يفاقم مديونية الفئات الهشة في العديد من البلدان مبرزة أن الترويج إلى أن التمويل الصغير يجعل مكافحة الفقر ممكنة هو مجرد مناورات تسويقية لتمويل مربح. على هذا الأساس وفي مواجهة زيادة القروض الصغرى ذات معدلات الفائدة المرتفعة للغاية، يمكن التأكيد أن التمويل الصغير هو احد اهم العوامل التي تفاقم المديونية الثقيلة أصلاً للتونسيين لا سيما من الشرائح محدودة الدخل.
وتُبيّن الإحصائيات الرسمية ان معدل المبلغ المستحق لكل حريف نشط لمؤسسات التمويل الصغير ارتفع بنسبة 3.11 بالمائة نهاية الربع الثالث من عام 2022 حسب آخر المعطيات المتاحة وذلك مقارنة بنهاية سبتمبر 2022، ليصل إلى 3046 دينارا، وذلك بالتوازي مع زيادة قيمة التمويلات الممنوحة من قبل مؤسسات التمويل الصغير بنسبة 3.79 بالمائة الى حدود 1192.4 مليون دينار.
وبشكل عام، يعد التمويل الصغير ملاذا للمقصيين من المنظومة البنكية وهم كثيرون في تونس حسب ما تثبت إحصائيات المؤسسات المالية الدولية. ومن المؤكد ان معرفة مؤسسات التمويل الصغير الدقيقة بوضعية اقصائهم المالي وحاجتهم الملحّة للتمويل تجعلهم عرضة لتوظيف فوائض كبرى على اقراضهم من هذه المؤسسات بما يدخلهم في حلقة مفرغة من المديونية.
وفي هذا الإطار، كشف تقرير المؤشر العالمي للشمول المالي 2021 الذي اصدره البنك الدولي في 29 جوان 2022 ان جائحة كورونا حفّزت الشمول المالي وأنها دفعت إلى زيادة كبيرة في المدفوعات الرقمية وسط التوسع العالمي في الخدمات المالية الرسمية. وخلق هذا التوسع فرصا اقتصادية جديدة، وسد الفجوة بين الجنسين في ملكية الحسابات وساعد على بناء القدرة على الصمود على مستوى الأسرة لتحسين إدارة الصدمات المالية، وأصبح لدى 76 بالمائة من البالغين على مستوى العالم الآن حساب في بنك أو مؤسسة مالية أخرى أو لدى مسدي خدمات مالية عبر الهاتف المحمول، مقارنة بـ 68 بالمائة في 2017 و51 بالمائة في 2011.
وحقّقت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقدما في تقليص الفجوة بين الجنسين في ملكية الحسابات من 17 نقطة مئوية في 2017 إلى 13 نقطة مئوية – 42 بالمائة من النساء لديهن الآن حساب مقابل 54 بالمائة من الرجال. وتكثر الفرص المتاحة لزيادة ملكية الحسابات على نطاق واسع من خلال رقمنة المدفوعات المقدمة حاليا نقدا، بما في ذلك المدفوعات مقابل المنتجات الزراعية وأجور القطاع الخاص.
اما في تونس، فقد اظهرت بيانات البنك الدولي ان 37 بالمائة من التونسيين فقط يملكون حسابات في مؤسسات مالية وأن النسبة تناهز 29 بالمائة بالنسبة للنساء و32 بالمائة للاشخاص محدودي الدخل.
وكشفت المعطيات ان الفجوة العمرية على مستوى ملكية الحسابات ليست عالية في تونس وذلك على غرار الأردن والمغرب وأنها لا تزال في خانة العشرات. وابرزت البيانات ان الفجوة كبيرة في ملكية الحسابات بين النساء والرجال في تونس والجزائر، وبوليفيا، ونيبال، وباكستان حيث يُرجّح أن النساء لا يملكن حسابات بسبب امتلاك الزوج او أحد أفراد العائلة من الذكور حسابا ماليا.
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 16 ماي 2023